Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البحر الميت" يواجه مشكلته وحيدا ومشروع "قناة البحرين" الإنقاذي يتعثر

تتقلص مياهه بشكل كبير سنويا وفقد خلال نصف قرن ثلث مساحته

تراجعت مساحة مسطح البحر الميت المائي إلى 650 كيلومترا عام 2019 بعد ما كانت 950 كيلومترا عام 2000 (اندبندنت عربية)

ثمانية عشر كيلومتراً مشياً على الأقدام، بين الجبال الوعرة والأودية والأخاديد التي شكلتها السيول، سار فيها محمد حافظ (25 سنة) ورفاقه، أملاً في الوصول إلى أقرب نقطة إلى البحر الميت (بحيرة ملحية مغلقة تقع في أخدود وادي الأردن على خط الحدود الفاصل بين الأردن والضفة الغربية)، وعلى الرغم من تكبدهم معاناة ومخاطرة كبيرة لملامسة طينته العلاجية، ومياهه المالحة للاستجمام والراحة، تفاجأ الفريق الشاب، بأن السلطات الإسرائيلية نصبت جداراً سلكياً على غالبية شواطئ البحر في الجانب الفلسطيني، محذرة من الوصول إليها لدواعٍ أمنية.
شاطئ مصادر

وقال الشاب حافظ إن "تل أبيب تحرمنا من حقنا في شاطئ البحر الميت، وتجبرنا على الدخول إلى المنتجعات الإسرائيلية لنحظى بالاستجمام وهي مكلفة جداً. على السلطة الفلسطينية أن تعمل جاهدة من أجل استرجاع حقنا المسلوب في البحر قبل أن يختفي تماماً ونحرم منه إلى الأبد".

وسيطرت إسرائيل عام 1967 على 36 كيلومتراً تعود للفلسطينيين من شاطئ البحر الميت، وحرمتهم من الاستثمار فيه كمورد طبيعي وسياحي مهم. ووفقاً لتقرير وزارة الاقتصاد الوطني، فإن إسرائيل تضيع الفرصة أمام الفلسطينيين لاستغلال ما يزيد على مليار دولار سنوياً من الموارد المتاحة في البحر الميت.

وقال الناطق باسم وزارة السياحة والآثار جريس قمصية، إن "الحكومة الإسرائيلية ترفض من خلال حجج أمنية واهية منحنا أهم مورد سياحي واقتصادي قد يكون للفلسطينيين، وذلك تنكر ومخالفة للقانون الدولي. كما تمنعنا من استثمار ينابيع المياه التي تصب في البحر، وهذه سرقة واضحة نحاول لفت أنظار دول العالم إليها، ولا بُد للفلسطينيين من التمتع بشاطئ خاص بهم بحسب الاتفاقيات الدولية، والاستفادة من مياه البحر الميت الذي يُعتبر حالة نادرة في العالم، إذ يقع في أكثر نقطة انخفاضاً عن مستوى البحر (420 متراً تحت مستوى البحر)، ويقصده السياح من مختلف دول العالم للاستجمام والسياحة العلاجية".


نهب وتجفيف

بعد عقود من الأبحاث والدراسات، يؤكد جيولوجيون وخبراء أن مياه البحر الميت تتقلص بمقدار متر إلى 1.5 متر سنوياً، وخلال نصف قرن فقد البحر ثلث مساحته، وأدت الزيادة المطردة في انحسار مياهه، إلى نقص أعماقه بمعدل من 70 إلى 80 سنتيمتراً كل عام، حتى تراجعت مساحة مسطحه المائي إلى 650 كيلومتراً عام 2019 بعد ما كانت 950 كيلومتراً عام 2000.

واعتبر مدير دائرة الساحل والبيئة البحرية في سلطة جودة البيئة، أكرم حلايقة أن "السبب الرئيس لانحسار وانكماش مياه البحر الميت بهذا الشكل المرعب، يعود إلى السياسات المائية المجحفة التي تتبعها الدول المؤثرة فيه، وفي مقدمها إسرائيل، التي اعتدت على مصبات المياه المغذية للبحر الميت وأهمها نهر الأردن، الذي كان يزود البحر الميت بـ1.5 مليار متر مكعب سنوياً، أما اليوم فما يصل إلى البحر أقل من 200 مليون متر مكعب، بخاصة بعد ما حولت مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب في الجنوب، يُضاف إلى ذلك إقامة سدود مائية على الأودية المحيطة بالبحر لغايات الشرب والزراعة على ضفتيه، الشرقية في الأردن والغربية التي تسيطر عليها السلطات الإسرائيلية، وما تستهلكه الصناعات التعدينية بخاصة البوتاس والأملاح على ضفتي البحر شرقاً وغرباً يزيد الأمر صعوبة، إذ تضخ تلك المصانع نحو 300 مليون متر مكعب من مياه البحر الميت، كما أن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار خلال السنوات الماضية، غيرت ملامح البحر الميت الذي كاد يصنف من عجائب الدنيا السبع".

وحول الاتهامات، يؤكد باحثون ومسؤولون إسرائيليون، أن اللوم لا يقع على منطقة واحدة أو بلد معين فقط، فالعامل الطبيعي الحار والجاف الذي شهدته السنوات الأخيرة صعّب على البحيرة المحافظة على مياهها، كما أن سياسة بناء السدود وتحويل المسارات، والضخ عند روافد نهر الأردن الرئيسة من دول الجوار لعبت دوراً إضافياً مهماً في تقليل منسوب المياه المتدفقة نحو البحر الميت، فنبع نهر اليرموك (الرافد الرئيس لنهر الأردن والقادم من سوريا) يصب في نهر الأردن السفلي.

وبموجب اتفاقية عام 1987 بين الأردن وسوريا تم بناء "سد الوحدة" لري الأراضي على طول نهر اليرموك، ومع ذلك، منذ توقيع الاتفاقية زادت سوريا عدد السدود التي شيّدتها على طول مجرى النهر وروافده من 26 إلى 48 سداً. كما شيّدت أيضاً نحو 3500 بئر لضخ المياه لري المزارع خارج حوض النهر.

وبحسب وزارة حماية البيئة الإسرائيلية، فإن "تل أبيب فقيرة في الموارد المائية من حيث كمية المياه المتاحة للفرد، والتي تأتي من موارد المياه الطبيعية، بما في ذلك المياه الجوفية والمياه السطحية".

حفر خسفية

خلال الـ20 سنة الماضية، انخفض مستوى سطح البحر الميت نحو 22 متراً، وابتعد الشاطئ نحو ألف متر، تاركاً خلفه حفراً عميقة صعبت على السواح والزوار الوصول إلى الشاطئ. ويصل اتساع بعض تلك الحفر إلى 100 متر وعمقها 50 متراً، ويبدو في بعض الأماكن كما لو أن زلزالاً قوياً ضرب المنطقة، وبصورة إجمالية هناك الآن أكثر من 5500 من هذه الحفر الخسفية حول الشاطئ، والتي لم تكن موجودة مطلقاً قبل 40 سنة. وبحسب علماء الجيولوجيا فإن تلك الحفر البالوعية (الخسفية)، والتي يخلفها البحر بعد انحساره، تتشكل حينما تسقط كميات الملح تحت الأرض في تشققات ضخمة، وتذوب عندما يتسرب الماء العذب إليها، ما يؤدي إلى تشقق الأرض. كما أن المساحات الرملية الواسعة على شاطئ البحر، والتي كانت تغمرها المياه سابقاً، أصبحت الآن جافة، والمطاعم والمنتجعات التي كانت تُطل على البحر مباشرة، أصبحت بعيدة عنه وخلت من الزوار.

وقال صاحب أحد المنتجعات الإسرائيلية، إنه "حين شُيد المنتجع في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كانت الأمواج ترتطم بحوائطه، لكننا اضطررنا الآن إلى شراء قطار جرار خاص لنقل السائحين إلى حافة المياه، وهي رحلة تصل مسافتها إلى كيلومترين. وبسبب استخدام القاطرة والبنزين وإضافة موظفين جدد، زادت التكاليف لتصل إلى 500 ألف دولار سنوياً".


تعثر قناة البحرين

وأعلن الأردن في بداية يونيو (حزيران) الماضي، تخليه نهائياً عن فكرة مشروع "قناة البحرين"، الذي وقعت اتفاقاً بشأنه مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية المتعثر منذ خمس سنوات، والذي تقوم فكرته على ربط البحر الأحمر جنوباً والبحر الميت شمالاً بواسطة قناة، ‏لرفع منسوب البحر الميت وإنقاذه من الجفاف، وتزويده سنوياً بكميات من المياه تصل في مرحلتها النهائية إلى 700 مليون متر مكعب، كما كان يقضي بإقامة محطة تحلية للمياه في مدينة العقبة جنوب الأردن، لتوزيع المياه المحلاة على الأطراف الثلاثة.

وعن أسباب تخلي الأردن عن مشروع "قناة البحرين"، نقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" عن مصادر أردنية قولها إنه "لم تكن هناك رغبة حقيقية لدى الجانب الإسرائيلي لتنفيذ المشروع، الذي تم التعامل معه بنوع من المراوغة والمماطلة من قبل إسرائيل، وأن المملكة ستركز جل اهتمامها لتطوير مشروع ناقل المياه الوطني، الذي لا يشارك فيه أي طرف".

وأوضحت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن مشروع قناة البحرين كان أحد الخيارات العديدة التي تطلعت إليها إسرائيل لإنتاج الطاقة الكهرومائية، وتحلية مياه البحر لمكافحة مشكلة نقص مياه الشرب في المنطقة، وتجديد منسوب مياه البحر الميت الآخذ في الانكماش. 

لكن دراسة لوزارة الخارجية الإسرائيلية حذرت من أن أي مسار للقناة قد يؤثر في التركيب الكيماوي للبحر الميت وجودة المياه فيه، ومن ثم قد يضر بصناعة استخراج المعادن. كما حذر البنك الدولي من أن بناء القناة ستكون له تداعيات بيئية بارزة في المنطقة، علاوة على المتطلبات الضخمة من الصيانة وتكاليفها لاستمرار تشغيل المشروع.

وقال البروفسور ستيف برينر من قسم الجغرافيا والبيئة في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، لـ"جيروزاليم بوست"، "على مدار 40 عاماً الماضية، أجريت العديد من دراسات الجدوى التفصيلية التي خلصت في المقام الأول إلى أن المشروع غير مجد من الناحية الاقتصادية"، مؤكداً أن "التقدم الكبير الذي حدث أخيراً في مجالات إنتاج الطاقة وتحلية المياه يستدعي إعادة تقييم شاملة قبل الإقدام على أي خطوات" في هذا المشروع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مصادر بديلة

مع تعثر "قناة البحرين"، فقدت السلطة الفلسطينية فرصتها في الحصول على 30 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، كان يفترض أن يوفرها المشروع في مرحلته الأولى.

وقال رئيس سلطة المياه الفلسطينية مازن غنيم "على الرغم من قناعتنا بأن إنقاذ البحر الميت لا يتأتى إلا بوقف الانتهاكات الإسرائيلية، شاركنا في المشروع لتثبيت حقنا كدولة مشاطئة، علماً أن كميات المياه التي سنستفيد منها قليلة لا تتجاوز 30 مليون متر مكعب. ومن المؤكد أن السبب الرئيس لتعثر المشروع يعود إلى عدم التزام إسرائيل بأي من الاتفاقيات، ما يفرض علينا شراء هذه الكميات من الجانب الإسرائيلي، بأسعار أعلى مما تم الإعلان عنه في مشروع قناة البحرين. ورغم كل المعوقات التي تضعها السلطات الإسرائيلية، ولأهمية المياه للحياة والتنمية وإقامة دولتنا، فإننا ماضون لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، باستخدام مصادرنا المائية وإيجاد مصادر بديلة".

وأشارت دراسة للبنك الدولي إلى أن مسار القناة سيجتاز منطقة معرضة للنشاط الزلزالي، ما يتطلب نفقات إضافية لضمان تماسكها. وأضافت الدراسة أن أي تضرر من الزلازل، قد يشكل خطراً بتسرب المياه المالحة يُحتمل أن تلوث المياه الجوفية القريبة. كما أن ضخ المياه قد تكون له تداعيات ضارة على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر.

المزيد من بيئة