Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"طالبان" تعلن حماية السفارة الروسية وموسكو لا تستبعد الاعتراف الدبلوماسي

طاجيكستان وكازاخستان ترفضان لجوء أشرف غني وتحذران من كارثة إنسانية

استيقظت موسكو على أخبار دخول حركة "طالبان" إلى كابول وفرض سيطرتها على الكثير من أقاليم ومحافظات أفغانستان التي كان رئيسها أشرف غني لاذ بالفرار إلى جهة غير معلومة. ولم يكن الإعلام الرسمي الروسي استفاق من دهشته، على خلفية ما تردد من أنباء حول تجميد قرار إجلاء ما تبقى من القوات الأميركية الموجودة في البلاد لدعم القوات الحكومية في مواجهة زحف الحركة، وذلك ما كشفت عنه المكالمة الهاتفية التي أجرتها قناة "روسيا 24" الإخبارية الرسمية مع دميتري جيرنوف سفير روسيا في كابول صباح الاثنين. وما إن حاول المذيع الإعراب عن قلقه تجاه أمن السفارة الروسية والمواطنين الروس حتى قاطعه السفير بقوله إنه ليس هناك أية مدعاة للقلق، فيما أكد أن "طالبان" بادرت بطمأنة البعثة الدبلوماسية الروسية، ونشرت قواتها حول مبنى السفارة، مؤكدة أنها تتحمل مسؤولية أمن السفارة ومواطني روسيا"، بل واستشهد بما قاله مسؤولوها "حول أن شعرة واحدة لن تسقط من رأس أي مواطن روسي على أراضي أفغانستان". 

ولمزيد من تأكيد عدم صحة ما يتناثر من شائعات حول توجهات "طالبان" ومواقفها، قال السفير الروسي "إن لا شيء يهدد الحياة الطبيعية في كابول، وإنه يرى من نافذة السفارة استمرار الدراسة في إحدى المدارس المجاورة لمبنى السفارة، والخاصة بتعليم الفتيات". وأردف أن الأيام المقبلة هي الفيصل في الحكم على سياسات الحركة، التي لا تزال روسيا تدرجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية المحظور نشاطها في داخل حدود روسيا الاتحادية. كما أعرب عن دهشته من سرعة انهيار التشكيلات الحكومية الأفغانية، التي قال إن العالم بالغ في تقدير إمكانات قواتها المسلحة.

ولم تكتفِ قناة "روسيا 24" بحديث جيرنوف، لتواصل استطلاعها للرأي والموقف في اتصال هاتفي مع نيكولاي بورديوجا، رئيس ديوان الكرملين الأسبق، والأمين العام لمنظمة "معاهدة بلدان الامن الجماعي" سابقاً، التي تضم روسيا وعدداً من جمهوريات آسيا الوسطى. وقال بورديوجا إن "طالبان" قوة سياسية صارت تفرض نفسها على المجتمع الدولي، وينبغي التفكير في التعامل معها. وأضاف أنه لا يتوقع محاولات توسعية من جانبها في البلدان المجاورة لأفغانستان، وإن كان لا يستبعد محاولات التوسع الأيديولوجي. وأشار إلى استعداد روسيا للتعاون مع "طالبان" إذا ما أبدت رغبة بذلك. وهو قول مماثل لما صدر عن ضمير كابولوف، الممثل الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون أفغانستان الذي ذكّر أن الحركة سبق وتعهدت بأنها لن تتخذ أية خطوات من شأنها التوسع في الأراضي المجاورة لأفغانستان. لكنه كان أكثر تحفظاً من خلال تساؤلاته عما إذا كانت ستفي بما تعهدت به. وكشف المسؤول الروسي عن أن هذه المسائل كانت ضمن المواضيع التي ناقشها مع "طالبان" خلال زيارتها إلى موسكو في يوليو (تموز) الماضي. وكانت وزارة الخارجية الروسية أعلنت أن الحركة أكدت التزامها عدم انتهاك الحدود المتاخمة لبلدان آسيا الوسطى، إلى جانب توفير الضمانات اللازمة لأمن البعثات الدبلوماسية والقنصلية للدول الأجنبية في أفغانستان. وكانت وزارة الخارجية الروسية سبق ونقلت عن الحركة في بيانها الصادر حول مباحثاتها في موسكو أنها "تتعهد بتحقيق سلام مستدام في البلاد عن طريق المفاوضات، آخذة في الاعتبار مصالح كل المجموعات العرقية لسكان البلاد، وكذلك الاستعداد لالتزام حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة في إطار الأحكام الإسلامية والتقاليد الأفغانية".

وفي محاولة هي أقرب إلى مد يد المصالحة مع "طالبان"، قالت مصادر روسية إن الحركة سبق ورفضت أي تعاون مع فصائل "داعش" في المعارك التي جرت وتجري في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما عادت وزارة الخارجية الروسية لتنقله عن الحركة التي "كانت أكدت في مباحثاتها في موسكو بشكل خاص على عزمها الحاسم على مكافحة تهديد داعش في أفغانستان، والقضاء على إنتاج المخدرات في أراضي البلاد بعد انتهاء الحرب الأهلية". وأضافت أن السفير الروسي في كابول دميتري جيرنوف مدعو إلى اللقاء يوم الثلاثاء 17 أغسطس (آب) الحالي مع ممثلها لبحث المسائل المتعلقة بأمن السفارة في كابول واحتمالات إجلاء بعض أفرادها إلى موسكو، إلى جانب مجمل الأوضاع في أفغانستان، والموقف من "طالبان" في الفترة القريبة المقبلة. 

وكان جيرنوف كشف أيضاً عن استعداد السفارة لتأمين الطائرات اللازمة لنقل المواطنين الروس ممن يرغبون بالعودة إلى الوطن. وأعربت الخارجية الروسية عن مخاوف من احتمالات ظهور تنظيمات إرهابية يمكن أن تستغل الفراغ القائم في أفغانستان من أجل الاستفادة منه، لما يشكل ذلك من خطر على حلفاء روسيا في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت وزارة الخارجية الروسية سارعت إلى القول إن موسكو لا تتعجل الإعلان عن اعترافها بـ"طالبان"، ورفعها من قائمة التنظيمات الإرهابية. وأعلنت: "إن مثل هذا الإجراء يتطلب البدء بمناقشته في مجلس الأمن الدولي". وفي هذا الصدد، أشارت إلى أن الولايات المتحدة لم تصدر بعد أي بيان رسمي بشأن ما يجري في أفغانستان، وهو ما تركز عليه وسائل الإعلام الروسية من منظور إبراز الارتباك الواضح في مواقف البيت الأبيض الذي يبدو وكأنه غاب عن المشهد السياسي في أكثر اللحظات حرجاً.

وحرصت مصادر إعلامية في موسكو على أن تعيد إلى الأذهان أن روسيا لم تكُن التي بادرت بطرح قضية إدراج "طالبان" في قائمة المنظمات الإرهابية في مجلس الأمن. وكشفت هذه المصادر عن أن الولايات المتحدة هي التي بادرت بذلك، واستجابت موسكو "على الرغم من أن أحداً لم يثبت مشاركة أفغاني واحد في العمليات الإرهابية التي جرت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001". وقال ياكوف كيدمي، جنرال الموساد الذي كثيراً ما تستضيفه البرامج الإخبارية في القنوات التلفزيونية الروسية شبه الرسمية إن الصين بادرت أيضاً من جانبها بدعوة ممثلي "طالبان" لبحث مجمل العلاقات بين الجانبين وآخر تطورات الوضع الراهن، في إشارة غير مباشرة إلى تحفيز الجانب الروسي على تعجل اتخاذ القرار المنشود، مع مراعاة أفضلية الأوراق التي تملكها الصين. وفي هذا الصدد، أشار كيدمي إلى باكستان التي شاركت مع الأميركيين في صناعة "طالبان"، لافتاً إلى أهمية دورها وعلاقاتها مع الإيغور، الأقلية المسلمة في الصين. 

ومن اللافت أن التغطية الإعلامية لما جرى ويجري في أفغانستان، وكذلك التصريحات شبه الرسمية التي صدرت في موسكو، تتحدث عن ارتياح العاصمة الروسية تجاه ما أعلنته حركة "طالبان"، في الوقت ذاته الذي حملت على الجانب الأميركي، فتندرت بشأن ما أنفقته الولايات المتحدة من أموال وما قدمته من أسلحة وعتاد عسكري إلى القوات الحكومية الأفغانية وثمة من يقول إنها كلها تقع اليوم في حوزة فصائل "طالبان". وقالت مصادر مجلسي الاتحاد والدوما إن الولايات المتحدة أخفقت في مهمتها في أفغانستان، ولم تنجح في مهمة إعداد جيش قادر على تأمين البلاد وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية، على الرغم من أن وجودها العسكري هناك طال لما يقرب من 20 عاماً.

وقالت مصادر الكرملين إن الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأوزبكي شوكت ميرزيوييف تبادلا الرأي هاتفياً بشأن الوضع في أفغانستان، مضيفةً أن الموقف الآن يتطلب الانتظار حتى يتسنى استيضاح الكثير من الجوانب، مع ضرورة التركيز على العمل من أجل الحيلولة دون تفاقم المشكلات وتجنب الكوارث الإنسانية. ونقلت وكالات الأنباء الروسية تصريحات القيادة السياسية في طاجيكستان حول أنها تعرب عن استعدادها لتقديم المساعدات العاجلة لإيواء النازحين من الأراضي الأفغانية. وكانت المصادر الرسمية في كل من كازاخستان وطاجيكستان، أكدت عدم وجود الرئيس الأفغاني أشرف غني في أراضيها، مؤكدة أن القيادة السياسية في البلدين وبقية بلدان آسيا الوسطى ترفض قبول لجوء غني، الذي تحمله مسؤولية الانهيار السريع في البلاد.

أما عن الاعتراف بـ"طالبان"، فيبدو بما يشبه الإجماع من جانب موسكو وبلدان آسيا الوسطى، حول أن الوقت لا يزال سابقاً لأوانه، وأنه يتوقف على سلوكيات الحركة في الفترة القريبة المقبلة، في الوقت الذي يكشف مثل هذا التطور السريع للأحداث وما يتعلق به من تغير في الموقف الروسي، عن براغماتية مواقف العاصمة الروسية، ورغبتها بالحصول على أكبر قدر من المكاسب والضمانات، على ضوء ما أعلنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حول أن "طالبان" تسيطر اليوم على كل المناطق المتاخمة لحدود طاجيكستان وأوزبكستان. وأعاد المراقبون إلى الأذهان ما سبق وقامت به روسيا من مناورات ثنائية مع أوزبكستان، ومع طاجيكستان وقوات منظمة بلدان معاهدة الأمن الجماعي على مقربة من الحدود الأفغانية، استعداداً لمواجهة احتمالات الخطر من جانب "طالبان".

المزيد من تقارير