Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة تتقدم المشهد السينمائي المغربي موضوعا وإبداعا

كتاب يلقي أضواء على حضورها المتعدد وقضاياها ومواجهتها المجتمع الذكوري بعيداً من النسوية

مواجهة نسائية في فيلم "آدم" المغربي (الخدمة الإعلامية للفيلم)

يعود الكاتب والإعلامي حسن نرايس ليتأمل في واقع السينما المغربية بإصدار جديد يأتي بعد أعمال سابقة عن الفن السابع أبرزها: "ماذا يقول السينمائيون المغاربة؟" و"بين الصحافة والسينما". في كتابه الجديد "المرأة في السينما المغربية: خلف وأمام الكاميرا" الصادر عن "آرت ميديا" تبدو زاوية النظر مختلفة عما سبق. فهو مخصص لحضور المرأة في مختلف المهن السينمائية: الإخراج والتمثيل والكتابة والإنتاج والإدارة وغيرها.

 في مقدمة الكتاب ترى الناقدة السينمائية ناهد صلاح، الأمين العام لجمعية بيت السينما في مصر، أن كتاب حسن نرايس هو وثيقة مهمة لكل باحث في السينما المغربية، خصوصاً من يريد أن يتعقب حضور المرأة في هذا الفن الذي أبان فيه المغرب عن تميز كبير. منوهة بما يتسم به الناقد المغربي من "رؤية متماسكة للواقع السينمائي المغربي وتفاصيله"، إضافة إلى "مقدرته على مقاربة الأفلام من حال المجتمع، مدعَّمة بتحليلات فنية مضيئة".

 

ينطلق الباحث من الأفلام التي اتخذت المرأة موضوعاً جوهرياً لها، متوقفاً بالتحديد عند الأعمال السينمائية التي كانت عناوينها أسماء لنساء: "أمينة" لمحمد التازي ، "حادة" لمحمد أبو الوقار، "ياقوت" لجمال بلمجدوب، "عايدة" لإدريس المريني، "نذيرة" لكمال كمال، "مرجانة" لجمال السويسي، "حورية" لمحمد مزيان، "ملاك" لعبد السلام الكلاعي وغيرها. كما يتوقف عند الأفلام التي كانت تيمة المرأة حاضرة في عناوينها: "نساء ونساء"، "مصير امرأة"، "محاكمة امرأة"، "نساء الجناح ج"، "امرأة في الظل"، "البحث عن زوج امرأتي"، "كيد النسا" وغيرها، ليصل بعد هذا العرض إلى خلاصة مفادها أن حضور الرجل في عناوين الأفلام المغربية كان باهتاً جداً قياساً مع حضور المرأة، وليتوقف عند مفارقة فنية، هي أن معظم هذه الأفلام كانت المرأة فيها عنواناً، بينما كان الرجل محرك الأحداث.

المرأة أمام الكاميرا بين الهشاشة والجرأة

يتساءل نرايس عن الصورة التي تحضر فيها المرأة في الأفلام المغربية، وعما إذا كانت هذه الأفلام اكتفت بعكس صورتها الواقعية على الشاشة الكبيرة، أم سعت إلى تصحيح التمثل السلبي للمرأة المغربية عبر السينما. يوجد الباحث المغربي من سؤال السينما أسئلة عديدة تهم في الأساس وظيفتها وقدرتها على مواجهة الجمود الفكري، وما قدمته للمرأة في مجتمع لم ييسر لها الحضور في الحياة الثقافية والفنية إلا بعد جهود ونضالات متراكمة. وكي يجيب على أسئلته يقوم بوضع عدد كبير من الأفلام المغربية على طاولة التشريح، وتحديداً تلك الأفلام التي جعلت المرأة إطاراً لها.

يعود نرايس إلى فترة السبعينيات والثمانينيات، حين كان حضور المرأة مقتصراً على صورتها الهشة والضعيفة أمام سطوة الرجل. ففي فيلم "الشركَي" لمؤمن السحيمي تصارع المرأة بجميع الطرق المشروعة وغير المشروعة كي لا يتزوج عليها زوجها. وفي فيلم "عرائس من قصب" تعاني البطلة من هيمنة الذكور المحيطين بها وتسلطهم. غير أن حضور المرأة في السينما المغربية سينحو نحو التحول مع بداية التسعينيات، حيث ستظهر المرأة الجريئة. ففي فيلم "حب في الدار البيضاء" نشاهد شابة تعيش علاقتي حب في الآن ذاته مع رجل متقدم في السن وآخر ينتمي إلى جيلها.

وفي فيلم "شاطئ الأطفال الضائعين" يطرح مخرجه الجيلالي فرحاتي موضوع الحمل غير الشرعي. غير أن هذه التحولات التي عرفها المجتمع، وعرفتها معها السينما لم تكن لتحول دون استمرار حضور المرأة في الفن السابع كعنصر مُستلَب، يقاوم على الدوام من أجل التخلص من قيود المجتمع وضغوطاته التي ينقلها الزوج من الخارج ليضعها على كاهل المرأة، كأنما يتعلق الأمر بتنفيس ضغط خارجي داخل البيت على كائن ضعيف. في هذا الصراع تبدو في المقابل صورة الرجل ذات بعد واحد: الذكورية المفرطة، حتى وإن كان هذا الرجل يعاني من عجز جنسي، كما في فيلم لطيف لحلو "سميرة في الضيعة".

 

غير أن التيمة التي تبدو مهيمنة في الأفلام المغربية التي جعلت من المرأة موضوعاً لها هي مسألة الحمل خارج إطار الزواج، بحيث تمت معالجة هذه القضية وفق تصور ينحو في الغالب إلى محاكمة المجتمع قبل محاكمة المرأة الحامل. هذا ما سيلمسه المشاهد في فيلم "ملاك" لعبد السلام الكلاعي، و"حجاب الحب" لعزيز السالمي، و"آدم" لمريم التوزاني، وغيرها من الأفلام التي عالجت هذا الموضوع، أو تطرقت لموضوع قريب منه، هو فقدان البكارة دون زواج.

مخرجات لم يقعن في فخ النسوية

 خصص الناقد المغربي حسن نرايس فصلاً مهماً للحديث عن الإخراج السينمائي في المغرب بصيغة المؤنث، ورأى أن أفلام المخرجات المغربيات لم تكن لتخلق حركة نسوية داخل الفن السابع، بل كانت "تجارب سينمائية لنساء". يعود نرايس ليصل عبر الإحصاء والجرد إلى أن عدد الأفلام التي أخرجتها نساء مغربيات كان ضئيلاً قياساً مع عدد المخرجين. ويتوقف عند تجربة فريدة بورقية باعتبارها أول مخرجة مغربية دخلت عالم الإخراج الذي كان حكراً على الذكور بفيلمها "جمرة" الذي خرج إلى الوجود سنة 1982، بعد عودتها من موسكو حاملة دبلوماً في الفنون المسرحية، وشهادة ماجستير في الإخراج. ويتوقف نرايس أيضاً عن تجربة فريدة بليزيد خريجة المعهد العالي للدراسات السينمائية في باريس التي تميزت أفلامها بالرؤية الثقافية، فهي كانت تجنح إلى الاحتفاء بتيمة الهوية والتراث المحلي والتعدد الثقافي. وتعد نرجس النجار انعطافة في تاريخ المخرجات المغربيات. فبعد تخرجها في المدرسة العليا للإخراج السمعي البصري بباريس ستقدم فيلم "العيون الجافة" سنة 2003، وقد حظي هذا الفيلم بالمشاركة في مهرجان كان خلال العام نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وإضافة إلى الأسماء السابقة أسهم عدد من المخرجات المغربيات في دفع عربة الفن السابع في البلاد إلى التقدم والحضور في ملتقيات عربية ودولية، والظفر بعدد من الجوائز داخل العالم العربي وخارجه: إيمان المصباحي، إيزة جنيني، ياسمين كساري، فاطمة الجبلي الوزاني، مريم بكير، ليلى المراكشي، ليلى الكيلاني، سعاد البوحاطي، مليكة المنوك، خديجة السعيدي لوكلير، سلمى بركَاش، زكية الطاهري، مريم بنمبارك، وغيرهن. واللافت أن معظم هؤلاء المخرجات قد درسن السينما خارج المغرب، في روسيا وفرنسا وبلجيكا وكندا وغيرها.

حاولت السينما المغربية منذ بداياتها أن تفتح النقاش حول قضايا المرأة بدءاً من محاصرتها بوابل من التقاليد، واستغلالها بمبررات دينية وموروثات اجتماعية، وصولاً إلى قضايا متشعبة كالتحرش الجنسي والدعارة والخيانة. ومهما اختلفت مداخل هذه الأفلام فقد كانت رؤيتها في الغالب تتسم بالبعد الحداثي، حتى بدت السينما منحازة بشكل كبير إلى المرأة وطرفاً أساسياً في هيئة الدفاع عن حقوقها. وهذا راجع في الأساس إلى ما عُرف عن أبرز المخرجات والمخرجين المغاربة من انتماء تنويري وتكوين حداثي ومرجعية فكرية منتزعة من مرجعيات عالمية لا تركن بالضرورة إلى تلك النظرة الضيقة التي ترى أن البلد العربي بلد مغلق ومعزول عن العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة