Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا وأخطار "طالبان" في آسيا الوسطى

تحركات لموسكو ومناورات مع بلدان مجموعتي معاهدة الأمن الجماعي وشنغهاي للتعامل مع تداعيات ما يجري في أفغانستان

استولت "طالبان" على مدينة زرنج عاصمة ولاية نيمروز الأفغانية، وهي ضربة كبيرة للحكومة الأفغانية (أ ف ب)

المناورات المشتركة التي تجري هذه الأيام في أراضي طاجيكستان على مقربة مباشرة من حدودها المتاخمة لأفغانستان، استبقتها زيارة عمل قام بها سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي لطاجيكستان في يوليو (تموز) الماضي. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل خلال الأشهر القليلة الماضية في موسكو إمام علي رحمن رئيس طاجيكستان، وصدير جباروف رئيس قيرغيزستان، في نهاية مايو (أيار) الماضي، خلافاً لما جرى في موسكو من محادثات مع وفد حركة "طالبان"، التي سبق وأدرجتها موسكو ضمن القوى والتنظيمات الإرهابية المحظور التعامل معها.

ضمان الأمن الإقليمي

كانت مصادر المكتب الصحافي لرئيس قيرغيزستان كشفت عن اهتمام قيرغيزيا "بالتعاون مع روسيا لضمان الأمن الإقليمي، بما في ذلك في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظومة كومنولث البلدان السوفياتية السابقة، ومنظمة شنغهاي للتعاون"، ومن الجانب الروسي، ذكرت مصادر الكرملين أن الرئيس بوتين أكد لنظيره القيرغيزي "استعداد بلاده تقديم كل المساعدات الضرورية لقيرغيزستان من أجل تجاوز كل العواقب الإنسانية للنزاع الحدودي، الذي كان نشب بينها وطاجيكستان".

وكانت الاتصالات الثنائية بين روسيا وبلدان آسيا الوسطي، شملت أيضاً أوزباكستان التي كان شهرت هالمحمدوف رئيس أركان قواتها المسلحة قام بزيارة موسكو لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، وفي هذا الصدد، أكد رئيس أركان القوات المسلحة الروسية أن "هناك خططاً لإجراء سلسلة تدريبات مشتركة في أراضي أوزباكستان وطاجيكستان بهدف الرد على تزايد حدة توتر الأوضاع في المنطقة والتدريب على التصدي لتهديدات إرهابية محتملة"، كما كشف غيراسيموف أن موسكو، وعلى ضوء ما شهدته المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية من تطورات وأحداث، قامت بتخصيص "إمدادات إضافية للأسلحة والمعدات العسكرية لدول آسيا الوسطى ضمن إطار الدعم العسكري التقني"، إلى جانب تحذيره من مغبة أخطار تردي الأوضاع الأمنية في أفغانستان.

تصاعد المخاوف

وقد جاءت كل هذه التحركات واللقاءات والمباحثات في توقيت يشهد تصاعد مخاوف القوى الإقليمية والدولية من احتمالات تزايد الأخطار المحتملة في أعقاب خروج قوات "الناتو" والولايات المتحدة من أفغانستان، وتمدد مناطق نفوذ "طالبان" التي تقول المصادر الروسية والدولية، إنها تفرض سيطرتها اليوم على ما يزيد على نصف مساحة أراضي أفغانستان. ولعل ما تقوم به روسيا من مناورات ثنائية مشتركة مع أوزباكستان التي كانت خرجت من مجموعة بلدان معاهدة الأمن الجماعي، وطاجيكستان التي تحتفظ روسيا في أراضيها بقاعدة عسكرية منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، استناداً إلى ما كانت تملكه هناك من صلاحيات وجود فوج قواتها لحفظ السلام رقم 201، الذي جرت إعادة تشكيله ليكون العماد الأساسي للقوات الروسية الموجودة في القاعدة العسكرية الروسية.

وقالت المصادر، إن مناورات أخرى يمكن أن تجرى في الخريف المقبل بمشاركة بلدان مجموعة شنغهاي التي تضم الصين إلى جانب روسيا وبلدان آسيا الوسطى. وتشير كل هذه التحركات إلى تزايد قلق روسيا وإدراكها لضرورة حماية حلفائها في المنطقة، ما يستوجب التنسيق المتبادل للحيلولة دون الأخطار المحتملة من الجنوب في أفغانستان. ومن اللافت أن روسيا تتعمد في هذا الصدد الكشف صراحة عن الأهداف الحقيقية التي تبتغيها من هذه المناورات المشتركة التي تجرى على مقربة مباشرة من مواقع تمركز الفصائل الضاربة لقوات "طالبان" جنوب أفغانستان.

حماية الحلفاء

ومن هذا المنظور، أعلنت المصادر العسكرية الروسية في تصريحات نشرتها صحيفة "إزفيستيا" أن الأهداف التي تستهدفها سيناريوهات المناورات الحالية تظل في إطار "حماية الحلفاء من التهديدات العسكرية من جهة الجنوب"، وأضافت أن "القوات التي تشارك في هذه المناورات مدعوة إلى إتقان التدريبات على تصفية الأهداف التي يتم تحديدها، وهزيمة التجمعات العسكرية المشتركة لمفارز من التشكيلات المسلحة غير الشرعية التي غزت أراضي إحدى الدول الحليفة".

وأكدت المصادر العسكرية أنه "سيتم استخدام كل القوات لهذا الغرض، بما في ذلك القوات البرية والجوية، وأنظمة الاستطلاع الحديثة وتحديد الأهداف والدفاع الجوي".

كانت قوات "طالبان" تقدمت في اتجاه حدود طاجيكستان وتركمانستان، وكذلك أوزباكستان خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، ما اضطرت معه القوات الحكومية لأفغانستان ومعها مفارز قوات حرس الحدود إلى الفرار بحثاً عن الأمان في ما وراء الحدود مع هذه الجمهوريات، وما اضطرت معه هذه الجمهوريات إلى إغلاق حدودها مع أفغانستان. ولذا لم يكن غريباً أن يبادر سيرغى شويغو وزير الدفاع الروسي خلال زيارته الأخيرة إلى طاجيكستان في يوليو الماضي إلى إعلان أنه "في حالة وجود تهديد لطاجيكستان ومحاولة غزو أراضيها من جانب مسلحين من أفغانستان، فإن روسيا سترد بشكل أساسي بالتعاون مع قواتها في قاعدتها العسكرية رقم 201 الواقعة في المنطقة".

الأوضاع في أفغانستان

وكان الرئيس بوتين كشف خلال لقائه الأخير مع رئيس طاجيكستان إمام على رحمن في مايو من هذا العام، عن أنهما تطرقا خلال لقائهما إلى الأوضاع في أفغانستان، مؤكداً أن بلاده تنوي تعزيز قواتها في القاعدة العسكرية الروسية، إضافة إلى تعزيز قدرات القوات المسلحة الطاجيكية، انطلاقاً من "إدراك بلاده لضرورة مساعدة حكومات الجمهوريات الوسطى على حماية أمنها من التهديدات الخارجية والداخلية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل إشارة بوتين إلى التهديدات الداخلية وعدم قصر تصريحاته على التهديدات الخارجية، يمكن أن تكون تلميحاً إلى الحد الذي يرقى حد التصريح، بشأن ضرورة توخي الحذر تجاه ما يمكن أن يندرج تحت أخطار "الثورات الملونة"، التي كانت استهدفت عدداً من هذه البلدان، ومنها قيرغيزستان التي كانت عاشت "إرهاصات" ما سميت آنذاك بـ "ثورة السوسن" في عام 2005، التي أطاحت بالرئيس الأسبق عسكر عكايف، الذي سلمته موسكو الأسبوع الماضي استجابة لطلب النيابة العامة لقيرغيزستان لاستجوابه في اتهامات تتعلق بتورطه في الفساد.

وذلك ما يمكن أن يفسر أيضاً تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حول "أن القاعدتين العسكريتين الروسيتين في طاجيكستان وقرغيزستان ستستخدمان لحماية حدود منظمة معاهدة الأمن الجماعي من أي عدوان مباشر محتمل من جانب أفغانستان". وكشف شويغو عن الدور المحوري الذي تقوم به روسيا في هذا الشأن بقوله، "شركاء روسيا ضمن منظمة معاهدة الأمن الجماعي يتخلفون عنها من حيث القدرات العسكرية ويحتاجون إلى دعم موسكو في التعامل مع الملف الأفغاني"، لكنه عاد ليعترف بأن ذلك يخدم في نهاية المطاف مصالح وأمن روسيا، ومضى الوزير شويغو ليعرب عن أمله في أن تلتزم حركة "طالبان" ما جرى توقيعه معها من اتفاقيات، وإن أقر في الوقت نفسه بصعوبة التصديق بذلك نظراً للتجربة السابقة، حسب مصادر روسية.

القاذفات الروسية

وفي الشأن ذاته، نقلت وكالة أنباء "نوفوستي" عن ألكسندر بيكانتوف نائب مدير إدارة الإعلام والصحافة في وزارة الخارجية الروسية تصريحاته حول استمرار تدهور الأوضاع في أفغانستان، وهو ما عزاه إلى "قرار الولايات المتحدة وحلف الناتو بشأن تأجيل إتمام انسحاب قواتها من البلاد، ما أسفر عن تكثيف أنشطة حركة طالبان في أنحاء البلاد كافة تقريباً في الصيف الجاري".

ومن هذا المنظور، يمكن تفسير ذلك الاهتمام الكبير الذي تعيره وزارة الدفاع الروسية للمناورات التي تجرى حالياً في طاجيكستان، وهو ما أكدته بقرارها حول إرسال أربع قاذفات بعيدة المدى فوق الصوتية من طراز "تو-22 أم 3" إلى حدود أفغانستان، للمشاركة في هذه المناورات. وكشف المسئولون العسكريون الروس عن أن "مشاركة القاذفات الروسية تستهدف التدريب على شن غارات على معسكرات خفية ومستودعات ذخيرة تابعة لمقاتلين مفترضين"، وذلك بإسناد من مقاتلتين من طراز "ميغ-29" تابعتين لسلاح الجو الأوزبكي.

تفاقم الظروف الأمنية

نقلت وكالة "نوفوستي" عن مصادر وزارة الدفاع الروسية تصريحاتها حول مناورات مشتركة أخرى تجري بمشاركة قرابة 1500 من العسكريين من روسيا وأوزباكستان، وأنها سوف تستمر حتى 10 أغسطس (آب) الجاري قرب حدود أوزباكستان مع أفغانستان، على خلفية استمرار تفاقم الظروف الأمنية في أفغانستان، وتستهدف ضمان الأمن والحفاظ على الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى.

ويتوقف المراقبون عند قرار موسكو بشأن تكثيف اهتمامها ونشاطها العسكري في المنطقة سعياً من أجل استباق احتمالات تعرض طاجيكستان لغزو من جانب قوات "طالبان" التي قالت المصادر، إنها عادت لفرض سيطرتها على 150 مقاطعة في أفغانستان، بما يكفل لها بسط هيمنتها على 70 في المئة من المناطق الحدودية المتاخمة لطاجيكستان، وأضافت أن تعداد قوات الانتشار السريع والقوات الخاصة وحرس الحدود والحرس الوطني والتشكيلات شبه العسكرية الأخرى في طاجيكستان لا تتجاوز 15 ألف شخص فقط، وهو ما دفع رئيس طاجيكستان إلى استدعاء 20 ألفاً آخرين من جنود الاحتياط لمواجهة الاحتمالات الناجمة من تقدم قوات "طالبان" صوب حدود بلاده، وذلك حسب تقديرات العسكريين، لا يمكن أن يكفي لمواجهة قوات "طالبان"، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في مجمل استراتيجية المواجهة في مناطق آسيا الوسطى لمواجهة الأصولية المتطرفة، وما يرتبط بها من أخطار.

قوات الانتشار السريع

كشفت مصادر عسكرية روسية عن تشكيل قوات الانتشار السريع الجماعية التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بتعداد يبلغ 18 ألف جندي، قالت إنها لا تشمل وحدات قتالية وحسب، جاهزة ومجهزة بالكامل للقتال، بل وحدات وهياكل للشرطة الخاصة للقضاء على عواقب حالات الطوارئ. وأضافت أن روسيا تعهدت بتوفير الفرقة 98 للحرس المحمول جواً من "إيفانوفو" في شرق روسيا، ولواء الهجوم الجوي للحرس الـ 31 من "أوليانوفسك"، فضلاً عن عدد من الوحدات الفرعية، إلى جانب مشاركة كازاخستان بلواء جوي متنقل، وبيلاروس بلواء متنقل لقوات العمليات الخاصة، إضافة إلى تشكيلات أخرى أقل عدة وتعداداً، تسهم بها بقية بلدان منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

ويبقى أن نشير إلى أن الكرملين يواصل إعرابه عن شديد قلقه تجاه التطورات الأخيرة في المنطقة، ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس بوتين قوله، إن روسيا تراقب عن كثب ما يجري هناك، وكذلك حقيقة ما يصيب المنطقة من عدم استقرار، لكنه أكد أن بلاده لا تفكر في قضية الدفع بقواتها إلى أفغانستان أو طاجيكستان.

من جانبه، أشار سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، إلى "أن الرئيس فلاديمير بوتين يواصل اتصالات نشيطة مع زعماء دول آسيا الوسطى، وأنه أجرى أخيراً محادثة هاتفية مع رئيسي طاجيكستان وأوزباكستان، إلى جانب اتصالاته مع عدد آخر من الزعماء في آسيا الوسطى".

المزيد من تقارير