Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخابرات الروسية تكشف وثائق استعدادات اليابان للحرب ضد موسكو

بوتين يؤكد أن تغير الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأقصى تحول دون العودة إلى إعلان 1956

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كشفت المخابرات الروسية عن وثائق يعود تاريخها إلى عام 1938 تؤكد أن اليابان كانت في سبيلها إلى دخول الحرب ضد الاتحاد السوفياتي إلى جانب ألمانيا الهتلرية.

وقالت مصادر جهاز الأمن الفيدرالي إن "الوثائق تتضمن القرائن والأدلة التي تؤكد استعدادات الجيش الياباني للانضمام إلى القوات الهتلرية، ومنها الأمر رقم 70 الصادر لوحدات الجيش الثالث بتاريخ 9 أغسطس (آب) 1938، وصدر إبان فترة النزاع العسكري السوفياتي - الياباني على مقربة من بحيرة خسان".

مناورات طوكيو

ونقلت وكالة أنباء "نوفوستي" عن مصادر المخابرات الروسية ما قالته حول البيانات الخاصة التي صدرت أيضاً بشأن مناورات طوكيو، وجرى الكشف عنها خلال التحقيقات التي جرت مع أوتوزو يمادا آخر قائد أعلى لجيش كوانتونغ، في ديسمبر (كانون الأول) 1949 خلال فترة الاستعدادات لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين في مدينة خاباروفسك السوفياتية.

وتنص المذكرة التي جرى تسجيلها لاعترافات يمادا أنه في يناير (كانون الثاني) 1938 "أصدر أوامره لوحدات الجيش الثالث برفع درجة الاستعداد القتالي في حال حدوث أعمال عدائية مع الاتحاد السوفياتي".

ومضت "نوفوستي" في استعراضها لما جاء في هذه الوثائق لتقول إنه جرى تعيين يمادا قائداً للجيش الثالث الذي كان يتمركز في منشوريا على الحدود مع الاتحاد السوفياتي، قبل انتقاله في عام 1944 قائداً لجيش كوانتونغ. واعترف القائد الياباني بأن الأمر رقم 70 "يؤكد رفع درجة الاستعداد للحرب". وبحسب ما أورده شهود الواقعة من بيانات، فإن الجيش الياباني أجرى بعد ذلك "حملة استطلاع" واسعة النطاق لتقويم حال القوات السوفياتية ومدى قدرات وحداتها الدفاعية.

واستعرضت وكالة "نوفوستي" تفاصيل ما نص عليه الأمر العسكري رقم 70 حول "رفع درجة استعداد وحدات جيش كوانتونغ تمهيداً لدخول الحرب ضد القوات السوفياتية في منطقة الحدود الشرقية للاتحاد السوفياتي"، وذلك إضافة إلى "نشر وحدات فوج الطيران الـ 11 في بلدة توان شانزي، إلى جانب انتشار السرب الأول من فوج الطيران الـ 16 في منطقة تابينغلين بهدف توفير التغطية الجوية للفرقتين الثانية والسابعة، وإسقاط طائرات العدو التي تستهدف الحيلولة من دون تنفيذ المهمات المشار إليها"، وكانت المعارك التي استمرت قرابة الأسبوعين انتهت بإحراز الجيش الأحمر النصر على القوات اليابانية.

ومن اللافت أن الجانب الروسي تعمد على ما يبدو نشر هذه الوثائق في أعقاب احتجاجات اليابان على الزيارة الأخيرة التي قام بها ميخائيل ميشوستين رئيس الحكومة الروسية في نهاية يونيو (حزيران) الماضي لجزيرة "إيتوروب"، إحدى جزر كوريل الأربع المتنازع عليها بين اليابان وروسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ومن هنا جاء نشر الوثائق المشار إليها بمثابة إعلان آخر من جانب موسكو، يستهدف تأكيد مشروعية ضم هذه الجزر التي تسميها اليابان بالأراضي الشمالية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وهي التي كانت ضمتها في أعقاب الهزيمة التي أنزلتها بقوات الإمبراطورية الروسية في الحرب التي نشبت بين البلدين خلال الفترة 1905-1907.

بوتين يستبق الوثائق

وكان الرئيس بوتين استبق نشر هذه الوثائق بما أصدره من تعليمات إلى رئيس حكومته ميشوستين تأكيداً جديداً، لأن روسيا لا تعير اهتماماً لأية احتجاجات تتعلق بقضايا داخلية روسية، انطلاقاً من أن "جزر كوريل" شأنها في ذلك شأن "شبه جزيرة القرم"، تعتبر "جزءاً لا يتجزأ من أراضي روسيا الاتحادية"، ولا يجوز بحكم الدستور المساس به، أو طرحه موضوعاً لأية مناقشات أو جدل مع أية جهات خارجية.

وكان الرئيس بوتين طرح هذه المسألة ضمن التعديلات الدستورية التي أقرّها الشعب الروسي في استفتاء عام مطلع 2020، تحسباً لأية ادعاءات أو "مماحكات" في هذا الشأن، وهي التي تواصل الدوائر الغربية طرحها منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير (شباط) 2014.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عن تعليمات بوتين إلى رئيس الحكومة ميشوستين خلال زيارته للشرق الأقصى وإحدى جزر كوريل، فتنص على ضرورة أن تولي الحكومة الروسية اهتماماً خاصاً بتنمية وتطوير الأوضاع في هذه الجزر، وقال في اجتماعه مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي بضرورة الالتزام بما سبق وناقشه الجانب الروسي مع الجانب الياباني حول تهيئة الظروف المناسبة للنشاط الاقتصادي المشترك، وهو ما أعلنه في أكثر من مناسبة في إطار أحاديثه عن الاستثمارات المشتركة، وحرية تنقل اليابانيين من دون المساس بالسيادة الروسية على هذه الجزر.

وعلى الرغم من عودة اليابان إلى هذه القضية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وإجراء كثير من المحادثات التي استهدفت بالدرجة الأولى استعادة الجزر بالطرق الدبلوماسية، فإنها لم تستطع استمالة أي من الزعماء السوفيات أو الروس إلى قبول ما تطرحه من أسانيد، وقالت إنه شرطها الوحيد لتوقيع معاهدة السلام مع الاتحاد السوفياتي ثم روسيا.

وكان الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف قاب قوسين أو أدنى من قبول "الحلول الوسط" التي طرحتها اليابان، مرفقة بمساعدات اقتصادية ضخمة خلال الزيارة الرسمية التي قام بها غورباتشوف لليابان في أبريل (نيسان) 1991.

ولم تفلح اليابان أيضاً في الاستفادة من الأوضاع الاقتصادية المتردية في روسيا إبان سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، بما قدمته من خطط للاستثمارات المشتركة في الجزر وفي الداخل الروسي بمنطقة الشرق الأقصى لتحقيق الأهداف ذاتها، بل ومضت إلى ما هو أبعد حين أجرت محادثات مماثلة مع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وهي المحادثات التي خلص الجانبان فيها إلى حلول مقبولة من كلا الطرفين، بحسب تقديرات الجانب الياباني، تقضي باقتسام الجزر واستعادة اليابان لاثنتين منهما بموجب الإعلان المشترك الذي وقعه الجانبان في 1956.

وقالت مصادر بالجانب الياباني إن الإعلان المشترك الذي كان وقعه الاتحاد السوفياتي السابق في 19 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1956 ينص ضمناً على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تمهيداً للاعتراف بإنهاء حال الحرب وتوقيع معاهدة السلام بين البلدين، والنظر في تسليم جزيرتي "هابوماي" و"شيكوتان".

تغير الظروف "الجيوسياسية"

غير أن الجانب السوفياتي سرعان ما عاد عن هذا الإعلان بعد إبرام اليابان معاهدة التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في عام 1960، وهي المعاهدة التي تقضي بإنشاء قواعد عسكرية أميركية في الأراضي اليابانية، في الوقت نفسه الذي رفضت فيه اليابان الاستجابة لمقترحات الاتحاد السوفياتي حول تعديل إعلان عام 1956، لينص ضمناً على "رغبة البلدين في فرض حظر شامل على الأسلحة النووية"، وهو ما رفضه الجانب الياباني.

ومع ذلك فقد عاد الرئيس بوتين ليطرح استعداد بلاده لتوقيع معاهدة السلام الروسية - اليابانية على أساس الإعلان المشترك الصادر في عام 1956، الذي ينص على إعلان نهاية الحرب وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكن بعيداً من بند النظر في تسليم جزيرتي "هابوماي" و"شيكوتان" مع ضرورة الالتزام بعدم المساس بسيادة روسيا على أي من هذه الجزر الأربع.

وأشار بوتين إلى تغير الظروف "الجيوسياسية" في المنطقة، التي قال إنها تحول عملياً دون تطبيق ما سبق ووقعت عليه موسكو وطوكيو في إطار الإعلان المشترك في عام 1956 الذي كان يقضى بالموافقة على تسليم الاتحاد السوفياتي جزيرتي "شيكوتان" و"هابوماي" بعد توقيع معاهدة السلام بين البلدين.

وعلى الرغم من تصديق برلمان البلدين على هذا الإعلان المشترك، فقد عادت موسكو عن موقفها استناداً الى ما طرحته من شروط جديدة تقضي بضرورة مراعاة الأوضاع الجيوسياسية الجديدة الناجمة عن وجود القوات الأميركية في الأراضي اليابانية، بموجب معاهدة التعاون العسكري بين اليابان والولايات المتحدة، وعدم التطرق إلى موضوع تسليم الجزيرتين، وهو ما اعترضت عليه اليابان، لمخالفته نصوص الإعلان المشترك، وذلك ما دفع الرئيس الروسي إلى العودة إلى ما سبق وأعلنه حول "أنه لا توجد مشكلة أراض بين البلدين، نظراً إلى أن مسألة الأراضي المتنازع عليها بين الاتحاد السوفياتي واليابان قد جرى حلها إبان الحرب العالمية الثانية".

ويذكر المراقبون ما قاله بوتين خلال أول زيارة له لليابان بعد توقف دام لما يزيد على 11 عاماً في ديسمبر (كانون الأول) عام 2016 في إطار تشكيكه لمشروعية مطالب اليابان بشأن هذه الجزر، مؤكداً أنها طالما كانت متنازعاً عليها، وهي التي تدين باكتشاف وجودها إلى الروس.

واستعرض الرئيس فلاديمير بوتين بعضاً من هذا التاريخ بقوله "إن الأدميرال بوتياتين وهو من مواليد سان بطرسبورغ، أبلغ اليابان في عام 1855 بموافقة الحكومة الروسية والإمبراطور على تسليم جزر أرخبيل كوريل التي كانت مملوكة لروسيا لأنها التي اكتشفتها، إلى اليابان مقابل توقيع معاهدة سلام بين البلدين".

وأضاف بوتين "أن اليابان لم تكتف فقط بهذه الجزر، حيث استولت بعد انتصارها على روسيا في الحرب التي نشبت بين البلدين عام 1905 على نصف جزيرة سخالين المجاورة، بل وحصلت بموجب اتفاق بورتسموث على حق إجلاء السكان الروس من هذه الأراضي".

أما عن تغير الأوضاع "الجيوسياسية" وظهور القواعد الأميركية على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، فقد تناولته الصحيفة المستقلة "نيزافيسيمايا جازيتا" في معرض استعراضها لتوتر العلاقات الروسية - الأميركية، ومخاطر نشر أنظمة الدفاع الصاروخية الأرضية في اليابان التي تستهدف روسيا.

اتفاقات مشتركة

وتوجهت الصحيفة بسؤال "افتراضي" حول مدى إمكان ضمان عدم نشر عناصر الدرع الصاروخية الأميركية، وإنهاء الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، لا سيما بعد ظهور قاعدة "فلاديفوستوك" التي تعد أضخم القواعد البحرية الروسية على ضفاف المحيط الهادي في الشرق الأقصى.

وكان بوتين حرص خلال تلك الزيارة على التركيز على دعم وتعزيز العلاقات الثنائية على الصعيد الاقتصادي، انطلاقاً من تطوير خطة شينزو آبي رئيس الحكومة اليابانية السابق النقاط الثماني ذاتها التي تنص على تطوير التعاون في مجالات الطاقة والصناعة والصحة والزراعة والصناعات الصغيرة والمتوسطة والتكنولوجيا المتطورة والتبادل الإنساني.

ومن هذا المنظور توصل الطرفان خلال زيارة بوتين اليابان إلى توقيع 12 اتفاقاً حكومياً مشتركاً و68 من العقود التجارية بين المؤسسات الروسية واليابانية، غير أن كل هذه الاتفاقات والعقود وما جرى من لقاءات بين بوتين وآبي خلال الفترات اللاحقة 2018-2019 التي بلغ عددها تسعة لقاءات لم تسفر عن نقلة نوعية أو تطور جذري، يمكن أن يسهما في التوصل إلى الاتفاق المنشود بالنسبة إلى الجانبين منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وإن حرص الجانبان على تأكيد ضرورة تعزيز مناخ الثقة في مجال الأمن وتقارب المواقف تجاه القضايا الدولية، واعتبار ذلك السبيل الوحيد إلى مواقف مشتركة أكثر مناسبة، للتوصل إلى الحلول المقبولة من جانب الطرفين لكل ما بقي من قضايا معقدة في علاقات البلدين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير