Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما خيارات واشنطن في التعامل مع هجمات السفن وتنصيب رئيسي؟

التريث أقرب من التصعيد وإدارة بايدن تراهن على تعاون المتشددين الجدد في إيران 

حاملة لطائرات الأميركية "رونالد ريغان"، وبالقرب منها سفينتان حربيتان أميركية وفرنسية، في بحر العرب (أ.ف.ب)

على مدى السنتين الماضيتين، دارت حروب ظل بحرية كثيرة بين إسرائيل وإيران، عبر هجمات متبادلة على ناقلات النفط أو السفن التجارية والحربية، لكن وتيرة الهجمات تصاعدت بشكل ينذر بالخطر خلال الأيام القليلة الماضية بعد ما أدت إلى سقوط قتلى لأول مرة، ما يثير مخاوف إزاء تداعيات ذلك على سلامة المرور عبر الممرات المائية حول الشرق الأوسط ويلقي بظلال ثقيلة على مفاوضات اتفاق إيران النووي خصوصاً مع وصول الرئيس المتشدد الجديد إبراهيم رئيسي إلى السلطة. وفي حين تلوح إسرائيل بأنها قد تتعامل بشكل منفرد لردع إيران، تتركز الأنظار على كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع هذه الهجمات ومع الرئيس الإيراني الجديد. فهل ستتعامل واشنطن بصرامة وتتحدى اختبارات إيران التصعيدية أم ستكتفي بمواقف لينة انتظاراً لحسم الاتفاق النووي؟

موقف حذر

على عكس التصريحات الإسرائيلية التحذيرية من سلوك إيران وخطورته على العالم وتأكيد رئيس وزرائها نفتالي بينت ووزير دفاعها بيني غانتس الاستعداد للتعامل بشكل منفرد لإزالة أي تهديد من الجانب الإيراني، أتت ردود فعل وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أكثر هدوءاً وحذراً، فعلى الرغم من أنه توعد إيران بتوجيه رد متناسب على هجماتها ضد ناقلات النفط ومواجهة التحديات الأخرى التي تشكلها طهران في المنطقة من أعمال مزعزعة للاستقرار، ودعمها لوكلائها والميليشيات الأخرى المنخرطة في أعمال عنف، ومساندتها للإرهاب، فإنه لم يحدد متى وكيف ستكون هذه المواجهات.

كما كرر بلينكن استعداد بلاده العودة إلى فيينا لاستكمال مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران في أي وقت للتركيز على الدبلوماسية، على الرغم من الإحباطات التي عبر عنها الأميركيون بعد إعلان إيران أنها لن تعود إلى المحادثات إلا بعد تولي حكومة جديدة السلطة هذا الأسبوع.

رسالة إلى واشنطن

وفي حين تنفي إيران اتهامات الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بشن أي هجمات على ناقلة نفط ترتبط بملياردير إسرائيلي قبل أيام في خليج عمان، وهجمات على سفن أخرى، الثلاثاء 3 أغسطس (آب)، قبالة سواحل الإمارات، إلا أن البعض في واشنطن اعتبر أن هذه الهجمات تُعد بمثابة رسالة للولايات المتحدة بأن حكومة إبراهيم رئيسي التي ستتولى السلطة، الخميس 5 أغسطس، ستكون أكثر صلابة وقدرة على المواجهة من حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، وأنها لن تقبل سوى برفع كل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، وستواصل في سبيل ذلك تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أقرب إلى مستويات الأسلحة، إضافة إلى متابعة التدخل في عمليات التفتيش الدولية لمواقعها النووية.

تحدي بايدن

ويبدو أن سياسة حافة الهاوية التي تتبعها إيران، تعكس رغبة المرشد علي خامنئي في السير بخطى ثابتة مرة أخرى لتحدي الرئيس الأميركي جو بايدن، عقب تجميد المحادثات النووية في فيينا خلال الأيام الأخيرة لحكومة روحاني، خصوصاً وأن رئيسي الذي اختاره بعناية لهذا المنصب، قال إنه يريد إعادة الدخول في الصفقة مع حكومته القوية، حيث يتولى متشددون الرئاسة والقضاء والبرلمان.

وبينما لا يزال تعامل الولايات المتحدة مع التطورات الأخيرة غير واضح، تتأرجح الضغوط في العاصمة الأميركية بين الرد المتناسب الذي قد يشمل ضربة محدودة ولكن مؤلمة لإيران، والتريث انتظاراً لحسم المفاوضات النووية خلال المرحلة المقبلة، بخاصة وأن الدفع باتجاه المواجهة العسكرية لن يغير من التوجه الإيراني، بل على العكس قد تتدهور الأمور بشكل غير مسبوق.

تجنب مسار تصادمي

وعلى الرغم من أن التكلفة السياسية لعقد صفقة مع إبراهيم رئيسي ستكون أعلى بالنسبة لبايدن كون أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات عليه بسبب سجله الحقوقي السيئ واشتراكه في اتخاذ قرارات بإعدام آلاف المعارضين السياسيين، فإن واشنطن لا تستطيع اختيار مَن يتفاوض معها، كما أن البديل عن المفاوضات هو برنامج نووي إيراني متسارع، يهدد بوضع واشنطن وطهران على مسار تصادمي لن يفوز فيه أي طرف.

وتعتقد إدارة بايدن منذ وصولها إلى السلطة في البيت الأبيض أن تداعيات فشل العودة إلى الاتفاق النووي، لن تؤدي فقط إلى تعميق انتهاكات إيران لالتزاماتها النووية، ولكن ستؤدي أيضاً إلى ردود فعل عسكرية غير متكافئة في المنطقة، ستستهدف القوات الأميركية المنتشرة قرب شركاء إيران في العراق أو سوريا أو غيرها، مثلما أدى انسحاب الرئيس السباق دونالد ترمب من الاتفاق النووي إلى اندلاع اشتباكات أكثر خطورة هناك. وطالما أشارت إدارة بايدن في أكثر من مناسبة، إلى أن اتباع إدارة ترمب سياسة الضغوط القصوى الاقتصادية لإقامة توازن قوى جديد في المنطقة، لم تنجح في تقليص القدرات الإيرانية، بل أدى هذا النهج إلى جعل إيران أكثر عدوانية، وأصبحت ترد بشكل مباشر وغير مباشر من خلال شبكة حلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن للرد على الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة.

وحتى بالنسبة إلى إسرائيل التي دقت أجراس الخطر حول حشد القوات الإيرانية وقوات "حزب الله" قرب مرتفعات الجولان، فقد شنت منذ عام 2012 ضربات جوية عدة لإحباط نقل إيران أسلحة متطورة وصواريخ دقيقة إلى "الحزب" أو إنشاء بنية تحتية عسكرية جديدة في سوريا أو لبنان، ومع ذلك لم تتوقف محاولات إيران، وتتزايد الهجمات المتبادلة عبر الحدود بين إسرائيل والقوات المدعومة من طهران في سوريا، ما يجعل المواجهة المفتوحة أكثر احتمالية في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رهان جديد

ويبدو أن إدارة بايدن تراهن على أن إحكام المتشددين في إيران قبضتهم على السلطات الثلاث- التنفيذية، والتشريعية، والقضائية- قد يؤدي إلى نهج أمني أكثر صرامة في الداخل الإيراني لخنق المنتقدين والمحتجين والتأكد من استمرار قبضتهم على السلطة بما يسمح للنظام الانتقال إلى مَن سيأتي بعد المرشد الأعلى البالغ من العمر 82 عاماً ويعاني من سرطان البروستاتا، حيث من المرجح إلى حد بعيد أن يتم الانتقال إلى الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي.

ولكي يتم ذلك الانتقال لأهم منصب في إيران بسلاسة قدر الإمكان، يريد القادة الإيرانيون الهدوء والاستقرار في سياساتهم الخارجية حتى يتمكنوا من تركيز انتباههم على ما يشغلهم داخلياً، وقد تكون تلك فرصة حقيقية للولايات المتحدة لإحراز تقدم في المحادثات النووية.

وعلى الرغم من أن ذلك لن يكون سهلاً، بالنظر إلى ما شهدته إيران من اضطرابات اجتماعية متكررة في السنوات القليلة الماضية، بسبب فشل النظام في الإصلاح والاستجابة للمظالم واسعة النطاق، فإن استمرار العقوبات الأميركية وضعف الموارد في إيران، سيسهمان في دفع قادة إيران إلى السعي نحو تحقيق هدوء نسبي خارج حدودهم، للتركيز على انتقال سلس في الداخل، عملاً بمنطق أن الحفاظ على الذات يتفوق على كل شيء آخر.
سابقة تاريخية
ويستند أصحاب هذه النظرية إلى سابقة تاريخية، فعقب إعادة انتخاب علي خامنئي رئيساً لإيران في عام 1985، وافق قادة البلاد على وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب العراقية - الإيرانية بعد ثماني سنوات من الصراع والدمار، لتبدأ بعدها عملية إصلاح دستوري، على الرغم من الكلفة المريرة للحرب، وتعهد روح الله الخميني المرشد الأعلى السابق للثورة الإيرانية الاستمرار في الحرب حتى تحقيق النصر، وبدلاً من ذلك، وافق على وقف إطلاق النار في عام 1988 وشبه التنازل الذي قدمه بـ"تجرع كأس السم".
لكنه في ذات الوقت سمح للحكومة بمواصلة توطيد الوضع الداخلي في البلاد، حيث تم إلغاء مكتب رئيس الوزراء، وخلق آلية لبناء إجماع للقرارات الرئيسة عبر مجلس الأمن القومي الأعلى، الذي أشرف على أول انتقال إلى زعيم أعلى جديد في إيران.

أخطار محدقة

أما الآن، فإن المتشددين يسيطرون على كل أركان السلطة، لذلك فهناك مجال أقل للاقتتال الداخلي أو انعدام الثقة، بعد أن سعت الدولة العميقة في إيران الممثلة بمكتب خامنئي والمؤسسة العسكرية الأمنية، إلى تقويض حكم روحاني وكرسوا الوقت والجهد لتشويه سمعة سياسات إدارته، بما في ذلك الاتفاق النووي.

ولأن قرارات إيران الاستراتيجية تتخذها مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين في المجلس الأعلى للأمن القومي، وفي حين سيبقى المعينون من قبل المرشد الأعلى (نصف أعضاء المجلس) في مناصبهم بعد التغيير في الحكومة، يظل الرهان قائماً على حلحلة المواقف المتشددة للتوصل إلى اتفاق.
وأياً كان المسار الذي سيسلكه رئيسي في السياسة الخارجية، يبقى الخطر كامناً في الداخل، لأنه سيرث عدداً لا يُحصى من المشاكل أثارت احتجاجات متكررة على مستوى البلاد خلال السنوات الأخيرة، بينما لا تزال بؤر التوتر المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة قائمة، وهي مهيأة بشكل مقلق للتصعيد.

المزيد من تقارير