نبه تقرير طبي إلى أن شاباً من طالبي اللجوء إلى بريطانيا، بات أمام خطر الانتحار بعدما ضاقت به الحياة، ووجد نفسه عالقاً في أحد مخيمات اللاجئين في اليونان، نتيجة منعه من الانضمام إلى شقيقيه المقيمَين في المملكة المتحدة.
وكانت صحيفة "اندبندنت" قد كشفت في مايو (أيار) الفائت، أن المدعو سمير الذي هرب إلى أوروبا بعد فراره من الاعتقال والتعذيب في وطنه الأم في عام 2019، يعيش في الوقت الراهن بمفرده، وفي حالٍ من الذعر، عند أطراف مخيمٍ للاجئين في جزيرة ساموس اليونانية.
الفتى الذي كانت السلطات اليونانية قد أفادت في تقييمٍ أجرته له العام الماضي بأنه يبلغ من العمر 20 سنة، في حين أنه يصر على أن عمره هو 17 سنة فقط، وقد قدم استئنافاً قضائياً في القرار الصادر في وضعه - كان قد واجه في فبراير (شباط) من السنة الجارية 2021، رفضاً من جانب وزارة الداخلية البريطانية لطلبه الانضمام، بموجب الحق في لمِّ شمل الأسرة، إلى شقيقيه اللذين يعيش كلاهما لاجئاً في المملكة المتحدة.
وعللت الوزارة ردها طلبه على أساس أنه سُجل شخصاً بالغاً في اليونان، وأنه لا توجد أدلة "كافية" على وجود علاقة قربى وثيقة بالشقيقين الموجودين في بريطانيا. إلا أن محامين في المملكة المتحدة اعترضوا على القرار وقدموا طعناً فيه.
وكان سمير الشاب -غُير اسمه لحماية هويته- الذي التقته "اندبندنت" قبل ثلاثة أشهر في خيمته عند أطراف مخيم اللاجئين وأجرت حديثاً معه، قد أعرب عن شعوره الدائم بالخوف، وقال إنه يتعرض للمضايقة والتنمر والإيذاء على يد أشخاصٍ من حوله، بما في ذلك تعرضه لتحرّشٍ جنسي من أفراد ذكور كبارٍ في السن.
ويفيد محاموه بأنه كشف منذ ذلك الحين عن أنه حاول مرتين وضع حدٍّ لحياته شنقاً، وأنه لم يتمكن من الحصول على أي مساعدة لعلاج حالة الاضطراب العقلي التي يعانيها.
وقُدمت خلال جلسة المراجعة القضائية التي عُقدت يوم الثلاثاء الفائت، أدلة إلى المحكمة على شكل تقريرٍ طبي، ينبه إلى أن خطر إقدام هذا الشاب على الانتحار بلغ مستوى "مرتفعاً"، ويحذر من أن "وضعه سيواصل التدهور في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها"، مع "احتمال (...) الانتحار".
واضع التقرير الطبي البروفيسور ديفيد بيل، وهو أحد خبراء الطب النفسي البارزين في المملكة المتحدة في مجال اللجوء والهجرة، كان قد أجرى عبر رابط فيديو تقييماً للوضع النفسي لسمير، وكتب في تشخيصه أن الفتى يعاني "حالة صدمةٍ مزمنةٍ معقدة"، ويواجه أيضاً "اضطراباً اكتئابياً حادّاً".
وجاء في التقرير المؤرخ بتاريخ التاسع والعشرين من يوليو (تموز) الفائت، الذي تمكنت "اندبندنت" من الاطلاع على مضمونه، أنه "من الواضح" أن سمير لن يتمكن من التعافي من اضطرابه "ما دام يعيش في مثل هذه البيئة، وذلك بغض النظر عن أي علاج يمكن أن يتلقاه في مخيم اللاجئين".
ويوضح الدكتور بيل أن الوضع النفسي لسمير يُصنف ضمن خمسة في المئة من الحالات الأكثر تضرّراً من الصدمات، من نحو 400 ملف لجوء لأشخاصٍ عمل على تقييمهم خلال حياته المهنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى البروفيسور في الطب النفسي في معرض التحذير، أنه "بات من الضروري للغاية أن يُبعد، في أسرع وقتٍ ممكن، سمير عن هذه البيئة، حفاظاً على سلامته العقلية، وأن يُجرى نقله إلى المملكة المتحدة لينضم إلى شقيقيه".
أما ريبيكا تشابمان المحامية التي تتولى المرافعة عن سمير، فأعلنت يوم الثلاثاء الفائت أن وزارة الداخلية البريطانية رفضت، على نحوٍ غير قانوني، طلبه لمّ شمل أسرته، معتبرةً أن الوزارة "أخفقت" في الأخذ في الاعتبار بشكلٍ كاف، وقائع قضيته -ولا سيما منها نقاط ضعفه- وذلك من خلال حرمانه من حقه في حياة أسرية.
وفيما رفض سايمون موراي الذي مثل وزارة الداخلية في الجلسة هذه الادعاءات، معتبراً أن قرار رفض منح سمير الحق في لمِّ الشمل مع أخويه في المملكة المتحدة قد استوفى الشروط القانونية، أعلنت القاضية جاكسون أنها ستتخذ قرارها في هذه الدعوى في الأسابيع المقبلة.
وأثارت القضية علامات استفهام حول فاعلية طرق اللجوء "الآمنة" التي تقدمها وزارة الداخلية البريطانية، ولا سيما في ضوء الخطط التي طرحتها الوزيرة بريتي باتيل لتجريم طالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر طرقٍ غير مسموح بها.
وأشارت راشيل هارغر محامية سمير التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والتي تعمل لدى شركة "بايندمانز سوليسيترز" Bindmans Solicitors للمحاماة، إلى أن "سمير يعيش واقعاً مريراً ناجماً عن الاعتماد على ما تُسمى المسارات القانونية (الآمنة)، قبل الدخول إلى المملكة المتحدة، وما تلك إلا تأخيرات مبالغٌ بها وعديمة الجدوى، وسلوكيات جنائية عدائية تقوم بها وزارة الداخلية بشكلٍ مكثف".
وتضيف راشيل "بغض النظر عن الخطر الحقيقي المتمثل في تعرض سمير للأذى الجسدي بشكلٍ مستمر، فمن المرجح أن ينعكس ذلك على سلامته العقلية وصحته النفسية على المدى الطويل، نتيجة عيشه في حالٍ من الصدمة المزمنة، وفي ظل معاناته لأكثر من عامٍ ونصف العام من خوفٍ دائم". ورأت أن "ذلك لا يمكن اعتباره مساراً (آمناً) له".
متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية قال إنه لا يمكنه التعليق على مواضيع قانونية ما زالت قيد الدرس، لكنه أضاف قائلاً "إن حماية اليافعين الضعفاء المعرضين للخطر، يجب أن تشكل أولويةً مطلقةً للحكومة. ففي عام 2019، تلقت المملكة المتحدة المزيد من طلبات اللجوء من أطفالٍ غير مصحوبين بذويهم، أكثر من أي دولةٍ أوروبية أخرى، بما فيها اليونان".
وخلص الناطق الوزاري إلى القول "إننا نعتزم، ضمن إطار (الخطة الجديدة للهجرة) New Plan for Immigration المعتمدة لإصلاح الثغرات القائمة في نظام اللجوء إلى المملكة المتحدة، مواصلة الترحيب بالأفراد الذين يسلكون طرقاً آمنة وقانونية، وإعطاء الأولوية للحالات التي هي في أشد الحاجة إلى المساعدة".
© The Independent