Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بينالي البندقية يعيد إلى الواجهة الرسامة المكسيكية ليونورا كارينغتون

استوحى المهرجان عنوانه ومواضيعه التشكيلية من كتابها "حليب الأحلام"

لوحة للرسامة المكسيكية السوريالية ليونورا كارينغتون (صفحة الرسامة على فيسبوك)

"حليب الأحلام" هو العنوان الذي تم اختياره للدورة الـ 59 لبينالي البندقية الدولي للفنون المقرر افتتاحه في إبريل (نيسان) 2022. استلهم عنوان المعرض من كتاب يضم نصوصاً قصصية ورسوماً للروائية والفنانة السريالية المكسيكية ليونورا كارينغتون. الرسوم التي يضمها الكتاب كانت الفنانة قد رسمتها على جدران منزلها وعلى أوراق صغيرة. جُمعت هذه الرسوم لاحقاً في الكتاب الذي صدر في خمسينيات القرن الماضي تحت عنوان "حليب الأحلام" ويضم تسع قصص مثيرة وخيالية.

صدر لكارينغتون خلال حياتها عدد من المجموعات القصصية من بينها "بيت الخوف" و"السيدة البيضاوية" و"الباب الحجري" و"الحصان السابع"، ونال نشاطها الأدبي والفني شهرة واسعة في المكسيك وأميركا اللاتينية إلى جانب أنشطتها الداعمة لتحرر المرأة في بلدها. وتم تسليط الضوء أخيراً على تجربة كارينغتون عالمياً على أثر الكشف عن أعمالها ودورها في الحركة السريالية عبر مجموعة من المعارض والأنشطة والأبحاث التي صدرت خلال العقدين الأخيرين.

لم تكن كارينغتون مجرد كاتبة أو رسامة ذائعة الصيت وحسب، بل كانت واحدة من أبرز أعضاء المدرسة السريالية التي تألقت في ثلاثينيات القرن الماضي وارتبط اسمها بعدد من الأسماء اللامعة في هذه الحركة، لعل أبرزهم الألماني مارك أرنست الذي ارتبطت به أثناء وجودها في فرنسا. بعد فرار أرنست من ملاحقة الغستابو الألماني إلى الولايات المتحدة اضطرت كارينغتون إلى الانتقال سريعاً إلى إسبانيا حيث أصيبت بالذهان أثناء تلك الفترة المضطربة، وقضت سنوات نزيلة داخل مستشفى للأمراض العقلية هناك. رحلت كارينغتون في عام 2011 عن عمر يناهز الـ 94، وهي بهذا تُعد آخر من رحلوا من المشاركين في الحركة السريالية العالمية.

"حليب الاحلام"

امتلأت الرسوم التي وضعتها كارينغتون في كتابها "حليب الأحلام" بمخلوقات هجينة ومتحولة وأطفال بلا رؤوس وطيور محاصرة وآلات متوحشة، وهي عناصر مكررة في أعمالها التي تتسم بالغرابة والاستغراق في الخيال. في هذا الكتاب تصف كارينغتون عالماً سحرياً تتم خلاله إعادة تصور للحياة، ويمكن فيه للجميع التغير والتحول ليصبحوا شيئاً أو شخصاً آخر. العالم المُتخيل الذي جسدته الفنانة والكاتبة المكسيكية يبدو متحرراً ومليئاً بالإمكانات، لكنه في الوقت نفسه يعكس تصوراً رمزياً لديها لقرن فرض ضغوطاً كبيرة على الأفراد. تأثرت كارينغتون كغيرها بهذه الضغوط، إذ أُجبرت على التشرد والعيش في المنفى لسنوات من عمرها، خلافاً لتجربتها المريرة مع المرض النفسي. تمثل كارينغتون نموذجاً للتمرد والغموض والفتنة وتجاوز الأنماط الثابتة والمتماسكة، ومن أقوالها الشهيرة أن وجودها في الحياة كان نتاج لقاء والدتها بآلة، وهو الهاجس الذي ظل يتردد كثيراً في رسوماتها وقصصها حول الاتحاد بين الإنسان والحيوان والماكينة.

يستلهم العنوان الذي تم اختياره للدورة القادمة من بينالي البندقية بنية الإبداع لدى كارينغتون وشخصياتها الخيالية طارحاً عدداً من علامات الاستفهام حول تحولات الجسد ومفهوم البشرية. انبثقت فكرة المعرض كما يقول البيان الصادر عن إدارة بينالي البندقية للفنون من خلال العديد من المحادثات التي أجريت مع فنانين خلال الفترة الماضية، هذه الفترة العصيبة التي فرضت خلالها أسئلة ملحة حول اللحظة التاريخية التي نعيشها الآن، وما تثيره فينا من مخاوف وشكوك إزاء العديد من المسلمات والحقائق، خلافاً للهواجس المتعلقة بوجودنا واستمرارنا. على ضوء هذه اللقاءات والمحادثات التي أجريت مع فنانين من أنحاء العالم كافة برزت تساؤلات إضافية حول تغير مفهومنا للبشرية ومكونات الحياة، وما الذي يميز الحيوانات والنباتات والبشر وغير البشر، ومسؤوليتنا تجاه هذا الكوكب والأشخاص الآخرين والكائنات الحية المختلفة التي نعيش معها، وكيف ستبدو الحياة من دوننا؟ هي تساؤلات مُلحة تطرحها الدورة القادمة من بينالي البندقية للفنون، تتضمن الفكرة الرئيسة للمعرض كما تقول قيمة الدورة سيسيليا أليماني، ثلاثة مواضيع محددة، وهي تمثيل الأجسام وتحولاتها، والعلاقة بين الأفراد والتقنيات، وكذلك العلاقة بين الجسد والأرض.

بين التفاؤل والخوف

تذهب أليماني إلى أن الرغبة تتزايد اليوم لتحدي الرؤية الغربية الأحادية للإنسان، وبخاصة تلك التي ترسخ مفهوم الصورة النمطية والمثالية للرجل الأبيض كمركز للوجود ومقياس لكل الأشياء، لذا تدعو القيّمة المشاركين إلى "اقتراح تحالفات جديدة بين الأنواع، وخلق عوالم تسكنها كائنات مختلطة ومتعددة الأوجه لا تختلف عن كائنات كارينغتون غير العادية، ففي عالم تسيطر فيه التكنولوجيا تتغير حدود علاقتنا بالأشياء من حولنا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ترى أليماني أن العالم اليوم ينقسم على نحو لافت بين التفاؤل والخوف، بين من يرون أن البشر يمكن أن يتطوروا إلى ما لا نهاية من خلال العلم، وآخرون يتخوفون من الاستيلاء الكامل على مقدراتنا من قبل الآلات عن طريق الأتمتة والذكاء الاصطناعي: "لقد تفاقمت هذه الاختلافات بشكل كبير بسبب جائحة كورونا التي حاصرت البشر خلف الشاشات وأجبرتنا على مزيد من التباعد. في هذه الأشهر الصعبة التفتنا إلى هشاشة أجسادنا، ولكن في الوقت نفسه تحولنا إلى كائنات غير ملموسة أو متجسدة تقريباً من خلال التفاعل الرقمي".

إن ضغط التكنولوجيا وتفشي الوباء وتصاعد التوترات الاجتماعية، والتهديد الذي يلوح في الأفق بكارثة بيئية، يذكرنا كل يوم أننا كأجساد فانية لسنا بمأمن أو خارج السياق الطبيعي الذي نعيش فيه، بل نحن جزء من نظام بيئي تعتمد أطرافه بعضها على بعض، وهو الأمر الذي يربطنا كبشر بالأنواع الأخرى وبعالمنا ككل. يتطلع القائمون على بينالي البندقية في دورته القادمة إلى دفع المشاركين نحو محاولة اكتشاف سحر العالم، حيث تمتزج التقاليد الأصلية مع الأساطير الشخصية بالطريقة نفسها التي اختلطت بها في أعمال ليونورا كارينغتون.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة