Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراعات الأجنحة تعمق انقسامات "الإخوان" المصريين

مصادر تتحدث عن تصدعات ومحاولات انقلاب واتهامات متبادلة بين الرجلين الأول والثاني في الجماعة تضع مستقبلها على الهاوية

جانب من محاكمة قيادات الإخوان في مصر (أ ف ب)

على الرغم من مفصلية عام 2013 في عمر جماعة الإخوان المسلمين، وتحديداً بعد إطاحة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، في يوليو (تموز) من تلك السنة، فلا يزال التنظيم الذي صنف لاحقاً "إرهابياً" في عدد من بلدان المنطقة، تعصف به الضربات والمنعطفات التي لا تقل في حدتها، عن خسارته السيطرة على السلطة في مصر.

فمن القبض على القائم بأعمال مرشدها العام في مصر محمود عزت، أواخر أغسطس (آب) من العام الماضي، الذي صنف حينها وفق الأجهزة الأمنية المصرية بعملية "اصطياد الصقر"، نظراً إلى أهمية موقع الرجل التنظيمي وحجم المعلومات الذي كان بحوزته لاختفائه لسنوات، مروراً بمحطة التقارب بين أنقرة والقاهرة، التي اعتبرت بحسب مراقبين أنها حتماً "لن تكون في صالح قيادات الإخوان" الفارين إليها منذ 2013، ووصولاً إلى المحطة التونسية، واهتزاز سلطة حركة النهضة أمام قرارات رئيس البلاد قيس سعيد الشهر الماضي، تتوالى انتكاسات الجماعة يوماً بعد يوم، كاشفة معها عن حجم الانقسامات والصراعات التي تعصف بأجنحة التنظيم الدولي، وفق ما تحدثت مصادر لـ"اندبندنت عربية"، التي كان آخرها تعاظم الصراع بين مكتبي لندن وإسطنبول.

ووفق المصادر فإن الصراع على الإمساك بملفات الجماعة لا يزال "محتدماً"، بين جبهة القائم بأعمال المرشد العام الحالي إبراهيم منير، المقيم في بريطانيا، وجبهة القيادي الإخواني وأمين عام الجماعة السابق، محمود حسين المقيم في تركيا، وذلك منذ القبض على محمود عزت، الذي تجلت صوره أخيراً في اتهامات بالفساد المالي والإداري لاحقت حسين (الرجل الثاني)، في مقابل محاولات مستمرة من الأخير لإطاحة منير (الرجل الأول) من منصبه لما يراه "سوء قراراته الإدارية والتنظيمية".

هكذا تفجرت الخلافات

بحسب المصادر التي تحدثت إلينا، فإن تطورات الخلافات الأخيرة بين جبهة إبراهيم منير ومحمود حسين، أو ما يعرف تنظيمياً بـ"قطري تركيا وبريطانيا"، يعود أصله إلى ترتيبات ما بعد القبض على محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام، في أواخر أغسطس (آب) العام الماضي، وذلك بعد سنوات من اختفائه عن أعين أجهزة الأمن المصرية.

وذكرت المصادر، "منذ ذلك التوقيت سعى كل من مكتبي لندن وإسطنبول للسيطرة على دفة إدارة التنظيم الدولي للجماعة، تحت مزاعم أحقية كل مكتب بقيادة التنظيم، إذ كانت القيادات في إسطنبول وعلى رأسهم محمود حسين، يرون أنهم الأحق بقيادة الجماعة والتنظيم مالياً وإدارياً بعد التضحيات الكبيرة التي قدموها خلال السنوات السابقة"، إلا أنه وبحسب المصدر، تمكن إبراهيم منير القيادي في التنظيم الدولي من استباق الأمور لصالحه في الإمساك بالمنصب، وعليه أصدر قرارات تضمنت من بينها حل الأمانة العامة لجماعة الإخوان الموالية لحسين، وهو ما يعني ضمنياً استبعاده من منصبه.

ووفق أحد المصادر "لم يكن حسين بحجم المسؤوليات التي يتولاها رقماً سهلاً في معادلة الحكم داخل صفوف الجماعة ولا تنظيمها الدولي، فالأخير بقي مهيمناً على ملفات رئيسة من بينها ملف التنظيم والتحكم في تصعيد وإبعاد القيادات والملف المالي"، موضحاً "كما كان متوقعاً رفض محمود حسين قرارات القائم بمنصب المرشد العام الجديد، إلا أن مجموعة من اللقاءات والوساطات قامت بها قيادات قريبة من الطرفين، تمكنت في النهاية من تنقية الأجواء مؤقتاً بين الرجل ومنير، وذلك عبر تشكيل لجنة إدارية للجماعة أواخر العام الماضي، بقي فيها محمود عضواً ومحتفظاً بأغلب مسؤولياته السابقة".

وذكر المصدر "على الرغم من التحفظات والملاحظات الواسعة على سياسات محمود حسين من بين قيادات عدة داخل تنظيم الإخوان، فإن الرجل بقي محافظاً على قوته داخل صفوف التنظيم في الخارج، مستنداً في ذلك إلى علاقاته القوية التي نسجها عبر السنوات مع القيادات المحافظة والمتشددة والولاءات التي كسبها استناداً إلى علاقاته الوثيقة برجال التنظيم الأقوياء ومن بينهم المرشد السابق محمد بديع، والقيادي الإخواني خيرت الشاطر (قبض عليهما من قبل أجهزة الأمن المصرية بعد يوليو 2013 ولا يزالان يواجهان اتهامات في المحاكم المصرية حكم في بعضها بالإعدام والسجن المؤبد)".

وذكر مصدر آخر أن "الترتيبات الجديدة التي أسفر عنها اتفاق منير وحسين أواخر العام الماضي، لم تكن مرضية للقائم بمنصب المرشد العام الجديد، إذ كانت مسؤوليات محمود حسين ونفوذه الواسع مصدر إزعاج لمنير في ممارسة مهام منصبه، وعليه سعى الأخير لإفراغ حسين من الملفات المسؤول عنها، عبر الاستعانة بقيادات موالية له، من بينهم محمود الإبياري، إلا أنها باءت بالفشل وبقي حسين ممسكاً بأكثر الملفات حساسية وهو المتعلق بالشق المالي في إدارة التنظيم"، وتابع "الأمر الذي دفع إبراهيم منير إلى اللجوء إلى قرارات جذرية قبل نحو شهرين تضمنت حل اللجنة الإدارية (موالية لحسين) التي كانت قد تشكلت بعد القبض على محمود عزت، وحل مجلس شورى الجماعة في تركيا (موالية لحسين) وتأجيل الانتخابات الداخلية لمدة ستة أشهر التي كان مقررة في يوليو الماضي".

وأضاف المصدر "في المقابل تحرك حسين نحو تكثيف الخطوات بهدف إطاحة إبراهيم منير، وذلك عبر تنسيق المواقف مع القيادات الموالية والقريبة منه، إذ عقد في هذا الشأن أكثر من اجتماع في تركيا، مستنداً في ذلك إلى الترويج بأن قرارات منير غير شرعية وهي والعدم سواء، وعليه فإنه من الضروري إبعاد منير عن منصب القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم"، موضحاً "كان تصعيداً غير مسبوق بين الطرفين".

تبادل الاتهامات وفتح تحقيقات فساد

وبحسب المصدر ذاته، "في ضوء هذا التصعيد غير المسبوق تصاعدت الخلافات في الفترة الماضية، بعد إحالة حسين وعدد من القيادات الموالية له إلى التحقيق بتهم الفساد المالي والإداري وارتكاب مخالفات مالية"، موضحاً "على الرغم من أن الخلافات المالية تلاحق محمود حسين منذ سنوات فإن توقيت فتحها أو استناد جبهة منير إليها لإطاحته والموالين له، يعكس حجم الصراع بين أجنحة التنظيم بعد تأكد جبهة القائم بمنصب المرشد العام من تحرك حسين وعدد من القيادات للتنسيق مع المكاتب الإدارية المختلفة، لخلق تكتل مناهض لمجموعة التنظيم الدولي تمهيداً لإطاحته من منصبه وتعيين بديل له".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت المصادر التي تحدثت إلينا إنه بعد قرارات منير الأخيرة بإحالة محمود حسين والمقربين منه بتهم التحقيق، تصاعدت حدة الخلافات بين الجبهتين، ولجأت كل واحدة منهما إلى حشد "أسلحتها" لمواجهة الجبهة الأخرى، فمن جانبه استعان محمود حسين، وفق المصادر بما يعرف بـ"لجان الإخوان الإلكترونية"، التي أنشأها في عام 2015، لترويج مواقفه بين صفوف الجماعة، وتحميل منير المسؤولية عن الإخفاقات التي وصل إليها التنظيم في تركيا ومصر، وعدم لعب دور مع المسؤولين الأتراك لمنع تقييد القنوات الموالية للجماعة في تركيا، فيما لجأ منير إلى جبهة القيادي الإخواني محمد كمال، المعروفة بـ"تيار التغيير داخل الجماعة"، التي تضم بين صفوفها شباب الإخوان، في محاولة للحشد ضد حسين وجبهته.

ولم يتسنَّ لـ"اندبندنت عربية" الحصول على تعليق من إبراهيم منير أو محمود حسين رغم محاولات التواصل معهما.

إلى أين يقود الصراع الراهن؟

وفق مراقبين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، تتباين الآراء بشأن مفصلية التطورات الراهنة التي تضرب تنظيم الإخوان، إذ يرى البعض أنها "ستقود إلى انهيار الجماعة بعد أن وصلت إلى شيخوختها بفعل الصراعات الداخلية"، فيما يقول آخرون، إنه وعلى الرغم من عمق الخلافات بين قيادات الإخوان فإن قوة جبهة إبراهيم منير وفي مقابلها جبهة محمود حسين لا توحي بإمكانية تفرد إحدى الجبهتين بدفة الإدارة لتنظيم الجماعة "المتداعي"، وذلك في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة التي تمس بشكل مباشر جماعة الإخوان، وعلى رأسها ما تشهده تونس، فضلاً عن محاولات التقارب التركي مع مصر والدول الخليجية.

ويقول أحمد سلطان، الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، "على الرغم من الخلافات والصراعات الدائرة بين أجنحة الجماعة فإنه يمكن القول إن عملية إطاحة محمود حسين تبقى ليست سهلة، وتدرك جبهة إبراهيم منير أنها ربما تدخل الجماعة في هوة سحيقة لن تخرج منها لما يمتلكه حسين من قوة ونفوذ بين صفوف التنظيم".

ويوضح "لم يستطع أحد من المرشدين السابقين منذ دخول حسين الجماعة إزاحته من منصبه أو تقليل حجم الملفات الموكلة إليه، وهو ما يردده حسين شخصياً في العديد من المناسبات (بأنه لا يمكن عزله إلا من قبل من ولاه مسؤوليته في التنظيم قبل عام 2013)، في إشارة إلى المرشدين الأخيرين للجماعة والمحبوسين حالياً في مصر، محمد بديع، ومحمود عزت"، مرجحاً في الوقت ذاته أن يقود اتفاق بين أطراف قريبة من الجبهتين لتهدئة الأجواء، إلا أنه عاد وأكد أنه تبقى "التفاعلات الداخلية في الجماعة ومدى تعاطي القيادات مع التطورات الأخيرة هي من ستحدد مستقبل الخلاف الراهن بين منير وحسين".

من جانبه، يعتقد منير أديب، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، أن "ما يحدث داخل الإخوان هو بمثابة انهيار حقيقي للتنظيم"، واصفاً إياها بأنها "ليست خلافات سياسية أو تنظيمية ولكن تصدعات قد تؤدي إلى نهايته".

وقال أديب، "وصل تنظيم الإخوان إلى الشيخوخة الحقيقية، التي من ملامحها ما حدث ويحدث الآن، إذ تتصاعد حالة التذمر داخلياً وتتفكك المؤسسات، ونشهد لأول مرة اتهامات متبادلة بين قيادات الصف الأول باختلاسات مالية وفساد إداري"، وتابع "المشكلة الآن داخل الإخوان أن الصراع والخلاف لم يكن بين القيادات وحسب، ولكن بين جماعات كبيرة وتيارات داخلية أدت إلى شقوق طولية وعرضية في بنية التنظيم، وقادت إلى تحيزات كبيرة للطرفين"، وهو الأمر الذي لم تشهده الجماعة منذ تأسيسها في عام 1928، على حد وصفه.

المزيد من تقارير