Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطاع الدواجن في لبنان يستغيث: لا خيار سوى الإقفال

يطالب المزارعون بتحرك سريع من الدولة لتأمين الأعلاف بأسعار مقبولة

تعتبر تربية الدجاج البلدي من التقاليد القروية في لبنان (اندبندنت عربية)

حياة الملايين من الطيور في لبنان باتت مهددة في ظل أزمة شح المحروقات والارتفاع غير المنضبط لسعر الأعلاف المستوردة من الخارج. ويؤكد أصحاب المؤسسات أن "الإغلاق أصبح مسألة أيام"، وبالتالي سنكون أمام احتضار قطاع تربية الدواجن والطيور. هذا الأمر سيشكل تهديداً جدياً للأمن الغذائي للمواطن اللبناني، الذي يعتمد على هذه السلعة الضرورية، وسيقضي على الحجر الأساس للنهضة الزراعية في البلاد.

تربية الدجاج البلدي

تعتبر تربية الدجاج البلدي من التقاليد القروية في لبنان. طوال قرون، حافظ سكان الريف على "القن" في الحدائق التابعة لمنازلهم. ولكن، مع انتشار المدنية، تخلى كثيرون عن هذا النشاط، واستبدلوا به المنتجات الجاهزة. إلا أن السنوات القليلة الماضية، شهدت عودة تربية الدجاج البلدي لأسباب مختلفة. البعض لجأ إليها من باب التسلية، فيما يعبر آخرون عن عودتهم إليها انطلاقاً من الهاجس الصحي والنظافة. ويتحدث سعود إبراهيم، أحد الأشخاص الذين بدؤوا يعتمدون على النشاط الزراعي منذ نحو خمس سنوات، عن متعة ترافق تربية الدجاج، لأنه يتعامل مع كائنات حية بريئة ومعطاءة. وقد بدأت قصته مع تربية الطيور من دجاجة وديك اشتراهما من أحد الأصدقاء، وبدأت مسيرة التكاثر والنماء.

يحتاج الدجاج البلدي إلى عناية كبيرة، وإلى تغذية جيدة من خلال تأمين تشكيلة من بذور الذرة المجروشة والشعير والقمح وغيرها. لذلك، تأثر المربون بارتفاع الأسعار تحت تأثير سعر دولار السوق الموازية. ويقول إبراهيم إنه كان يشتري الكيسين لخلطة الطعام بنحو 30 ألف ليرة لبنانية. أما اليوم فقد أصبح ثمن الكيس الواحد 300 ألف ليرة لبنانية. تضاعفت الأسعار فيما تراجعت العوائد، وبات متعجباً كيف أن الناس يجدون ألفين أو ثلاثة آلاف ليرة (نحو دولار أو دولار ونصف الدولار) سعراً غالياً للبيضة البلدية، فيما يشترون كرتونة بيض المزارع بـ60 ألف ليرة (نحو ثلاثة دولارات).

لم تعد تؤمن دخلاً جيداً هذه الحرفة، برأي إبراهيم. ويؤكد أنه "لولا إضافة بقايا الطعام المنزلي من أهله وسكان البناية، لعجز ربما عن تأمين الطعام للدجاجات". ويعتقد أننا سنكون أمام تراجع اندفاعة الناس نحو الزراعة، لأن هذا القطاع ليس مجرد رغبة أو متعة، إنما هناك عوامل أساسية يجب تأمينها، وتسهيلات للمواطن من أجل البدء بالاستثمار.

قطاع تربية الدواجن... يحتضر

تتجلى أزمة تربية الدواجن في أبهى صورها بالمعاناة التي يشكو منها أصحاب المزارع الكبرى. ويؤكد أحمد الشيخ، صاحب منشأة كبرى في بلدة عكار، أن القطاع يحتضر، وما هي إلا أيام حتى يشارف على الموت، وأكثر من 20 مليون طير مهدد بالخطر. ويذكر الشيخ الذي يعمل في القطاع منذ 37 عاماً، أنها "المرة الأولى التي يضطر فيها إلى إطفاء آلات التفقيس"، وبالتالي هو مضطر إلى "رمي ما فيها من بيض". وقد اضطر إلى تشغيل مولد كهربائي صغير لإنقاذ الحاضنات وتأمين التهوية لها خلال النهار، ووقايتها من الحرارة المرتفعة.

جاءت أزمة شح مادة المازوت لتزيد من حجم الكابوس الذي يعيشه المزارع اللبناني. ويُتوقع أن يكون لها نتائج كارثية على المجتمع بأكمله. لذلك، يعتقد الشيخ أن "هذه الحرفة آيلة إلى الانقراض السريع". فهو "لن يتمكن من المقاومة لأكثر من عشرة أيام". وسيكون مصير ملايين الفراخ الموت. ويأسف لأننا سنكون أمام خسارة كبيرة لكل عمليات التطوير. فهو بدأ بتربية 20 ألف طير، ليصل اليوم إلى 700 ألف طير "لحم"، وبيّاض 250 ألف طير. وعليه، فإن حياة عدد كبير من الكائنات أصبحت مهددة.

ويلفت الشيخ إلى أن معاناة المنتجين كبيرة، ولم يعد بقدرتهم المقاومة. وبالتالي، فإن توقف هذا القطاع سيؤدي إلى تدمير حلقة اقتصادية متكاملة وذات مردود إيجابي كبير، سائلاً عن قيمة البلاد من دون زراعة وصناعة وتجارة، ويشير إلى أن "الأمن الغذائي بات في خطر".

تراكم المشاكل

تلعب أزمة المازوت دور الشعرة التي قصمت ظهر البعير، إلا أن لهذه الكارثة أسباباً أخرى. بدأت بغلاء الأعلاف المستوردة من صويا وذرة وغيرهما مما يُسعر بالدولار "الفريش". وتأتي الرسوم التي تتقاضاها الدولة، بالإضافة إلى التخزين والنقل، ومن ثم صناعتها في المعامل وتصنيفها. ويؤكد الشيخ أن تغذية الصوص (الكتكوت) تختلف عن الفرخ الكبير البالغ، و"هو كالطفل الصغير لا ينمو ويعيش إلا بغذاء خاص به".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويطالب المزارعون بتحرك سريع من الدولة لتأمين الأعلاف بأسعار مقبولة، لأن "غلاء الأعلاف ينعكس على كلفة الفروج، ويجعله بعيداً عن متناول الناس". ويدفع الشيخ شكوى الناس بأن أصحاب مزارع الدجاج يستغلون الناس ويرفعون الأسعار، قائلاً إن "كلفة كيلو الفروج هو دولار و32 سنتاً"، فيما يُباع بـ85 سنتاً، لذلك فإن "التجار يبيعون بخسارة كبيرة".

يجزم الشيخ بأنهم "لا يحصلون على علف مدعوم، وكل ما حصل هو أن وزارة الزراعة تحصلت على باخرة علف، ووزعتها في المناطق"، والكميات كانت بمثابة "من الجمل أذنه"، ولا تكفي لأكثر من أسبوع واحد.

الدجاج خسارة الملجأ الأخير

تشكل أزمة الدجاج تهديداً لما يعتبره المواطن اللبناني الملاذ الغذائي الأخير، فهو لطالما اعتبر بمثابة البديل من اللحم الأحمر. ففي وقت وصل ثمن كيلو لحم البقر إلى عتبة 200 ألف ليرة لبنانية (نحو عشرة دولارات)، بقي الدجاج في متناول المواطنين. إلا أنه أصبح أخيراً غالي الثمن. ولاحظت دراسة جديدة للدولية للمعلومات، ارتفاع أسعار الدجاج بمستوى 566 في المئة. أما اللحوم 600 في المئة، والبيض 775 في المئة، والتونة 520 في المئة، والألبان والأجبان 500 في المئة.

وترافق ارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية مع زيادات كبيرة في أسعار زيت الزيتون، 500 في المئة، والأرز 575 في المئة، والعدس 475 في المئة، والحمص 600 في المئة، والفول 500 في المئة، وغيرها من الارتفاعات التي طاولت السلع كلها.

واستخلصت الدراسة جملة من العوامل التي أسهمت في هذه الارتفاعات، فمن ناحية هناك ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية مقابل العملة اللبنانية، خصوصاً أن 85 في المئة إلى 90 في المئة من السلع مستوردة من الخارج، ومن ناحية ثانية ارتفاع أسعار بعض السلع في الخارج بسبب الإغلاق الناجم عن انتشار كورونا.

وسلطت الدراسة الضوء على الاحتكار ورغبة التجار في تحقيق مزيد من الأرباح في ظل انعدام الرقابة الحكومية.