لا يبدو حصول إسرائيل على عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي حدثاً جديداً، إذ إنها كانت تشغل هذا المقعد في منظمة الوحدة الأفريقية قبل تحولها إلى الاتحاد الأفريقي عام 2002، لكن حالت ظروف ودول من انتقال عضويتها مع الاتحاد الأفريقي إبان تأسيسه، بسبب ضغوط مارسها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بينما ظلت إسرائيل تطالب بها.
أما هذه العضوية فتجيء في ظل تسارع إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل حتى وصلت إلى نحو 46 دولة من جملة 55 دولة أفريقية، أبرزها علاقات دولتين عربيتين أفريقيتين هما السودان والمغرب التي تلتها زيارات واتفاقات متبادلة، وفي أفريقيا جنوب الصحراء أقامت دولة جنوب السودان فور استقلالها عام 2011 علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهناك دول مؤثرة مثل أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا وتشاد وغيرها، مما يعكس الأهمية التي تحظى بها أفريقيا لدى إسرائيل التي تُوجت بإعلان الاتحاد الأفريقي قبول إسرائيل كعضو مراقب بعد 19 عاماً من مطالبتها.
لماذا أفريقيا؟
لا يخرج اهتمام إسرائيل بأفريقيا من اهتمام دول أخرى، مثل روسيا والصين ترى فيها فرصاً للوصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق السريعة النمو وتشكيل تحالفات سياسية، فبعد انسحاب معظم الدول الأفريقية من علاقاتها مع إسرائيل إبان حرب الأيام الستة عام 1967 وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، استؤنفت العلاقات مرة أخرى خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي متأثرة باتفاقات أوسلو 1993، ثم ما لبثت أن أغلقت بعض البعثات الدبلوماسية خلال الانتفاضة الفلسطينية (2000 - 2005)، ثم تجددت العلاقات في ما بعد.
للجغرافيا كما للمركز الاستراتيجي الدولي من حيث موقع أفريقيا بالنسبة إلى العالم دور في تكوين الدول الإقليمية وفي علاقاتها مع الدول الأخرى المجاورة، ففي ضوء المؤثر الجغرافي يمكن النظر إلى تشكيل القوة في العلاقات الدولية، كما لدعائم الاقتصاد من موارد طبيعية وغيرها أهمية كبرى في تطوير علاقة دولية في حالتي السلم أو الحرب، وهناك عنصر آخر غير ملموس، وهو أن التفاعل بين الدول الأفريقية وإسرائيل ليس له حدود واضحة فاصلة كما كان بين إسرائيل والدول العربية.
نشأت تبعاً للتغييرات الدولية والإقليمية أزمة تتعلق بالدولة الإقليمية، أي الوحدة التقليدية في المجتمع الدولي، حيث لا تتحقق متطلبات الدولة المتزايدة من تنمية وأمن داخل حدودها فقط، وإسرائيل تهتم بشكل خاص بوجودها وأمنها، الذي تقع أفريقيا في مجاله الحيوي.
وانطلاقاً من ذلك، وبما أن الارتباطات الناشئة عن عضوية المنظمات الدولية أو الإقليمية أكثر استدامة من الأحلاف الثنائية بين الدول، عملت إسرائيل من جهة والدول الأفريقية من جهة أخرى في إطار الاتحاد الأفريقي من أجل نتائج إيجابية بالنزوع نحو استبدال الخلافات بالتعاون في مجالات تنموية وأمنية ومكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من أن الدول المشكلة لكتلة الاتحاد الأفريقي لا تمثل تهديداً لإسرائيل كونها دول ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً وغير مستقرة سياسياً، فإنها مهيأة لأن تلعب دوراً مؤثراً لوقوعها في نطاق الترتيبات الدولية للتكتلات الإقليمية، ومنها الاتحاد الأفريقي، وهو على الرغم من عدم فاعليته الحالية، فإنه سيكون هدفاً بتوظيفه ضمن مهمات حفظ السلام والأمن الدوليين.
التأثير الدولي
السبب في اتباع إسرائيل سياسة خارجية معينة تجاه الدول الأفريقية في هذا الوقت يعود إلى استخلاص دلالة مهمة تتبلور عنها الاتجاهات التي تسلكها العلاقات السياسية الدولية والدوافع التي تمليها قرارات إسرائيل، وإصرارها على الالتحاق بالاتحاد الأفريقي منذ تأسيسه عام 2002.
ومع ذلك فإن إسرائيل لا تحتاج حقيقة إلى استراتيجية تشمل كل دول القارة، بل استراتيجية إقليمية تستهدف دولاً معينة، وقد سبقت قوى دولية إسرائيل في اتباع هذا النهج، بدأته الصين مع بداية انفتاحها لإشباع حاجتها التنموية، واستهدفت الاستثمار النفطي والعمل في قطاع الإنشاءات والمقاولات، وأنشأت سوقاً أفريقية ضخمة للبيع بالتجزئة مستفيدة من الانسحاب الأميركي من التنقيب عن النفط، بسبب الانشغال بمناطق أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ستعتمد فعالية هذه العلاقات على ضمان الوجود الغربي إلى جانب إسرائيل، خصوصاً الولايات المتحدة، فما تتطلبه علاقات إسرائيل مع الدول الأفريقية هو المشاركة الأميركية التي استُنفرت لتعزيز الاستقرار والحكم الرشيد والانفتاح الاقتصادي في أفريقيا مع مواجهة النفوذ غير الليبرالي للقوى المنافسة، وستكون إسرائيل بالمقابل في خدمة الأولويات الأميركية طويلة المدى في أفريقيا، مثل مكافحة الإرهاب والوقوف في وجه قوى دولية منافسة هي روسيا والصين.
ويُعد عهد جو بايدن هو الأنسب لتكتيكات الاستجابة السياسية في ظل توقع استفادة أفريقيا من الاهتمام الأميركي بتعزيز الديمقراطية فيها، ورغبة إدارته في إجراء تغييرات محورية على صعيد السياسة الأميركية تجاه أفريقيا، وبما يسمح لانخراطها مع الشركاء الأفارقة، ومع ذلك يُستبعد إعادة بناء تحالفات جديدة كما كان إبان الحرب الباردة وذلك لعدم وجود فواصل واضحة بين دوافع وتأثيرات القوى الدولية على أفريقيا بعد زوال المحرك الأيديولوجي، وهذا يصب من ناحية في التغيير في مسار العلاقات الأميركية - الأفريقية بعد تراجعها في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وإن كان هناك سبب في تصحيح توغل الصين وروسيا في أفريقيا على حساب النفوذ الأميركي، فإن الاستراتيجية الأميركية تنظر أيضاً إلى استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة في بقعة تعد من مناطق نفوذها بعد الانسحاب من مناطق أخرى كلفتها سمعتها الدولية كقوة وحيدة ومسيطرة.
قراءات المواقف
لا يمكن التنبؤ في شأن ما يمكن أن تثيره مواقف إسرائيل إزاء بعض القرارات في الاتحاد الأفريقي، وقد تجابه وجود عدد كبير من المواقف وأنماط السلوك المُحتملة المبنية على الخلافات التاريخية والسياسية والصراعات المتجددة بين هذه الدول، أما الولايات المتحدة ففي إطار دعمها لإسرائيل فإنها ستظهر بعض مزايا القوة من واقع سطوتها التاريخية التي تتميز بها عن الصين وأي قوى دولية أخرى.
وبغض النظر عن التقدم الصيني في أفريقيا أو العودة عن حال التراجع الأميركي، فإن هناك توجساً من تصاعد القومية الإسرائيلية التي يمكن أن تدفع إسرائيل إلى خوض اختراقات أكبر من الحصول على عضوية الاتحاد الأفريقي.
واستفادت إسرائيل ابتداء من ربط القضية الفلسطينية في إحدى فتراتها بالإسلاميين، وخضوعها لقراءات متعددة للتفاعلات السياسية داخل الدول العربية - الأفريقية، وعقب تحول القضية إلى تنظيم سياسي يتبنى تصدير الثورة، ويسعى إلى إقامة تنظيم شامل تآلف مع الإسلاميين، الأمر الذي وصم القضية الفلسطينية في جزء منها بالمشروع الإسلاموي إبان تأثرها به، ومحاولة تحولها من قضية وطنية إلى مطلبية شعبية قومية.
ظل صبغ القضية الفلسطينية بموالاة الإسلاميين مستمراً في الذهنية الأفريقية، خصوصاً رحلات أعضاء المنظمة إلى مصر والسودان وشمال أفريقيا، وصحيح أيضاً أن ثمة أسباباً داخلية كثيرة أسهمت في أن تصبح المشكلة الفلسطينية بمثابة أزمة داخلية للتيارات السياسية لبعض الدول، خصوصاً في فترات تصاعد النزاع بما جرى تصنيفه كأحد أبعاد وتجليات مشروع التيارات الإسلامية، وكشفه حقيقة التقارب والتباعد العربي الأفريقي من القضية الفلسطينية من ناحية ومن إسرائيل من ناحية أخرى.
بدورها تعاملت إسرائيل مع الدول الأفريقية على أرضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، خصوصاً مع تأجج المخاوف من الحراك الإسلامي، وتنامي تيارات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية التي باتت المهدد الأكبر لاستقرار وأمن الدول الأفريقية بأنظمة حكمها عسكرية كانت أم مدنية.
ركائز استراتيجية
في ما يتعلق بتوازنات القوى، فإن إسرائيل تدرك اختلال ميزان القوى الأفريقية لمصلحتها، وبدا هذا الخلل واضحاً على الرغم من تباينات الحجم الجغرافي والتوزيع السكاني والموارد بينها وبين الدول الأفريقية، بالتعامل من منطلق القوة ومحاولات احتكارها.
ومن هذا المنطلق نجد أن إسرائيل تمتلك أوراقاً إقليمية ودولية كأدوات لإدارة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ويتضح مع الوقت أن الاستراتيجية الإسرائيلية بالغة التعقيد، فالركيزة الاستراتيجية الأولى لها مرسومة لمخاطبة أهداف محددة يخدمها الصبر على تحقيق الأهداف وإمكان تغييرها بمرونة إذا تطلب الأمر ذلك، كما أنها قادرة على المزج بين ما هو سياسي وعسكري واقتصادي في مجالات متعددة في الوقت ذاته، معتمدة على فتح آفاق التعاون بطرق متعددة ومتنوعة في أماكن كثيرة في الوقت نفسه، وهو ما فشلت في الاستفادة منه فلسطين التي تشغل مقعد العضو المراقب أيضاً في الاتحاد الأفريقي، فلم تحصل على سوى بيانات خجولة أصدرها الاتحاد الأفريقي في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
الركيزة الثانية لاستراتيجية إسرائيل لوجودها في الاتحاد الأفريقي هو شعورها بالتفوق، وهو تجاوز وعدم التركيز على إقامة علاقات مع الدول الأفريقية والعربية منها مبنية على ملف النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني للمهتمين به من الدول العربية - الأفريقية.
ومعلوم أن هذا الملف شكل عوامل التوتر التي وسمت نمط العلاقات بين الجانبين لكنها ظلت محدودة، فصيغت على إثرها استراتيجية لا تعاونية أو لا تكاملية عند البعض، ونقيضها عند البعض الآخر من دول الاتحاد الأفريقي.
أما الركيزة الثالثة فهي إمكان أن تتحول بوصلة إسرائيل إلى دعم الدول الأفريقية في قضايا الهجرة، ليس باتخاذ مواقف تتعارض مع الدول الأوروبية، وإنما بالمشاركة في محاربة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، خصوصاً أنها مثلت أحد معابر الهجرة إلى أوروبا.