Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين نيكولا ستورجن؟ غياب وزيرة اسكتلندا الأولى يثير تساؤلات

كم يُحدث مضي عام واحد من الفرق في الحظوظ. كانت أسهم الحزب الوطني الاسكتلندي مرتفعة قبل 12 شهراً، كما تقول ماري ديجيفسيكي في المقال التالي

هناك إشاعات مفادها أن نيكولا ستورجون قد تترك السياسة الاسكتلندية تمامًا بعد سلسلة من الإخفاقات السياسية (رويترز)

من المنطقي أن حدثاً يجب أن يحصل لكي يكون الشخص صاحب العلاقة "ذا قيمة إخبارية" ويتناقل الإعلام أنباءه. لكن ثمة أوقات يكون فيها عدم حصول شيء يعادل من حيث الأهمية حصوله، في الأقل، إن لم يكن أكثر أهمية.

وأسوق تواري نيكولا ستورجن، وزيرة اسكتلندا الأولى التام تقريباً عن الأنظار حالياً، والصمت شبه المطبق لأولئك الذين يؤيدون الاستقلال الاسكتلندي، مثالَين على ذلك. كم يُحدث مُضي عام واحد من الفرق في الحظوظ. كانت أسهم الحزب الوطني الاسكتلندي مرتفعة قبل 12 شهراً. وكانت نتيجة استفتاء الـ"بريكست" لا تزال تذكي الحماس للاستقلال، وهو موقف أسهم بوريس جونسون في إعطائه المزيد من الزخم من خلال قيامه بـ"تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي". وبات يتوجب على اسكتلندا أن تنفصل عن المملكة المتحدة إذا أرادت أن تكون في الاتحاد الأوروبي في المستقبل.

أضفى هذا بدوره قيمة إضافية على الانتخابات البرلمانية الاسكتلندية عام 2021. وكانت ستورجن في مثل هذا الوقت من العام الماضي تتطلع سلفاً لنيل الحزب الوطني الاسكتلندي أغلبية شاملة في هذه الانتخابات، الأمر الذي كان سيعني تفويضها بإجراء استفتاء جديد على الاستقلال. وصار هذا الإجراء أكثر جاذبية بالنسبة إلى العصاة الاسكتلنديين، لأن جونسون لم ينظر بعين الرضا لاستفتاء من هذا النوع.

 ثم كانت الجائحة. وأخذت ستورجن تطل يومياً لتقدم إحاطاتها، التي كانت توحي بأنها تمسك بزمام الأمور تماماً، وتتحمل مسؤولياتها. وبدت تعليماتها الموجهة إلى الاسكتلنديين دقيقة وأكيدة خالية من التذبذب، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين يتابعونها من إنجلترا، جارة اسكتلندا الجنوبية. وغالباً ما كانت إجراءاتها في الغالب متقدمة على تلك المعلنة في إنجلترا، الأمر الذي جعل الحكومة الاسكتلندية تبدو أكثر كفاءة وحكمة أيضاً في الوقت نفسه.

 كان الوقت قد فات سلفاً للتساؤل عن مدى منطقية القرار بإسناد مسؤولية الصحة للحكومات المحلية، ولا سيما أن العدوى تميل إلى الانتقال عبر الحدود من بلد إلى آخر. غير أن إيجابيات تخويل اسكتلندا إدارة شؤونها بالنسبة إلى رئيسة الحكومة المحلية كانت واضحة، في ذلك الوقت، في الأقل.

كان معدل وفيات "كوفيد" في اسكتلندا على أساس الفرد الواحد أقل منه في بقية أجزاء المملكة المتحدة، وعُزي بعض ذلك إلى الحزم الذي أظهرته ستورجن. هكذا صارت نموذجاً يحتذى. علاوة على ذلك، بات يُنظر إلى سجل اسكتلندا بأنه متفوق على سجل إنجلترا، ليس فقط من جانب أولئك الذين كانوا سلفاً يميلون لرؤية تقدمها هذا مسوغاً لتطلعاتها إلى نيل استقلالها. كانت تتصرف بطريقتها الخاصة كدولة في حد ذاتها، وتستخدم السلطات المتاحة لها، لتبرهن على أن الاستقلال هو أكثر من حلم رومانسي يداعب عيون الاسكتلنديين، وأن من الممكن له أن ينجح.

 لربما كان ذلك ممكناً فعلاً، وهو لا يزال ممكناً. لكن تغيرت عناصر كثيرة في المعادلة بين ذلك الوقت والآن، بما في ذلك، التبدل الحاسم في كفتي الميزان بين مكاسب الاستقلال والخسائر التي قد ينطوي عليها. وحقيقة أن أحداً لا يتباهى بذلك في البرلمان البريطاني، توحي بالحكمة. لكن في الحقيقة يبدو أن قضية الاستقلال قد فقدت حيويتها، وأن المدّ القومي الاسكتلندي آخذ بالتراجع في شكل خطير للمرة الأولى منذ فترة طويلة. ويبدو أن هذه الفكرة استُنفدت كقوة كانت يوماً قادرة على نسف الاتحاد وتفكيك بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذه الأثناء، تقدم استطلاعات الرأي بعض الأدلة المفيدة. وأظهر أحد هذه الاستطلاعات، الذي أجري لصالح صحيفة "ذا صنداي تايمز" الشهر الماضي، أن نسبة تأييد الاستقلال بلغت 45 في المئة، أي أقل منها في أبريل (نيسان) بأربعة في المئة. وبينما كانت نسبة أنصار البقاء في المملكة المتحدة حسب هذا الاستطلاع 48 في المئة، قال سبعة في المئة من المشاركين إنهم لم يقرروا بعد التصويت لصالح الاستقلال أم لا. ويتناقض هذا مع استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الصيف والشتاء الماضيين، ودلت باستمرار على وجود تأييد أكبر للاستقلال من البقاء في دولة الاتحاد تجاوز أحياناً عتبة الـ50 في المئة. بدأ التراجع في الربيع الماضي، وتواصل خلال انتخابات مايو (أيار) التي لم يحقق فيها الحزب الوطني الاسكتلندي الأغلبية الشاملة، ثم تابع الدعم الشعبي للاستقلال انحساره منذ ذلك الوقت.

وتوفر صحيفة "ذا سكوتسمان" المزيد من الأدلة، وهي بالطبع صحيفة مؤيدة لدولة الاتحاد، أي لبقاء اسكتلندا جزءاً من بريطانيا. فقد أثبتت من خلال معطيات حصلت عليها بموجب قانون حرية معلومات، أن الحكومة الاسكتلندية لم تقم بأي عمل على الإطلاق بشأن استفتاء جديد على الاستقلال، منذ تفشي جائحة كورونا. يمكن فعلاً أن يكون الأمر كذلك، إذ يقول مسؤولو الحزب الوطني الاسكتلندي إنه لم يكن هناك أي نية على الإطلاق لمقاربة قضية الاستفتاء قبل طي صفحة الجائحة. إلا أن عدم فعل أي شيء على الإطلاق لدفع الفكرة التي كانت تمثل الطرح الأساسي الذي تمحورت حوله حملة الحزب الوطني الاسكتلندي الانتخابية، يوحي، في الأقل، أن الحكومة الجديدة لم تشعر بأي ضغط لمواصلة الظهور بمظهر الحريص والداعم لهذا المشروع الأساسي بالنسبة إلى الحزب.

 لكن يُعتبر الدليل الأقوى من كل ما عداه هو ابتعاد نيكولا ستورجن عن الواجهة، إلى حد ترددت معه شائعات بأنها قد تترك السياسة الاسكتلندية برمتها وتسعى للحصول على منصب جديد في الاتحاد الأوروبي.

 يمكن أن تنهض القضية الدستورية من كبوتها في فترة ما بعد الوباء، لكن عودة التأييد الذي كان الاستقلال يحظى به في العام الماضي إلى سابق عهده أيضاً، من عدمه، هو أمر منفصل. وعلى الرغم من إصرار ستورجن على أنها تريد إجراء استفتاء بحلول نهاية عام 2023، فلن يكون من المنطقي بالنسبة إليها أن تضغط لتنظيم أي استفتاء تشير كل استطلاعات الرأي بشكل لا لبس فيه إلى أنها ستلقى الهزيمة فيه. ويبدو فعلاً أن الهزيمة ستكون من نصيبها، لأن وجوه التفوق السابق قد انقلبت رأساً على عقب، لأن بريطانيا قد قلبت الطاولة على اسكتلندا وتجاوزتها، وكذلك فعل جونسون مع ستورجن وتقدم عليها.

 والسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا حصل هذا؟ يكمن أحد الأسباب الواضحة في أن سجل اسكتلندا بالنسبة إلى الإصابات بـ"كوفيد"، قد بدأ يفقد بريقه. ونظراً إلى أن النجاح الذي تحقق في المراحل الأولى للجائحة كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالوزيرة الأولى، فإن الفشل من شأنه حتماً أن يؤثر فيها سلباً. وتتضمن جوانب هذا الفشل نسبة الوفيات في بيوت رعاية المسنين في اسكتلندا، على سبيل المثال، وهي تتجاوز نظيرتها في إنجلترا، إضافة إلى إخفاق اسكتلندا في تحقيق الرقم الذي كانت تسعى إليه لجهة توزيع اللقاح. وكان البرلمان البريطاني متعاوناً بصورة ملحوظة لضمان وصول اللقاح إلى أجزاء المملكة المتحدة التي تتمتع بحكم ذاتي، ما يجعل من الصعب على اسكتلندا أن تلقي اللوم على لندن لعدم إحراز النتائج المرجوة.

 وهناك سبب آخر، لا يقتصر تجليه على إمدادات اللقاح، وهو أن لندن أصبحت أكثر ذكاءً في التعامل مع الدول التي تتمتع بإدارة ذاتية. وتتمتع دولة الاتحاد، من حيث العلم و"العلامة التجارية"، حالياً بحضور أكبر حالياً في اسكتلندا منه قبل عام واحد. ويبدو أن لندن قد وصلت الى نتيجة مفادها أنها تراجعت أمام إدنبره أكثر مما ينبغي، ما أوحى ربما بأنها قد تخلت عن دولة الاتحاد بصمت ومن دون أن تحاول الدفاع عنها، إلا أن الوضع لم يعد كذلك.

 ويمكن العثور على سبب ثالث، وهو أن سجل اسكتلندا وحزبها الوطني، في ظل قيادة ستورجن، بات فجأة موضع تمحيص وانتقاد أكبر في إنجلترا، وبالتالي لم يعد يمثل النموذج الأرفع الذي يستحق أن يحتذى، كما كان ذات يوم. ويصعب تلمُّس مدى مساهمة لندن في إخضاع هذا السجل إلى التدقيق الذي انعكس عليه سلباً. وبالنتيجة صارت اسكتلندا تبدو متخلفة عن إنجلترا، لا متقدمة عليها، مع طرح تساؤلات من قبيل، هل تشهد المدن الاسكتلندية حالات وفاة جراء تعاطي المخدرات؟ والجواب هو أن عدد ضحايا المخدرات فيها أعلى منه في نيوكاسل وليفربول. وهل تتسبب حياة التشرد بحصول وفيات في اسكتلندا؟ نعم، وأرقام الضحايا آخذة في الارتفاع في اسكتلندا، حيث السجل المؤلم للتشرد يضاهي نظيره الإنجليزي. وماذا عن وضع التشرد بشكل عام في اسكتلندا؟ ليس جيداً على الإطلاق. ولا ننسى أن ترحيب اسكتلندا بالمهاجرين، الذي يجري التباهي به كثيراً، لا يتم في الحقيقة بسرعة كبيرة.

 ويمكن تلمُّس سبب رابع يعبر عن الصعوبات السياسية التي تواجهها ستورجن نفسها على رأس حزب، يصبح بشكل متزايد مع مرور الزمن عبارة عن عشيرة يطغى عليها ما يمكن تسميته "سفاح القربى" سياسياً. وأسفر ذلك حتى الآن عن انشقاق بين ستورجن وأليكس سالموند، الذي يعد "الوحش الكبير" للنزعة القومية الاسكتلندية، وعن نزاع داخلي حزبي كريه نُشر فيه الغسيل الوسخ على الملأ، وانتصار سجله سالموند في المحكمة ضد تهم التحرش الجنسي التي وجهت إليه. كما اشتملت النتائج على مواجهة بين الحزب الوطني الاسكتلندي وحزب ألبا المغرور، الذي لا يزال بوسعه أن يكسب ما يكفي من الدعم لقضم الهيمنة التي يتمتع بها الحزب الوطني.

 وربما تكون كل هذه المشاكل التي يواجهها الحزب الوطني الاسكتلندي قد نشأت من تلقاء نفسها، نتيجة تعرضه لقدر قليل من التحدي خلال عمره المديد نسبياً. وأجازف بالقول إن لندن ربما لعبت دوراً في تعميق هذه المشكلات أيضاً. غير أن النتائج قد تتمثل على المدى الأطول في نجاح الثنائي جونسون ومايكل غوف في صدّ النزعة الانفصالية الاسكتلندية، وذلك بفضل نصيب الأول من الحظ الذي يعتبر محل تبجح وفهم الثاني لاسكتلندا، ومن ثم الاستعداد للتفكير بقبول ترتيب فيدرالي يكون أكثر صدقاً قد تفيد منه ويلز.

 وقد تمثل إيرلندا الشمالية، من ناحية ثانية، موضوعاً مختلفاً. وفي حين هدد استقلال اسكتلندا على الدوام بخلق تعقيدات كثيرة ، بدءاً بترسيم الحدود البرية إلى نقل المنشآت البحرية والنووية ، فإن أي تقدم باتجاه إعادة توحيد إيرلندا (من خلال ضم إيرلندا الشمالية إلى جمهورية إيرلندا من جديد) من شأنه أن يجعل الأمور أكثر بساطة ويزيد من دقة التوازن في المعادلة بين الانفصال والاتحاد. وإذا كانت لندن تبذل في الخفاء جهوداً أكبر مما تقوم به في العلن لإبقاء اسكتلندا في المملكة المتحدة، فليس من المستغرب أن الكلمات الجميلة هي أكثر بكثير من الأفعال الملموسة في حالة إيرلندا الشمالية.  

© The Independent

المزيد من دوليات