Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "لونغ شوت" الكثير من الضحك والقليل من السياسة

لو كان لديكم وقت فراغ وتريدون تمضيته في مشاهدة فيلم مسلٍ للترويح عن النفس مع الكثير من الفوشار والمقرمشات، فهذا هو الفيلم المطلوب

لقطة من فيلم "لونغ شوت" (موقع روجربيرت)

على الرغم من أن أغلب أحداث فيلم "Long Shot - بعيدة المنال" تدور ما بين البيت الأبيض، والقمم والمؤتمرات والخُطب السياسية، إلا أنه لا يقدم الكثير من السياسة ويُصنَّف ضمن فئة أفلام الرومانسية الكوميدية، حيث يتناول قصة حب لم تكن متوقعة وصعبة المنال بين أصغر وزيرة للخارجية الأميركية "شارلوت فيلد - تشارليز ثيرون" والصحافي الأشعث والمثير للمشاكل "فريد فلارسكي - سيث روغن".

يبدأ الفيلم مع "فريد" في اجتماع لمجموعة عنصرية من النازيين الجدد تقول بتفوق البيض وتدعو إلى القضاء على اليهود، بينما يحاول سِراً تسجيل ما يُقال وما يدور في اللقاء من أجل سبق صحافي، وكانت هذه الدقائق الأولى كافية لإعطائنا فكرة جيدة عن مدى التهوّر والعشوائية ولكن في الوقت ذاته الإصرار والتمسك بالمبادئ الموجود لدى هذا الصحافي اليهودي الجريء.

عند تمكّن "فريد" من الهرب وإنقاذ المادة المسجلة على هاتفه، يتوجه إلى رئيس تحرير الصحيفة التي يعمل بها، لكنه يفاجأ بأن الصحيفة لم تعد مُستقلة التمويل بعد أن اشتراها الملياردير ورجل الأعمال الفاسد الذي انتقده "فريد" في مقالاته مرات عدة "باركر ويمبلي - آندي سركيس"، فما كان رد فعله إلا أن قدم استقالته.

لا يجد الصحافي المُفلس والعاطل من العمل طريقة لتدبّر أموره غير اللجوء إلى صديق طفولته "لانس - أوشيا جاكسون جونيور" مدير شركة ناجح وله بعض العلاقات على مستوى رفيع والذي يقرر أن يصحب صديقه إلى حفل نخبوي للترفيه عن نفسه.

في ذلك الحفل يلتقي "فريد" بحبه الأول "شارلوت" التي كانت جليسته عندما كان طفلاً، يتبادلان الحديث سريعاً ويستذكران بعض الأحداث المشتركة، قبل أن يتجرأ فريد على التهجم على "باركر ويمبلي" الذي كان مدعواً إلى الحفل أيضاً، ويقول له إنه لص وإنه السبب في الفساد والخراب في البلاد.

"شارلوت" التي أخبرها الرئيس "الممثل بوب أودينكيرك" بنيته التنحّي عن منصب الرئاسة كي يتفرّغ إلى شغفه بالتمثيل وأنه يرغب في تزكية اسمها كي تحل محله وتكون أول رئيسة للولايات المتحدة الأميركية، بحاجة الآن لشخص يساعدها في كتابة خطاباتها بطريقة احترافية وجذابة. بالإضافة إلى إعجابها بالجرأة التي أبداها "فريد" في الحفل، بدا أسلوبه الصحافي مثيراً بالنسبة إليها عندما دفعها فضولها إلى قراءة مقالات صديق طفولتها، فقرّرت أن توكل إليه مهمة إعداد الخطابات على الرغم من اعتراض مساعدتها "الممثلة جون ديان رافايل" بسبب مظهر "فريد" وتصرفاته الخرقاء ولغته السوقية.

ينطلق الاثنان في جولة حول العالم تسعى "شارلوت" من خلالها إلى إقناع صُنّاع القرار بالتوقيع على اتفاقية بيئية هي الأولى من نوعها لحماية الكوكب.

أثناء الرحلة تكتشف "شارلوت" حاجتها إلى البساطة والعفوية والعشوائية التي يعيشها "فريد" مقارنة بحياتها المُرهِقة التي تفرض عليها التصنع والتفكير في كل حركة وكلمة تصدر عنها، لكنها تدرك أن مشاعرها تجاهه وعلاقتها به ستُضر بها ولن تمكّنها من الوصول إلى البيت الأبيض.

توُضع علاقتهما على المحك عندما يحاول الملياردير "باركر ويمبلي" ابتزازها بفيديو فاضح سُجّلَ لـ فريد سراً، مهدداً بنشره على الإنترنت إن لم تحذف شارلوت بنداً في اتفاقيتها البيئية العالمية يُضر بمصالحه المالية ضمن أراضي الولايات المتحدة.

تعيش "شارلوت" الصراع بين حبها وطموحها، بينما يتوجب على "فريد" الاختيار بين التمسك بمبادئه ومحاولة إقناع حبيبته بعدم الرضوخ للابتزاز وبين القبول بالأمر الواقع والموافقة على محو تاريخه بالكامل كي يظهر بشخصية جديدة تماماً يتقبّلها المجتمع كشريك حياة مناسب لتلك السياسيّة الناجحة والذكية والراقية.

مع أن مدة الفيلم ساعتان وخمس دقائق، التي تعد طويلة إلى حد بالنسبة إلى فيلم كوميدي تدور أحداثه في فترة زمنية لا تتعدى الأشهر، إلا أن المخرج "جوناثان ليفاين" تمكّن من تقديم القصة بإيقاع خفيف وسريع لا يُشعرك بالملل مع أن الكثير من المشاهد صُورت في كوادر متشابهة: على متن الطائرة الخاصة لوزيرة الخارجية، ضمن الحفلات المخملية، وفي شقة "فريد". ومما ساعد على التناغم والرشاقة في العمل أيضاً هو التوظيف المدروس لمجموعة من الأغاني والمقطوعات الموسيقية الشهيرة. مثلاً، الرقصة التي تؤديها "شارلوت" مع رئيس الوزراء الكندي بكل تكلّف وبرود في المشاعر، تحوّلت إلى مشهد خلاب بسبب استخدام موسيقى "Por Una Cabeza" التي صاحبت أشهر رقصة في تاريخ السينما جمعت بين "آل باتشينو" و "غابرييل أنور" في فيلم "عطر امرأة".

هناك مقاربة أخرى بين "لونغ شوت" وعمل آخر، ليس من الناحية الإخراجية هذه المرة، بل في القصة التي كتبها "دان ستيرلينغ". حيث تذكّرنا العلاقة بين "شارلوت" و"فريد" بتلك التي جمعت بين السيدة الأولى "كلير أندروود" والكاتب "توم" الذي يوظّفه الرئيس الأميركي لتدوين سيرته الذاتية في المسلسل الشهير "هاوس أوف كاردز".

وعلى الرغم من أن "ثيرون" ذات الجمال الأخاذ والحضور الساحر والحائزة على جائزة الأوسكار وغولدن غلوب كأفضل ممثلة، بذلت جهداً كبيراً في أدائها للدور، وقالت إنها خضعت لتدريب اختصاصيين في لغة الجسد وقضت وقتاً طويلاً بصحبة كتّاب خطابات سياسية حقيقيين كي يكون أداؤها أقرب ما يمكن للواقع وأبعد ما يمكن عن أي شخصية سياسية معروفة، لكنها لم تنجُ من المقارنة مع "هيلاري كلينتون"، من الناحية الشكلية على الأقل بطريقة لباسها وتسريحة شعرها ووقوفها على المنابر، ولعل الأداء المتمكّن الذي قدمته سابقاً الممثلة "روبين رايت" في "هاوس أوف كاردز" بات مقياساً لا بد من الرجوع إليه عند مشاهدة الشخصيات السياسية النسائية القوية التي تقدمها الدراما أو السينما.

لربما يكون عدم وجود شخصية شبيهة بـ "فريد" سبق أن قُدِّمت بنجاح في عمل آخر، في صالح الممثل "سيث روغن" إذ يجنبه ذلك المقارنة، إلا أن عفويته واعتماده على الارتجال أثناء أداء بعض المشاهد، وعلى تقديم شخصية مستمدة من صحافيين حقيقيين أجروا لقاءات في السابق مع "روغن"، كما ذكر بنفسه في لقاء صحافي، أعطى صدقية واحترافية عالية للدور.

قد يجد البعض أن النكات والحس الفكاهي في لونغ شوت" خادش للحياء ويوافق الصورة النمطية عن الكوميديا الأميركية: لا تكون الطرفة مضحكة إن لم تكن مقرفة أو متعلقة بالجنس، لكن هناك الكثير من المواقف والحوارات المضحكة الأخرى في العمل البريئة من ذلك، فلو كان لديكم وقت فراغ وتريدون تمضيته في مشاهدة فيلم مسلٍ للترويح عن النفس مع الكثير من البوشار والمقرمشات، فهذا هو الفيلم المطلوب. والدليل على ذلك أن إقبال الجمهور على مشاهدة الفيلم جعله يحقق أرباحاً وصلت إلى 16 مليون دولار في الأسبوع الأول من عرضه.

مع أنني ذكرت في البداية أن الفيلم ليس عملاً سياسياً، لكنه يحتوي على رسائل سياسية هامة منها: السطحية لدى الناخبين الأميركيين الذين يهتمون بشكل المرشح وجاذبيته وخلفيته الاجتماعية وفضائحه أكثر من اهتمامهم بسياسته ووعوده. قدرة رجال الأعمال الفاسدين على الوصول إلى المكتب البيضاوي وقتما يشاؤون. التعصّب للعلمانية وحرية الرأي لا يختلفان عن التعصب لدين أو حزب سياسي ما. استعداد السياسيين للتنازل عن أي مبدأ من أجل الوصول إلى السلطة، وأخيراً وليس آخر أن أميركا لا تفاوض الإرهابيين علناً لكنها تنجح في ذلك تحت الطاولة!

ومثلما تمكن "فريد" بصراحته وإصراره من أن يصبح "السيد الأول"، نأمل في أن لا يكون وصول، أشخاص صادقين لا يتنازلون عن مبادئ تصبّ في مصلحة البشرية جمعاء إلى سدة الحكم في أقوى دولة في العالم، حلماً "بعيد المنال".

المزيد من فنون