Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منطقة البحر الأبيض المتوسط تحترق والأمور ستزداد سوءاً

اندلعت حرائق هائلة في جنوب أوروبا في الأسابيع القليلة الماضية، والمشاهد المروعة ليست سوى البداية

إنه البحر الشهير بالقصص والأساطير الذي اجتازه أوديسيوس والفايكنغ، جسم مائي كان منبع الحضارات والثقافة والتجارة والأساطير التي لا حصر لها. وجهة سفر لملايين الأشخاص الذين يستمتعون بشواطئها الرائعة وجزرها الخضراء وآثارها القديمة.

لكنّ ساحل البحر الأبيض المتوسط يتحول إلى أرض قاحلة، كما يتضح من الحرائق الهائلة التي اجتاحت أجزاء من اليونان وتركيا وإيطاليا والجزائر وتونس.

"سيحل مناخ صحراوي في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط بحلول نهاية القرن" بحسب ليفينت كورماز، رئيس مركز التغيير المناخي ودراسات العلوم السياسية في جامعة بوغازيتشي بمدينة إسطنبول.

ويقول العلماء، إن الموقع الجغرافي الفريد للمنطقة - جسم مائي محصور بين ثلاث كتل أرضية عملاقة - يجعلها عرضة بشكل خاص لتغير المناخ. فقد فاق متوسط ​​الزيادات في درجات الحرارة العالمية في المنطقة بالفعل أكثر من 20 في المئة منذ نهاية القرن التاسع عشر. واكتشف الباحثون العديد من الأنماط المزعجة التي تضمنت ارتفاعاً في درجات الحرارة وتغييراً في أنماط هطول الأمطار.

وفي هذا السياق علقت الباحثة في أحوال المناخ في كاليفورنيا غوكسي سينكان: "أرى بالتأكيد اتجاهات مختلفة في حوض البحر الأبيض المتوسط على مستوى الجفاف الذي يزداد قسوة وتتكرر وتيرته على منوال غير متوقع إلى حد ما، ومتوسط ​​درجات الحرارة الذي يرتفع وموجات الحر الشديد".

دمرت الحرائق عشرات الآلاف من الهكتارات من الغابات في مساحات شاسعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في الأسابيع القليلة الماضية. وتوفي ثمانية أشخاص على الأقل في تركيا حيث تركزت الحرائق في الجنوب الغربي. بينما لقي أربعة أشخاص مصرعهم في منطقة القبائل الجبلية في الجزائر شرق العاصمة.

كما تعرضت ولاية بنزرت التونسية لحريق هائل، الإثنين، وسط رياح قوية ودرجات حرارة تصل إلى 122 فهرنهايت (50 درجة مئوية). فيما عانى المغرب من حرائق كبيرة في يوليو (تموز) دمرت 1200 هكتار من الغابات.

وصرح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس باندلاع 586 حريقاً الأسبوع الماضي في جميع أنحاء البلاد.

"إنها كارثة لم يسبق لها مثيل" وفقاً لكريستيان سوليناس، حاكم جزيرة سردينيا الإيطالية.

في الواقع، تسببت الحرائق في نزوح الآلاف، وحرق غابات ثمينة، وموت عدد لا يحصى من الكائنات الحية.

وفي هذا الإطار قال أمير إكسي أوغلو، وهو ناشط بيئي في تركيا: "نفقت عشرات الآلاف من الحيوانات في الحرائق من دون سبب. الدببة والغزلان والسناجب والخنازير والسلاحف. يمنحني حب الناس للحيوانات الأمل [على خلاف] سياسات الحكومة التي لا تمنحني مثل هذا الأمل".

ومع أن إسبانيا والبرتغال نجيتا من أسوأ حرائق الغابات حتى الآن هذا العام، إلا أن البروفيسور كورماز يحذر من أن درجات الحرارة المرتفعة المتوقعة قد تؤدي إلى اندلاع حرائق شديدة في شبه الجزيرة الأيبيرية أيضاً.

وعلى الرغم من أن ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي يسهم في تفاقم جفاف الغابات وجعلها أكثر عرضة للحرائق، فالاستخدام غير المنضبط للأراضي [تمدد سكاني عشوائي من دون تخطيط] أدى إلى تفاقم المشكلة، بحسب إيريم دال أوغلو سيتينكايا، عالمة البيئة في جامعة بوغازيتشي بإسطنبول.

وتتابع سيتينكايا: "حرائق الغابات هذه ليست بسبب التغييرات في المناخ  فحسب. بل كذلك [يساهم] تراكم كميات كبيرة من النفايات، وتغير أوجه استخدام الأراضي والتنمية. الأمران يحدثان في الوقت نفسه".

لقد حذر خبراء من الآثار المحتملة لارتفاع درجات الحرارة على البحر المتوسط لسنوات. وتوقعت دراسة أعدتها شركة الاستشارات العالمية "ماكينزي" العام الماضي ارتفاع أعداد موجات الحر وزيادة الجفاف وتدني معدلات هطول الأمطار وتدمير الإنتاج الغذائي وتقويض السياحة في جميع أنحاء دول البحر الأبيض المتوسط.

وأفاد التقرير: "غالباً ما يُنظر إلى حوض البحر الأبيض المتوسط على أنه الأفضل من حيث المناخ والراحة والثقافة. ومع ذلك، قد يؤدي التغيير المناخي إلى زيادة شظف المناخ وتعطيل القطاعات الحيوية مثل السياحة والزراعة".

في دراسة منفصلة نُشرت العام الماضي، جادل اثنان من علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT بأن الموقع الفريد للبحر الأبيض المتوسط جعله عرضة بشكل خاص للتغير المناخي. ففي حين أن ارتفاع درجات الحرارة سيقترن بزيادة هطول الأمطار في معظم أنحاء العالم، فإن البحر الأبيض المتوسط مثقل [مُبتلى] بأعباء طقس أكثر سخونة وجفافاً.

تخلق أنماط الرياح نظاماً طبيعياً عالي الضغط مرتبطاً بالطقس الجاف الحار فوق البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه، فإن الفرق في درجات الحرارة بين البر والبحر يتقلص بشكل أسرع من المتوسط مقارنة مع أماكن أخرى لأنه محاط بثلاث كتل من اليابسة.

ووفقاً لما فسره الباحث ألكسندر تويل لمجلة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "ما يختلف حقاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​مقارنة بالمناطق الأخرى هو الجغرافيا. في الأساس، ثمة بحر كبير محاط بالقارات، وهو أمر لا نظير له حقاً في أي مكان آخر في العالم".

ويتوقع البروفيسور كورماز، الذي يوشك فريقه أن يصدر ورقة بحثية عن حرائق الغابات، أنه بحلول نهاية القرن، سيكون المناخ في جنوب تركيا وجنوب اليونان وجنوب إيطاليا مشابهاً لمناخ القاهرة ومدينة البصرة جنوب العراق الآن. ويلفت قائلاً: "نحن نتجه إلى تلك الوجهة. لن يحدث ذلك بين عشية وضحاها".

يقول العلماء إن الحكومات يمكن أن تبذل جهوداً لتخفيف حدة بعض التغييرات الكارثية واستيعابها وربما عكسها. وقد انتقد الأتراك حكومتهم لفشلها في تخصيص عدد كافٍ من الطائرات المتخصصة في إخماد حرائق الغابات، ورفضها الاعتراف بالنسخة المحلية لحزب الخضر الذي يركز على البيئة، والذي لا تعترف به أنقرة كتجمع سياسي رسمي على الرغم من الدعم المتزايد له في استطلاعات الرأي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمكن للحكومات أيضاً الحد من استثمار الأراضي المعرضة للخطر وحماية المساحات الخضراء المستقرة. وهنا توضح السيدة سيتينكايا "نحن نتدخل في مناطق الغابات. نستخدمها للترويح عن النفس. نلوثها. صحيح أن تغيير المناخ أمر لا مفر منه، ولكن يمكننا تقليص أثره".

ولكن بدلاً من استيعاب حقيقة المناخ المتغير، فإن أولئك الذين يعيشون في البلدان المنكوبة بالحرائق الهائلة يبحثون عن المؤامرات. بعض الأتراك، على سبيل المثال، زعموا أن الانفصاليين الأكراد المرتبطين بحزب العمال الكردستاني (PKK) هم الذين أشعلوا النيران.

وتقول السيدة سينكان: "يعتقد الناس في إيطاليا أنها المافيا. ويظن الناس في اليونان أنهم الأتراك. فيما يرى الناس في تركيا أنه حزب العمال الكردستاني. لكن لا أحد يتوقف لحظة ليفكر: هل نظموا جميعاً إضرام الحرائق في نفس الأسبوع تقريباً؟ الناس لا يستسيغون التركيز على [النظر إلى] الصورة الكبرى".

© The Independent

المزيد من تقارير