Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انخفاض في الأسعار وركود بالأسواق المصرية... يا ياميش مين يشتريك؟

التمر والفول السوداني يستردان الريادة... والبندق والفستق يظهران على استحياء

أسعار الياميش شهدت انخفاضاً كبيراً يقدر بنحو 15% مقارنة بالعام الماضي (حسام علي.إندبندنت عربية)

انخفض الدولار أمام الجنيه المصري بضعة قروش، فهرعت صحف محلية نحو تأكيد أن الانخفاض انعكس إيجاباً في معدل إقبال المصريين على شراء "ياميش" رمضان، وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم السنوي انخفض خلال أبريل (نيسان) إلى 12.5%، مقابل 13.8% في مارس (آذار)، فترجم الانخفاض إلى زيادة الإقبال على الياميش وعودة إلى التبضع بندقاً ولوزاً وفستقاً.

وأكد رئيس شعبة العطارة في الغرفة التجارية بالقاهرة السيد رجب العطار، أن "أسعار الياميش شهدت انخفاضاً كبيراً يقدر بنحو 15%، وذلك مقارنة بالعام الماضي". وطمأنت الغرفة التجارية جموع المصريين بوجود "فائض في السوق المصرية يكفي طوال شهر الصوم وبعده كذلك".

ورغم ذلك، فإن صينية البقلاوة المتمركزة وسط مائدة إفطار السيدة رجاء سليمان، 66 عاماً، ونقطة الجذب الرئيسية للأبناء والبنات والأحفاد على مر السنوات ما زالت تشير إلى أن أغلب الحشو قوامه فول سوداني، لكن جديد هذا العام هو ظهور مذاق للبندق وملمس للفستق كانا قد اختفيا منذ رمضان في عام 2017، وهو أول رمضان بعد تعويم الجنيه المصري، وفقدانه نحو 60% من قيمته في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016.

أسلوب حياة أكثر ترشيداً
تقول سليمان، بفخر شديد، إن "صينية البقلاوة التي تشتهر بها بين الأهل والجيران لم تتزعزع مكانتها أو تتأثر بعد ما تحوَّلت إلى الفول السوداني لحشوها بديلاً عن ياميش رمضان الذي جنّ جنونه بعد التعويم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن يبدو أن حدة الجنون قد هدأت قليلاً وفورة الصدمة قد فترت أكثر، تقول سليمان "هذا العام اشتريت ربع كيلو فستق ونصف كيلو بندق، وذلك بعد توقف تام. في البداية كنت أشعر بالحرج من شراء كميات قليلة، لكن اعتدت ذلك في الأعوام القليلة الماضية بدافع الترشيد. ولاحظت أن الباعة كذلك بدأوا يعتادون بيع كميات قليلة بديلاً عن تلال المشتريات وشراء عشرات الكيلوغرامات التي كان يقوم بها البعض".

يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور حسين عبد القادر، إن "تصريحات خبراء الاقتصاد الموسمية السنوية في رمضان عن ضرورة الترشيد وأهمية تقليل هدر الطعام وخفض الاستهلاك لم تعرف يوماً طريقها إلى التفعيل، مثل هذا العام".

ويضيف عبد القادر، "الحقيقة أنها لم تعرف طريقها، لكن طريقها تحقق وحده على أيدي قطاع عريض من المصريين في رمضان، وذلك لأسباب عدة، أبرزها أن الصدمة الأولية لفاتورة الإصلاح الاقتصادي قد هدأت، ومعها هدأت مشاعر الغضب والهلع، كما أن هناك ملامح بسيطة، لكن واضحة، لتحسن نسبي في الاقتصاد المصري بوجه عام، وهذا يعطي شعوراً بالطمأنينة لكثيرين ليبدأوا في التأقلم والتعامل مع الوضع الاقتصادي الجديد، الذي يملي أسلوب حياة أكثر ترشيداً".

ويشير عبد القادر، إلى أن "الثقافة أيضاً بدأت تتغير، حتى وإن لم يشعر الجميع بهذا التغيير، لكنه يتسلل رويداً"، يقول "اليوم يشتري كثيرون ثمرتين فاكهة، أو نصف كيلوغرام لحم، أو ربع كيلو بندق. لم يعد المشتري يتحرج، ولم يعد التاجر يتذمر".

حوادث الياميش
وعلى الرغم من اعتياد المصريين ظهور ما يسمى بـ"حوادث الياميش" الأسرية الشهيرة في كل رمضان، إذ زوجة تطلب الطلاق لرفض زوجها شراء الياميش، أو زوجة تقتل زوجها عقب مشادة عنيفة سببها عجز الزوج عن شراء مستلزمات رمضان، وغيرها، فإن الملاحظ أن صفحات الحوادث تشهد خفوتاً واضحًا في جرائم الياميش.

جرائم الياميش وسبل مواجهة غلاء الأسعار وضيق ذات يد كثيرين تقابلها جرائم من نوع آخر، لكنها جرائم حرارية. ورغم أن بعضها بدأ تحايلاً على ارتفاع سعر الياميش، فإنه انقلب جريمة صحية مكتملة الأركان.

 

صندوق ذكريات سهى شريف، 50 عاماً، يحوي كنافة بالموز كانت خالتها تصنعها، وأخرى بالتفاح وثالثة بالخوخ كانت والدتها تجهزها في رمضان لتكون بديلاً نصف صحي ونصف موفر للكنافة بالمكسرات. لكنها لم تكن أبداً تتخيل أن تتحول بذور تقديم صينية الكنافة بالفاكهة إلى موضة للكنافة بالمانجو والكريمة قبل سنوات، ثم كنافة بالتمر، وكنافة بالشوكولاتة، والفراولة والقشدة، والحلاوة الطحينية، وبـ"رد فلفت" وغيرها من بدائل الكنافة الرمضانية بالمكسرات، التي تحوي متفجرات اسمها سعرات حرارية لا أول لها أو آخر.

منيو الستينيات
إلا أن صندوق الذكريات لدى أسر مصرية عديدة يسترجع منيو الستينيات، وقت لم يكن هناك "رد فلفت" أو "غرين كيوي" أو "بلاك بيريز". يقول فتحي الصراف، 80 عاماً، موظف متقاعد، إنه وأخوته "كانوا يتناولون ما لا يقل عن عشرة أنواع من الكنافة تجهزها والدتهم، رحمها الله، كنافة سادة في صينية، كنافة بالكريمة، كنافة نيئة باللبن والسكر، كنافة محمرة باللبن والعسل، كنافة ملفوفة، كنافة مبرومة. ويوم ما كنا نتناول كنافة محشوة، كان الحشو (فول سوداني)".

عودة محمودة يشهدها الفول السوداني على موائد رمضان، وهي عودة مسببة في أغلبها، محببة في جانب منها. فهناك من يؤكد أنه يفضل طعم الفول السوداني، ونكهته في الحلويات الرمضانية مثل البقلاوة والكنافة، وهناك من يقر ويعترف أن أسعار الياميش رغم انخفاضها النسبي هذا العام، فإنها تبقى بعيدة عن متناول أيدي الأغلبية. ويكفي أن سعر كيلوغرام الفول السوداني يتراوح بين 45 و50 جنيهاً مصرياً (نحو 3 دولارات أميركية)، في حين يبلغ سعر كيلوغرام الفستق 400 جنيه مصري (نحو 23 دولاراً أميركياً).

التمر... ثمرة الأزمات
الجنيهات المصرية المتاحة بشكل أكبر لدى الغالبية تصب في أسواق البلح (التمر)، ورغم أنه فاكهة شديدة الاتصال بشهر الصوم، فإنه كذلك دائماً ما يقدم نفسه في أوقات الأزمات والطوارئ، باعتباره "ثمرة الأزمات".

 

ورغم الارتفاع المذهل في أسعار بعض أنواع التمور، المعروفة في مصر باعتبارها ياميش الفقراء، لتصل إلى ما يزيد على 150 جنيهاً مصرياً (9 دولارات أميركية)، فإن الأنواع المتاحة تناسب كل الفئات، إذ تبدأ الأسعار من 15 جنيهاً (88 سنتاً أميركياً).

"ياميش الفقراء" لا يأتي بلا صخب وبهجة، أو يمر عام من دون أن يثير الفكاهة ويجذب التعليقات بأسمائه التي تطلق عليه، يقول أحمد حسنين، أحد تجار البلح في حي شبرا الشعبي، إن "إطلاق أسماء المشاهير على أنواع التمور المختلفة نوع من الترفيه وتدليل الزبائن، لا سيما البسطاء، فمن ليلى علوي وصفية العمري، إلى جورج قرداحي وعمر الشريف وحسين فهمي، ومنهم إلى هيفاء وهبي ونانسي عجرم، ثم أبو تريكة ومحمد صلاح، وغيرهم كثيرون، حتى إن الأحداث السياسية لا تسلم من موسم إطلاق الأسماء على أنواع التمر المختلفة بوش وأوباما ومحمد مرسي والسيسي وبوتين وترمب".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات