Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "تيتان" الفائز في "كان" يحدث بقسوته سجالا  

المخرجة الفرنسية ترد معتبرة أن التوحش المشهدي قوة لهدم الجدران التي تحبس الناس في سجن

من اجواء فيلم "تيتان" الذي يثير سجالا (الخدمة الإعلامية لمهرجان كان)

لم يحدث في التاريخ المعاصر لمهرجان كان أن انقسمت الصحافة حول فيلم نال "السعفة الذهبية" كما انقسمت حول فيلم "تيتان" للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو الفائز بالجائزة السينمائية الأرفع من يد شارون ستون في آخر دورة. الفيلم لا يترك أحداً لا مبالياً حياله، ومن المرجح أنه ستكون هناك خلافات فنية وفكرية كثيرة في شأنه في الفترة المقبلة خصوصاً عندما تبدأ عروضه في العالم أجمع. تمييز فيلم من منبر مثل "كان" حدث إعلامي كبير، لكن أيضاً تسويق مفيد للفيلم الذي يحظى بذلك التمييز. ففي الصحافة الفرنسية، الورقية والإلكترونية، المتخصصة والعامة، كانت الآراء متفاوتة ومتناقضة ومتضاربة جداً، وهذا يؤكد مدى قدرة الفيلم على توليد سجال في الأوساط السينمائية. في أي حال، برعت دوكورنو منذ فيلمها السابق في خلق تفاعل مع عملها، وبات يُحسب لها حساب. 

موقع "باند أ بار" الإلكتروني كتب أن الفيلم "صرخة حب تؤكد موهبة دوكورنو العظيمة التي وُضعت في خدمة إنسانية جريحة تبحث عن صمود". آدم سانشيز كتب في "CQ" يقول إن الفيلم يشي بثقة في الذات وشجاعة مطلقة في السينما الفرنسية الحالية، معتبراً أن المخرجة لم تخف في طرح هواجسها علناً. جريدة "20 دقيقة" التي توزع مجاناً وصفت التجربة بالقوية والعميقة، في حين قال موقع "كولتور بوان" إن خطاب الفيلم الوحيد بصري وحسّي، ولكن في العمق هذا ما يصنع قوته. وتابع يقول: "تعود دوكورنو إلى ما هو بدائي وغرائزي وتستكشف تجاوزاته وحريته المطلقة. "تيتان" ليس فيلم رعب ولكنه شيء غير نقي تماماً (…). إنه تأكيد على ولادة مخرجة كبيرة تمخضت وحشاً رائعاً. نقاد آخرون توقعوا في مقالاتهم قبل توزيع الجوائز بأن الفيلم سيفوز وهذه حال ناتالي شيفليه من موقع "آخر أخبار ألزاس" التي قالت إن "تيتان" فيلم رعب على طريقة سينما المؤلف. وأضافت: "هذا فيلم فريد من نوعه، مبتكر".

زميلتها مارغريت بو من مجلة "إيل" تحدثت عن السيناريو باعتباره "باروكي"، حيث الجمال البصري يتصل بكل لقطة من لقطات الفيلم. في مجلة "لومانيته" مقال لسيبريان كاديو يدعي بأننا أمام فيلم "نسوي بشراسة يجدر علينا اكتشافه ونحن نعلم عن تفاصيل حكايته أقل ما يمكن"، في حين قارنه اريك نوهوف من جريدة "لو فيغارو" بأفلام غاسبار نويه التي تثير الجدل أينما عُرض، معتبراً أنها نجحت في الوقوع في فخ التفاهة ما يعني أنها صاحبة شخصية قوية. الناقد نيكولا شالير كتب في "لو نوفيل أوبسرفاتور" بأن البطلين يلجآن إلى خيمة رجال إطفاء للهرب من عالم يشبه كليبات المغني الأميركي الأسود سنوب دوغ، ولكن كما لو كان من إخراج برنار دو لا فيلارديير. وأضاف أن دوكورنو تتقيأ الأشياء الفاترة وتؤمن بقوة السينما. أما مجلة "ليه انكوروبتيبل" فكتب فيها جاكي غولدبرغ أن المخرجة تنسف كل شيء، من الأعراف للذوق الحسن كي تقدم فيلماً لا يشبه أي فيلم آخر، أو بالأحرى يشبه أفلاماً أخرى كثيرة ولكنها لم تعالج البتة على هذا النحو. 

آراء منقسمة

في مجلة "تيليراما" انقسمت الآراء حول الفيلم بشدة، إلى درجة قررت الإدارة نشر رأيين، واحد مؤيد للفيلم وآخر معاد له، وهذه من التقاليد الراسخة في المجلة الفرنسية الشهيرة. الرأي المؤيد يقول: "كل مشهد يصرخ إيمانه بقوة الإخراج. دوكورنو قادرة على خلط مواد مضادة بعضها بالبعض الآخر كالنار والدموع. أما الرأي الذي وقف في وجه الفيلم، فكتبته سيسيل موري قائلة: "في فيلمها السابق، استطاعت دوكورنو إزعاجنا بالعمق. هذه المرة، تبالغ إلى حد التخمة من خلال دس مرجعيات سينمائية في فيلمها". أما الناقد الشهير أوليفييه دو برون فكتب غاضباً في "ماريان" بأن الفيلم يرمق إلى سينما كل من ديفيد لينتش وديفيد كروننبرغ بنظرة غرامية، لكنه لا يصل إلى ركبة هذه السينما التي يشتهيها. أخيراً، من اللافت أن مجلة "دفاتر السينما" العريقة نشرت رأياً معتدلاً في "تيتان" خلافاً لعادتها: "الفيلم يؤكد المكانة الفريدة التي تحتلها جوليا دوكورنو في المشهد السينمائي الفرنسي، وكذلك تمكنها الذي لا شك فيه". 

موقف الجمهور

ولكن ماذا عن رأي جمهور كان الذين شاهدوا الفيلم؟ قد يبدو السؤال غريباً، إلا أنه مشروع وكل يوم هناك صحف تستفتي آراء المواطنين في المدينة الشهيرة التي يجري فيها الحدث. فغداة ختام المهرجان، تنظم منذ سنوات عروضاً للسكان الأصليين ليكتشفوا الأفلام الفائزة التي سمعوا عنها طوال الأيام الماضية. ثم تأتي وسائل الإعلام لتأخذ آراءهم التي يكون بعضها انفعالياً وعفوياً لكونه لا يأتي من متخصصين. وحده مَن يبقى في كان، لسبب أو لآخر، بعد انتهاء المهرجان، يرى المدينة على حقيقتها: قرية صغيرة مليئة بالمتقاعدين والعمال الأجانب والمسنات اللاتي يتنزهن برفقة كلابهن. وللتعويض عن الإزعاج الذي يتسبب به المهرجان طوال أسبوعين، تحاول الإدارة، من خلال تأسيس جمعيات، أن تورط سكان المدينة في الهم المهرجاني، من خلال تخصيص حصة من البطاقات لسكان المدينة. عبر الانضمام إلى واحدة من هذه الجمعيات، يحق لأهالي "كان" أن يحصلوا على بطاقات ويشاهدوا أفلام التشكيلة الرسمية وغيرها. أما الحدث الأكبر بالنسبة لهم فيتمثل في إعادة عرض الفيلم الفائز بـ"السعفة الذهبية". تفتح صالة "لوميير" أبوابها أمام حاملي البطاقات، فتأتي النساء بفساتينهن الأنيقة صحبة أزواجهن، ويتكرر مشهد صعود السلالم والتصوير على السجادة الحمراء. أهالي "كان" هم نجوم المهرجان في تلك الليلة المخصصة لهم؛ عشرات المصورين يحضرون إلى المكان لالتقاط صورهم. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا العام، جاء سكان "كان" لمشاهدة الفيلم الفائز بأعداد كبيرة وهم يعرفون مضمونه جيداً، بعد ما قرأوا عنه في الصحف الفرنسية وشاهدوا صوره في نشرات الأخبار. لكن ربما هذه أول مرة يحذر فيها عمدة "كان" دافيد لينار الناس من الفيلم الفائز، ناصحاً من تصدمهم مشاهد القسوة والدم والقتل من أن يتأكدوا أن الفيلم يناسب حساسيتهم، كما أنه طلب بعدم اصطحاب الصغار سناً. ونقلت جريدة "نيس ماتان" آراء بعض المشاهدين، علماً أن دورية إسعاف كانت تقف أمام صالة لوميير حيث عُرض الفيلم الجدلي. أحد المشاهدين قال لـ"نيس ماتان" وهو يهم على الجلوس في كرسيه إنه يخاف أن يشعر بإحساس سيئ وهو يشاهد الفيلم، أما آخرون فكانت لديهم آراء متفاوتة تشبه إلى حد معين ما قالته الصحافة في الفيلم. 

أما جوليا دوكورنو التي أصبحت اسماً شهيراً في عالم السينما، فكيف ترد على هذا كله بعد ما كانت في الماضي عبرت عن استغرابها من انزعاج المشاهدين من فيلمها السابق؟ فهي قالت كل شيء باختصار شديد يوم نالت الجائزة: "التوحش الذي يخيف البعض (…) قوة لدفع جدران المعيارية التي تحبسنا في سجن وتفصلنا عن بعضنا البعض". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما