Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتوجب إعادة العاملين إلى المكاتب؟

خبراء يرون أن الشغل من المنزل يرفع الإنتاجية ووزير يرى خفض الأجر عنه

العمل من المنزل قد يتحوّل نموذجاً جديداً في الإنتاج (غيتي)

أطلقت شخصية حكومية بارزة مناقشة متجددة حول العمل من المنزل، بعدما اقترحت في شكل مثير للجدل دفع أجور أقل إلى الموظفين المدنيين إذا لم يعودوا إلى المكاتب. وأكد الوزير الغامض الذي رفض ذكر اسمه في خبر تصدر الصفحة الأولى في الإعلام الاثنين الماضي، أن العاملين من المنازل يستحقون أجوراً أقل، لأنهم يوفرون المال في مجالات مثل تكاليف التنقل.

وكذلك نُقِل عن الوزير، "أعتقدُ بأن الناس الذين يرغبون في التقدم في الحياة يذهبون إلى المكاتب لأنها الطريقة التي ينجح بها الناس"، مشيراً إلى أن أصحاب العمل لا يستطيعون أن يعرفوا إذا كان موظفوهم يعملون أو يشاهدون التلفزيون.

وأصر النائب إيان دنكن سميث على ضرورة إلزام الموظفين المدنيين "التوقف عن الجلوس" والذهاب إلى المكاتب.

وبعد انتقادات قوية، تراجعت الحكومة في غضون ساعات عن مقترحها المزعوم. إذ ذكر وزير الأعمال، كواسي كوراتنغ، أن ما يُسمَّى العمل الهجين، حيث يقسم الموظفون وقتهم بين المنزل ومكان العمل، وُجِد ليبقى.

واستطراداً، تثير الخطة، وسحبها السريع، بعض الأسئلة المهمة التي برزت خلال الجائحة. هل الموظفون حقاً أكثر إهمالاً وكسلاً وأقل إنتاجية حين يعملون من المنازل، أم هل أصبحت أفكار كهذه متقادمة؟ هل سيكون من الأفضل بالنسبة إلى أصحاب العمل والاقتصاد ككل، أن نعود إلى التنقل، أم هل تفوق منافع إنجاز ولو جزء صغير من العمل في المنزل، السلبيات المحتمل نشوؤها جراء ذلك؟

في الواقع، يقترح عدد من الدراسات أن العمل من المنزل لبعض الوقت يحسن الإنتاجية. إذ تشير الدكتورة ريتا فونتينها، الأستاذة المساعدة في الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية في "مدرسة هنلي للأعمال"، إلى بيانات جُمِعت قبل الجائحة تبيّن أن نظام عمل هجين أظهر "أفضليات كبيرة"، بما في ذلك معدل أدنى في التغيّب. وبحسب الدكتورة فونتينها، "لا أدلة تقترح أن العاملين من المنازل أقل إنتاجية أو أكثر كسلاً، بل إن [إجراء مقارنة مع] البيانات المجمعة قبل جائحة كورونا، تقترح عكس ذلك تماماً". وكذلك ترفض فكرة خفض أجور الموظفين العاملين بعيداً من المكاتب، لأنها تستند إلى افتراض خاطئ مفاده بأنهم أقل إنتاجية.

في المقابل، ثمة عيوب للعمل من المنزل. ووفق الدكتورة فونتينها، "إن الشبكات والتفاعلات الاجتماعية التي تُكرَّس في مكان العمل ذات صلة تماماً بالحياة المهنية للفرد وتطوّر الموظف. وهذا مهم في شكل خاص لأولئك الذين يبدؤون حياتهم المهنية". وتضيف الدكتورة فونتينها أن على أصحاب العمل، بدلاً من اتخاذ نهج شامل، أن يسعوا إلى وضع ترتيبات عمل أكثر مرونة، فيسمحوا للموظفين بالجمع بين منافع العمل من المنزل والتفاعلات المنتظمة في المكتب.

وفي ذلك الإطار، يوفر العمل من المنزل بالفعل منافع كالتوازن الأفضل بين العمل والالتزامات الأخرى، لكنه قد يؤثر أيضاً سلباً في الصحة العقلية في الأجل البعيد بأن يعمق مشاعر العزلة لدى بعض الموظفين، وفق ستيفن بيفن، رئيس تطوير البحوث الخاصة بالموارد البشرية في "معهد دراسات التوظيف" التابع لـ"جامعة لانكستر". وتوافق مديرة الحملات في "اتحاد التنسيب والتوظيف"، شازيا إيجاز، على أن العمل من بعد ممكن ومفيد في الأجل البعيد، لكنه قد لا يكون مناسباً للجميع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب كلمات السيدة إيجاز، "الصحيح هو أن الموظفين يجب أن يملكوا الحق في طلب ترتيبات عمل مرنة. وكذلك يتوجب على أصحاب العمل الفرديين أن يفكروا جدياً في أفضل الإجراءات لأعمالهم ويتشاوروا مع موظفيهم قبل أن يقرروا موقفهم في شأن العمل من بُعد أو العمل المَرِنْ. وعلى الحكومة أيضاً أن تتشاور مع الموظفين المدنيين".

وفي ذلك الإطار، تشير الدكتورة فونتينها إلى أن الدراسات التي تناولت العاملين خلال الجائحة بيّنت أن الموظفين العاملين من المنازل كانوا أقل إنتاجية حين كان عليهم أن يهتموا بالأطفال، لكن هذا الأثر اختفى حين عاودت المدارس فتح أبوابها، ما يشير إلى وجود فائدة في تحسين الوصول إلى رعاية الأطفال مع السماح بالعمل المرن في الوقت نفسه.

واستطراداً، تُعَد رعاية الأطفال في المملكة المتحدة من بين الأعلى تكلفة عالمياً ويُعتبَر توفيرها متفاوتاً مع تفاوت الجودة والتوفر في البلاد. ولهذا السبب، يتردد أزواج كثر، لا سيما النساء اللواتي يتحملن في الغالب عبء رعاية الأطفال أكثر من الرجال، في العودة إلى العمل غير المرن الذي يعني الوجود في المكتب خمسة أيام أسبوعياً.

وفي ملمح آخر، أبرز العمل من المنزل أيضاً التصميم السيئ في كثير من المكاتب، إضافة إلى كون نظام رعاية الأطفال مرتفع التكلفة ويعاني ضغوطاً متنوعة. وكذلك شدد الخبراء على الانقسام بين نوعين عريضين من العمل. يتمثّل الأول في العمل التعاوني على غرار الاجتماعات أو جلسات طرح الأفكار أو العمل من أجل هدف مشترك. ويتجسد الثاني في المهمات الفردية التي تتطلب انتباهاً مركزاً وغير منقطع.

وقبل الجائحة، أنجز كثيرون من العاملين المكتبيين ممن يؤدون النوع الثاني من العمل، في بيئات لم تكن مناسبة على الإطلاق على غرار المكاتب المزدحمة والمفتوحة التي تولّد تشتيتاً مستمراً وضجيجاً.

وفي ذلك الصدد، يُحكى أن العاملين يبلِّغون عن تمكنهم من التركيز بسهولة أكبر بكثير في المنزل [بالمقارنة مع المكاتب غير المناسبة]، وهذا قد يكون سبباً لأفضلية الإنتاجية التي اكتشفها باحثون. بالطبع، ليست هذه التجربة شاملة. فمن المرجح أن المدير الرفيع المستوى والأفضل حالاً وصاحب المكتب المنزلي، سيجد أنه أقل تشتتاً من شخص تخرج حديثاً في جامعة أو مدرسة ويعمل على طاولة المطبخ في بيت مشترك مزدحم. ومن الواضح أيضاً أن أنواعاً كثيرة من العمل التعاوني يمكن إنجازها بنجاح أكبر وجهاً لوجه، بالمقارنة مع الاجتماع عبر "زوم" أو "مايكروسوفت تيمز".

في ذلك السياق، يجب أن يكون المكتب لا يُقدَّر بثمن. في المقابل، ثمة مكاتب كثيرة لم تُصمَّم بشكل يأخذ ذلك في الاعتبار. إذ يتمثّل الإعداد المعياري [للمكاتب] في صف تلو آخر من المكاتب الفردية، مع مساحات قليلة جداً مخصصة لرعاية عمل الفريق. باختصار، إن المساحات المكتبية تكون سيئة التصميم حينما تستخدم في أداء النوع الخطأ تماماً من المهمات. وقد تبلورت تلك الفكرة حتى قبل أن تدخل إلى مشهدية العمل المراسلة المستمرة بالإشعارات من البريد الإلكتروني وخدمات المراسلة عبر أجهزة متعددة.

واستكمالاً، توفر الجائحة لأصحاب العمل سبباً في إصلاح مساحات العمل الخاصة بهم، وكذلك تعطي الحكومة مبرراً في تحسين ترتيبات رعاية الأطفال كي يغدو ممكناً تحقيق الأداء الأفضل في العمل، سواء أنجز من المنزل أو المكتب. واستطراداً، تقترح الأدلة المتوفرة أن ذلك سيحقق منافع أكبر بكثير لرفاه الأفراد والازدهار الاقتصادي، بالمقارنة مع إجبار الموظفين على العودة إلى "العمل كالمعتاد".

© The Independent