Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشركات الأميركية تمهد الطريق للاستثمار في السودان

يرى البعض أنه يجب على الخرطوم أن تنفتح استثماريا شرقا وغربا حتى تحقق أهدافها

البرهان يبحث مع وفد أميركي تعزيز علاقات التعاون الاستثماري بين قطاعي الأعمال السوداني والأميركي (موقع إعلام مجلس السيادة السوداني)

بات واضحاً أن واشنطن تسعى بشكل حثيث لإيجاد موطئ قدم لها مبكراً في السودان من الناحية الاستثمارية، إذ ظلت وفودها تزور العاصمة الخرطوم من وقت إلى آخر منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وذلك إدراكاً منها بأن السودان يتمتع بثروات هائلة من الموارد الطبيعية تؤهله لأن يكون من بين الدول التي بإمكانها توفير الأمن الغذائي لسكان العالم أجمع، فضلاً عن موقعه الاستراتيجي الذي يجعل منه نقطة ارتكاز، وانطلاق مهمة لحماية مصالح أميركا في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
لكن ما الدوافع غير الظاهرة لواشنطن لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية مع الخرطوم، وما أهم مجالات التعاون الاستثماري التي يمكن أن تُحدث طفرة للبلدين؟

قطرات تمويل

وقال الباحث الاقتصادي طه حسين "واضح أن هناك حرصاً من قبل واشنطن لتكثيف استثماراتها في السودان خلال هذه الفترة، وبدأت بتعزيز هذه الخطوة عبر إعلان رغبتها بذلك خلال زيارة وفد أميركي حكومي للخرطوم في نهاية عام 2020، من خلال عودة المصرف الأميركي المعروف سيتي بنك للعمل في البلاد بعد توقفه في يوليو (تموز) 1998، بموجب العقوبات الاقتصادية التي فُرضت آنذاك على حكومة الرئيس السابق عمر البشير، وبالتالي سيكون المناخ المصرفي مهيأ للمستثمرين الأميركيين، فأميركا لديها شركات كبرى خرجت من السوق السودانية في تسعينيات القرن العشرين الماضي، وتسعى للعودة، لما يزخر به السودان من موارد في مجالات مختلفة تشكل فرصاً حقيقية".
وتابع حسين، "لكن المشكلة تكمن في أنه على الرغم من إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020، لا تزال هناك عقبات تعترض اندماج البلاد في المنظومة العالمية، بخاصة تنفيذ العمليات المصرفية بين المصارف السودانية ونظيراتها في دول العالم المختلفة، فما حدث من تغييرات وقرارات تتعلق برفع العقوبات ظلت حبيسة الورق، ولم تُفعَّل بعد لتصبح سارية المفعول، ولهذا الواقع تأثير بالغ من ناحية التأثير على تدفق الأموال خاصة من ناحية المستثمرين". ولفت إلى أن "الحكومة الانتقالية نفذت الهيكلة الاقتصادية المطلوبة وكل مطلوبات صندوق النقد الدولي، وعلى الرغم من ذلك تتلقى قطرات تمويل وليس تمويلاً بحجم كبير يخدم التنمية المطلوبة، فكلها إرهاصات من دون وجود شيء على أرض الواقع".
 


خطوات استكشافية

وأشار الباحث الاقتصادي السوداني إلى أن "الوفود والشركات الأميركية التي تأتي إلى الخرطوم من حين إلى آخر، تقوم بخطوات استكشافية، سواء من ناحية الفرص الاستثمارية، والتأكد من المناخ والبيئة المرتبطة بهذا الجانب، بخاصة في ما يتعلق باستقرار سعر الصرف، ومعالجة التضخم، وغيرهما"، منوهاً بأن "السودان يُعد أرضاً بكراً وكنزاً ثميناً، وواشنطن تدرك ذلك، وبالتالي تسعى إلى تأسيس قاعدة استثمارية لشركاتها مبكراً قبل دخول شركات عالمية أخرى، وحدوث اندماج بينها والشركات السودانية".
وبيّن أن "السودان من الناحية السياسية يقوم بخطوات حثيثة لإحداث استقرار سياسي وتوافق بين مكوناته السياسية المختلفة، في ضوء المبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أخيراً، لتحصين المسار الديمقراطي، لكن بشكل عام لا بد أن توضح الحكومة بيئة ومحددات الاستثمار ومحفزاته، لأن التجارب السابقة كانت سيئة ومنفرة، فالمستثمر لن يأتي إلا إذا وجد رؤية جديدة وضمانات كافية من الدولة".

استقرار سياسي

في المقابل، أوضح الباحث الاقتصادي محمد الناير، أن "ما يتوافر لدى السودان من موارد طبيعية ضخمة داخل باطن الأرض وخارجها، وموقع استراتيجي متفرد، وساحل بطول 700 كيلومتر على البحر الأحمر، يجعل دول العالم بما فيها أميركا، تتسابق لنيل حصتها من هذه الموارد التي تشكل فرصاً استثمارية هائلة. ففي السابق كان وجود السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب عائقاً يحول دون الاستفادة من موارده من خلال شراكات مع دول وشركات عالمية، ما جعله يتجه شرقاً، لكن الآن بات الباب مفتوحاً أمام واشنطن وغيرها من دول العالم، ومن الخطأ تجاهل أي دولة مهما كان حجمها أو موقفها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر الناير، "الزيارة التي قام بها الوفد الأميركي المشترك من القطاعين العام والخاص إلى الخرطوم في مطلع أغسطس (آب) الحالي، مهمة ذات طبيعة استثمارية، وجرى خلالها مناقشة كل مجالات الاستثمار المختلفة، وتحديداً قطاع التعدين باعتباره من المجالات الواعدة خلال الفترة المقبلة، لما يمتلكه السودان من كميات مقدرة من الذهب و30 معدناً آخر". وأكد أن "هذا الأمر يتطلب استعداد الحكومة من ناحية العمل على استقرار البلاد سياسياً وأمنياً واقتصاياً، وتفعيل دور القطاع الخاص الذي يُعنى ببناء الشراكات مع قطاعات الأعمال الأجنبية، إضافة إلى إعداد حزمة من المشروعات الاستثمارية في المجالات المختلفة".

تدفق النقد

ورأى الناير أن "الوجود الأميركي المكثف خلال هذه الفترة الانتقالية يريد ظاهرياً أن يغلق الباب أمام دول بعينها مثل الصين وروسيا، لكن يجب على السودان أن ينفتح استثمارياً شرقاً وغرباً حتى يحقق أهدافه، لأنه ليس من المصلحة الاعتماد على دول بعينها، فلا بد أن يستوعب الاستثمار الغربي، وكذلك استثمارات الدول الأخرى ذات الثقل العالمي كالصين، ويجب أن يكون منطلق الدول الكبرى تحقيق استثمار فعلي وحقيقي في السودان"، مشدداً على "ضرورة ترتيب البيت الداخلي، وأن تكون البيئة جاذبة لأن البلاد مقبلة على استثمارات كبيرة وفقاً للمؤشرات والمعطيات الحالية".
وعبر الباحث الاقتصادي أن "نجاح الحكومة السودانية في جذب استثمارات مقدرة يتوقف على مدى توافر إرادة سياسية للمسؤولين والسياسيين السودانيين، وقناعتهم بأهمية الاستثمار الذي يُعد أهم عنصر ومصدر لتدفق النقد الأجنبي، فضلاً عن إزالة كل العقبات التي تعترض مسألة الاستثمار ومن أهمها التخلص من البيروقراطية الحكومية، والتحول السريع نحو الإجراءات الإلكترونية، وأن تكون هناك نافذة واحدة لإنهاء إجراءات المستثمر في وقت وجيز، إلى جانب الحرص على منح المستثمرين الأراضي الخالية من المنازعات والموانع حتى لا يدخلوا في نزاعات وتسويات مع أهالي المنطقة، والعمل على إزالة أي تعارض في الصلاحيات والسلطات بين المركز والولايات والمحليات".

وفد أميركي في الخرطوم

وكان وفد أميركي مكون من أعضاء سابقين في الكونغرس الأميركي ورجال أعمال ومنظمات تطوعية زار الخرطوم في 31 يوليو (تموز) الماضي، حيث التقى مسؤولين سودانيين على رأسهم رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان، الذي أكد استعداد بلاده ورغبتها في تطوير علاقات التعاون والصداقة مع الولايات المتحدة، منوهاً بأن "أبواب السودان مفتوحة أمام الاستثمارات الأميركية التي تعود بالفائدة المشتركة للبلدين".
ولفت برهان، إلى مستوى التطور الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين، مؤكداً "رغبة الحكومة السودانية في بناء شراكة مع أميركا تقوم على الصداقة والتعاون البناء".
في المقابل، أشار العضو السابق في الكونغرس الأميركي مارك سيلجادر إلى أن وفد بلاده "لمس إرادة ورغبة سودانيتين لاستكمال عملية السلام والعمل على إنجاح الفترة الانتقالية من خلال تحقيق التناغم والانسجام بين مكونات المرحلة الانتقالية في السودان"، مشيراً إلى أن لقاءهم برئيس مجلس السيادة "كان مثمراً وتوصل إلى تفاهمات مشتركة حول تطوير وتوسيع آفاق التعاون في كل المجالات بخاصة الاقتصادية والاستثمارية منها".
وأبدى سيلجادر استعداد شركات أميركية للاستثمار في السودان بعد التغيير الحقيقي الذي شهدته البلاد على مستوى الحكومة والمجتمع، وذلك من خلال إقامة شراكات بين الجانبين في قطاعات مختلفة ذات جدوى اقتصادية عالية تشكل إضافة حقيقية لاقتصاد الدولتين.