Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نازحو معسكرات دارفور في السودان... غرباء داخل وطنهم

مأساة تجاوز عمرها 18 عاماً وتحديات كثيرة تجابه عودتهم الطوعية

جملة من الصعوبات والتحديات تجابه عودة النازحين الطوعية (اندبندنت عربية – حسن حامد)

أحالت سنوات الحرب إقليم دارفور في السودان إلى ما عُرف عالمياً بـ"أسواء كارثة إنسانية" وقتها، أحرقت فيها مدن وقرى وارتُكبت جرائم إبادة جماعية وأخرى ضد الإنسانية، من قبل النظام السابق نتيجة العنف المفرط في السعي لسحق الحركات المسلحة بكل أنواع السلاح وتجييش الميليشيات القبلية.

وتعد معسكرات النزوح أقسى ما رسمته الحرب في ملامح دارفور على مدار أكثر من 18 عاماً منذ 2003، ما أسفر عن نزوح ملايين المواطنين من مناطقهم وقراهم إلى العراء وملاذ المعسكرات طلباً للأمن والحياة. وتحولوا بعدها إلى سكان في تلك المعسكرات التي باتت حتى اليوم من أبرز معالم ومخلفات الحرب، تجسد المعاناة وتكشف عن مأساة ممتدة لعقدين من الزمان، أُجبر فيها الناس على هجر قراهم ومساكنهم ليصبحوا غرباء داخل وطنهم والتوشح بعنوان السكن في المعسكرات وبطاقة هوية "نازح".

على الرغم من كل المحاولات اللاحقة لإنهاء النزاع وإحلال السلام في مناطق دارفور المختلفة، وإبرام اتفاقيات سلام عدة أبرزها اتفاق أبوجا، ثم الدوحة، لكن الوضع ظل ملتهباً على مدارالسنوات الماضية التي تلت النزاع، مخلفاً وراءه ما يربو على ثلاثة ملايين و200 ألف نازح، معظمهم من النساء والأطفال إلى جانب الشيوخ والشباب، هجروا قراهم إلى معسكرات النزوح المنتشرة هناك، كأحد أبرز شواهد المأساة التي حصدها المدنيون من جراء الصراع.

ويُبنى الأمل هذه المرة في أن يُطفئ اتفاق سلام السودان أكتوبر (تشرين الثاني) في جوبا 2020 المُوقع بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، نيران الحرب بصورة كاملة، لتبدأ رحلة جديدة لعودة النازحين إلى قراهم ومزارعهم مرة أخرى. وفي كل الأحوال يبقى فرض الأمن والاستقرار إلى جانب توفر الخدمات الأساسية عوامل حاسمة في عودة النازحين التي طال انتظارها، وربما تقود تلقائياً إلى تجفيف معسكرات النزوح.

ليس بعيداً عن منهج اتفاقيات السلام السابقة التي أُبرمت في عهود مضت، ضمت اتفاقية سلام جوبا الأخيرة ضمن فصلها الثالث عنواناً لمفوضيات وآليات الإعمار والتنمية، أقرت فيه بقيام مفوضية قومية كآلية لمعالجة العودة الطوعية، وإعادة توطين النازحين واللاجئين في مناطقهم الأصلية، وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، وفق أسس تستصحب معها مبدأ تعويضهم  عما فقدوه خلال سنوات الحرب والنزوح.

هل تصمد الجهود أمام التحديات؟

حول جهود تهيئة البيئة اللازمة لعودة النازحين وأيضاً اللاجئين إلى ديارهم، تحدث تاج الدين إبراهيم، رئيس مفوضية العودة الطوعية وإعادة التوطين، مبيناً أن المفوضية التي أقرها اتفاق سلام الدوحة، تعمل على ثلاثة محاور هي، العودة الطوعية، ورد الممتلكات المفقودة ومحور التعويضات وجبر الضرر والتعويض المجزي وفق تقييم لجان حصر الممتلكات ومعايير دليل، ومفاهيم تعريف الضحية وجبر الضرر والمرجعيات القانونية للتعويض.

وأوضح إبراهيم أن المفوضية قطعت شوطاً مقدراً حتى الآن في مهمتها، وأجرت مسحاً شاملاً للاحتياجات كافة في مجال الخدمات، كما تمكنت بالتعاون مع الحكومات الإقليمية والمنظمات والشركاء من إنشاء 450 مرفقاً ومؤسسة خدماتية خلال الفترة من 2013 إلى 2018 في ولايات دارفور الخمس، منها مجمع سكني متكامل يضم مدرستين ومركزين صحيين ومسجداً ومساكن للكوادر الصحية والتعليمية.

لكن مازالت هناك جملة من الصعوبات والتحديات التي تجابه العودة الطوعية للنازحين عدّها إبراهيم، لضعف الإمكانات والقدرات المالية لتنفيذ المشروعات المخطط لها، إلى جانب عدم التزام الشركاء الدوليين الوفاء بالتزاماتهم وتعهداتهم تجاه اتفاق سلام الدوحة (سابقاً)، فضلاً عن عوامل وتحديات أخرى بعضها يرتبط بالنازح نفسه ورغباته وتوجهاته الجديدة، ومجموعات المستفيدين من وجود المعسكرات التي توفر لهم قوة شرائية كبيرة وعمالة رخيصة، وهؤلاء يُعرفون بتجار الحرب المستفيدين من وجود المعسكرات والنازحين.

كذلك أشار رئيس المفوضية، إلى أن وجود الحركات المسلحة غير الموقعة على السلام يشكل عقبة حقيقية أمام عودة النازحين، وهي تعمل جاهدة على الاستغلال السياسي للمعسكرات، واعتبار استمرار وجودها دليل إدانة للدولة، وشاهد على بقاء مظاهر الحرب وغياب السلام والاستقرار، كما تستغلها أيضاً في المناسبات المحلية كورقة ضغط على الحكومة، إضافة إلى وجود بعض العناصر المسلحة المتفلتة التي تهدد بشكل كبير استقرار العائدين في مناطق العودة.

البحث عن الحلول الدائمة

وشدد رئيس العودة الطوعية على أهمية توفر إرادة سياسية قوية لدى الدولة تجاه بسط الأمن في مناطق العودة، مع أهمية بلورة فهم مشترك حول هذه القضية بغرض الوصول إلى حلول مستدامة لكافة قضايا ومتطلبات العودة الطوعية للنازحين والتأمين على حقوقهم، من خلال إدارة حوار مجتمعي يشمل كل الفئات، بما فيهم النازحون أنفسهم والمجتمع المدني والإدارات الأهلية.

وأشاد رئيس المفوضية بالاستقرار والتطور النسبي الذي تشهده المعسكرات الموجودة في مناطق شمال دارفور، من حيث تفهم النازحين وتعاملهم مع قضيتهم ووجودهم وابتكار طرقهم الخاصة في تسيير المعسكرات وترتيبات العودة، في الوقت الذي تعاني فيه معسكرات غرب دارفور وجزء من جنوب دارفور من عدم توفر الاستقرار والأمن، وتعرضها للاستغلال السياسي من قبل الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاقيات السلام، بخاصة معسكري "كلمة" و"حميدية"، على الرغم من كونها قضية إنسانية. وتسبب ذلك في انعدام الاستجابة للعودة الطوعية لأسباب سياسية ترتبط بانتماء النازحين أنفسهم إلى إحدى الحركات المسلحة، نتيجة ما تعرضوا له من استقطاب في فترات سابقة، منوهاً بظهور مؤشرات جديدة للعودة العكسية إلى المعسكر مجدداً، بعد اكتشاف العائدين ضعف الخدمات في مناطق العودة، ما يتطلب التنسيق بين الحكومات الإقليمية والشركاء والمفوضية بخصوص المشروعات الخدمية لضمان استدامة العودة.

الاستقرار الأمني وتزايد العودة

وبحسب نتائج المسح الإحصائي لمفوضية العودة الطوعية مع لجان الولايات التنسيقية، فقد عاد طوعاً خلال الفترة الممتدة بين 2013 و 2017 282 ألف نازح إلى قرى العودة، وارتفع العدد إلى 326 ألفاً في 2018، ثم إلى مليون و477 ألفاً و497 في 2019، وعزا مبارك زروق عبدالله، مديرعام العودة الطوعية بولايات دارفور، تزايد نشاط وأعداد العائدين بين عامي 1018 و2019 على وجه الخصوص، إلى الاستقرار النسبي في الأوضاع الأمنية، إضافة إلى تدابيرالحماية والتوفر النسبي للخدمات بواسطة المفوضية وشركائها، خلال تلك الفترة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد عبدالله على ضرورة الربط بين خطط المفوضية واستراتيجية الولايات المعنية، عبر التنسيق المشترك بين كل الأطراف في تنفيذ مشروعات العودة الطوعية، تفادياً لإشكالات ومعوقات التشغيل التي غالباً ما تحدث بعد الانتهاء من تشييد المرافق الخدماتية، كتوفير الكوادر والمعينات اللازمة لتشغيل وتسيير تلك المرافق.

وأكد مدير العودة الطوعية أن كثيراً من النازحين لم تعد لديهم الرغبة في العودة إلى مناطقهم نفسها، على الرغم من التهئية المعقولة التي تمت فيها من حيث الخدمات وغيرها، وذلك خشية فقدان الامتيازات التي تمنحها لهم بطاقة النزوح، مثل الحصص الغذائية ومواد الإيواء وتسهيلات الهجرة إلى الخارج، ما أوجد مفارقة مفادها ترافق تزايد معدلات العودة مع ارتفاع عدد المعسكرات في الوقت نفسه، نتيجة بقاء المعسكرات مفتوحة ولا تغلق أبوابها أمامهم، كما يلاحظ أن معظم الراغبين في العودة هم من كبار السن، بينما تتدنى الرغبة والحماس لدى الشباب.

الاستغلال السياسي للنازحين

ويرى مدير العودة الطوعية، أن القضاء على مسألة النزوح والآثار المترتبه عليه، تتطلب توفير موارد مالية كبيرة من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب وهو هائل وكبير، سواء مادياً أو معنوياً، لردم الفجوة بين أجيال ما قبل النزوح وبعده، والأهم من كل ذلك ضرورة فرض استتباب الأمن والاستقرار، إذ إن معظم النازحين لم يذهبوا بعيداً جداً عن مناطقهم الأصلية، لكن ومع كل الجهود المبذولة لعودتهم، ظلت الإمكانات دائماً قاصرة عن تحقيق الحلول المستدامة بتشييد مشروعات كبيرة في مجالات البنية التحتية كالطرق والخدمات وغيرها، سواء بواسطة الدولة أو المانحين والشركاء.

وحذر عبدالله من خطورة تمادي ظاهرة الاستقطاب داخل المعسكرات، واستغلال القضية الإنسانية سياسياً، ما أضر بالنازحين وأعاق تفاعلهم مع تنفيذ الخطط والخيارات المطروحة لعودتهم أو إعادة توطينهم أو دمجهم، من خلال خيار إعادة  تخطيط المعسكرات نفسها ضمن الحلول المستدامة، مع الإبقاء على حق النازح وحريته في العودة إلى منزله أو قريته متى شاء وسمحت الظروف بذلك.

ووفقاً لمدير العودة، فإن كل اتفاقيات السلام التي وقعت منذ اندلاع النزاع المسلح في دارفور، وحتى اتفاق سلام جوبا الأخير في أكتوبر 2020، سعت دائماً إلى إيجاد الحلول لقضية النازحين واللاجئين عبر أسس وآليات لا تختلف عن بعضها كثيراً، لكن ظلت المشكلة دائماً تكمن في الإمكانات وجدية وشفافية التنفيذ، فضلاً عن ضعف التزام كثير من المانحين والشركاء، وبطء التنفيذ خلال الفترات السابقة، كما أن بعض المشروعات نفذت بشكل يفتقر إلى المواصفات ولا تصلح للاستفادة منها، ما حال دون استمرار بعض المانحين دعمهم.

عشرات المعسكرات خلّفها النزاع

وخلف النزاع المسلح في إقليم دارفور الذي اندلع منذ عام 2003 بين الحركات المسلحة وحكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، بحسب تقارير وإحصاءات تعود لعام 2018، حوالى 70 معسكراً للنازحين واللاجئين داخل السودان، معظمها في إقليم دارفور، منها 20 معسكراً في ولاية وسط دارفور، أبرزها معسكرات السلام، والحميدية، والحصاحيصا، وأبوذر ونيرتتي (شمال وجنوب)، تضم حوالى 277 ألفاً و369 نازحاً، منهم 94535 امرأة، 44153 رجلاً، بينما يمثل الأطفال نحو 138 ألفاً و681. كما توجد 6 معسكرات في شمال دارفور، أشهرها معسكرات أوشوك، والسلام، وزمزم، وكساب، تضم 248 ألفاً و542 نازحاً، منهم 116835  امرأة و54671 من الأطفال، و77031 رجلاً، وتضم ولاية شرق دارفور 6 معسكرات، أكبرها معسكرات، النيم، والفردوس، وشعيرية، وياسين، وفيها 92 ألفاً و435 نازحاً، أما ولاية غرب دارفور، فتضم العدد الأكبر 37 معسكراً، أبرزها معسكرات كريدنق، وأردمتا، ومستري، وهبيلا، والقردود، وفوربرنقا، وكلبس، وسربا.

المزيد من تقارير