Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشروع تطوير وسط مدينة دلهي لم توقفه ضربة كورونا

اسمه "سنترال فيستا" وكلفته مليارا جنيه استرليني ويتضمن سكنا فائق الفخامة لرئيس الوزراء ويصنفه بعض النقاد من الأخطاء في القرارات

نفايات متكومة أمام "بوابة الهند" في مدينة دلهي، مصدرها أعمال بناء مشروع "سنترال فيستا" (أ ف ب)

 تعتبر "بوابة الهند" إحدى أكثر المعالم شهرة داخل تلك الدولة في جنوب آسيا، إذ تمثل منذ عقود عدة تراث البلاد التاريخي، ومكاناً يقضي فيه سكان المنطقة أمسياتهم، فضلاً عن كونها بقعة شهدت بعض أضخم الاحتجاجات في تاريخ البلاد، وبذا، فقد باتت ترمز إلى أروقة السلطة.

 ومع ذلك، فقد تغير منظر المساحات الخضراء الممتدة على مسافة ثلاثة كم (1.864 ميل) من "بوابة الهند" في وسط دلهي، منذ بضعة أشهر مع وصول موجة "كوفيد" الثانية إلى العاصمة بعدما عاثت خراباً في البلاد. وهكذا، انتشرت في دلهي مشاهد حرق الجثث الجماعي المروعة والمستشفيات المنهكة، وقد بدت كأنها صور تنذر بنهاية العالم. وفجأة، امتلأت الأرض بالحفر وظهرت تلال الطين أمام الموقع، بينما نصبت الحواجز التي تحول دون دخول الراغبين في ارتياد المكان.

 ونظراً إلى إغلاق بقية أجزاء المدينة منذ أوائل أبريل (نيسان)، فقد أُعلن أن تلك الإنشاءات تشكل "خدمة أساسية"، فمنحت إذناً بالاستمرار، الأمر الذي جعل وسط دلهي الذي يعود السكان إليه الآن مع انخفاض عدد الإصابات بـ"كوفيد" مختلفاً للغاية عن ذاك الوسط الذي عرفوه أوائل العام الحالي.

 وتُعد الفوضى السائدة حالياً جزءاً من مشروع الحلم الذي تفتق عنه عقل "حزب بهارتيا جاناتا" ("بي جي بي") بزعامة ناريندرا مودي ودعاه "سنترال فيستا". ويشتمل المشروع على خطة تطوير كبيرة ستؤدي إلى تغيير جذري في منطقة "لوتينز" في دلهي، وسُمِّيَت باسم المعماري البريطاني، إدوين لوتينز، الذي صممها في عهد الاستعمار.

 ومن أركان المشروع الجديد مقر إقامة مهيب لرئيس الوزراء ينافس البيت الأبيض الأميركي، أو "سوري دايجين كانتي" في اليابان. ويتألف المسكن المزمع إنشاؤه من عشرة مبانٍ منفصلة، يضم كل منها أربعة طوابق، موزعة على رقعة تبلغ مساحتها 15 هكتاراً، وهو أيضاً واحد من المراحل المقرر إنجازها أولاً.

 وسيقع السكن الرئاسي قبالة المبنى الجديد الثلاثي الأضلاع للبرلمان، الذي صمم بحيث يفي بالحاجة في المستقبل ويستوعب نواباً قد يصلون إلى 1224 نائباً، ما يمثل ضعفي عددهم الحالي، علاوة على مكتب مستقل لكل منهم في المبنى نفسه. كذلك ستُنشأ أبنية جديدة تتبع وزارات مختلفة وهيئات حكومية شتى، وستتصل كلها بعضها مع بعض وتطبّق فيها ترتيبات أمنية فائقة، بحسب ما تبين الحكومة. وسيجري تحسين الطريق الممتد من مقر السكن الرئاسي الرسمي الحالي إلى "بوابة الهند"، عبر إعادة رسم معالم طريق "راج باث" الذي يبلغ طوله 3.2 كلم (1.988 ميل)، وقد حمل تسمية يسمى "كينغز واي" في عهد الاستعمار البريطاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وسيتوجب هدم نحو 458820 متراً مربعاً بهدف توفير المساحة اللازمة لتشييد مبنى "فيستا" الجديد، علماً أن الهدم سيطاول إحدى المناطق الحافلة بأبنية عدّة، من بينها عدد من المتاحف ومقار وزارات مختلفة. وسيكون من الضروري العثور على أماكن تستطيع احتضان عدد من الوثائق التاريخية والتحف الفنية، بينما ستؤول أبنية تاريخية تحتلها حالياً بعض الوزارات إلى أن تكون متاحف.

وقد أثار المشروع قدراً من الجدل منذ بدايته، غير أن ردود الفعل قد تنامت وبات صوتها مسموعاً في الأشهر القليلة الماضية أثناء معاناة الهند الموجة الأسوأ في تفشي "كوفيد" عالمياً. واستطراداً، يشير بعض النقاد إلى أن ميزانية المشروع التي تبلغ ملياري جنيه استرليني (2.74 مليار دولار) يجب أن تنفق على اللقاحات وتعزيز نظام الرعاية الصحية الذي يعاني نقصاً مؤسفاً في التمويل. وفي غضون ذلك، أثارت حقيقة أن أسوأ مراحل الموجة الثانية من الوباء لم تستطع أن تجمد المشروع ولو مؤقتاً، تساؤلات عن أولويات الحكومة.

 وفي ذلك الصدد، يرى شاشي ثارور، وهو مُعارِض جريء وكاتب ومن كبار نواب "حزب المؤتمر الهندي"، أن المشروع الجديد يشي "بتذوق للفخامة على طريقة موسوليني"، إضافة إلى أنه يحدد "مواصفات (الهند الجديدة) التي تصنعها خيالات الحكومة".

 ويضيف ثارور أن "تشييد مبنى جديد للبرلمان يُشكّل أمراً ما، لكنهم يعملون على إعادة تجديد كاملة في (سنترال فيستا)، عبر تشييد صفوف مرصوصة من المباني الحكومية المجهولة الهوية على جانبي طريق (راج باث). ولذا، تستمر تلك التعديلات الأساسية إلى حد كبير".

 ويردف، "لقد كان متوجّباً عليهم استبدال مبانٍ جديدة ببعض تلك المباني القديمة، بدلاً من أن يتمتعوا بتلك الرغبة في خلق شيء جديد".

 من زاوية مُقابِلَة، يرى ناريندرا تانيجا، وهو متحدث باسم حزب "بي جي بي" الذي يتزعمه مودي، أن التغييرات التي يجري تنفيذها ستوفر للبلاد أخيراً منطقة مركزية جديدة للتمشية، من شأنها "جعل الهنود فخورين".

 ويتابع المتحدث معتبراً أن "فكرة تشييد مبنى جديد للبرلمان يكون أكبر من مقره الحالي، قديمة للغاية، تعود إلى عشرين سنة إن لم يكن أكثر من ذلك". ويزيد، "كل من زار أبنيتنا المخصصة لوزارات أساسية كوزارة التجارة، والزراعة وحتى وزارة المالية، سيوافق على أن تلك الوزارات تحتاج إلى بنى تحتية أفضل، وحيز أكبر من المتاح لها حالياً. ويجري تحقيق ذلك الآن".

 في ذلك الصدد، تركّز انتقادات كثيرة ومفهومة موجهة إلى المشروع، على قرار بناء مقر إقامة جديد يخص رئيس الوزراء ناريندرا مودي. ويجادل حزب "بي جي بي" بأن مكان السكن والعمل الحالي قد جرى تخصيصه لرئيس الوزراء كإجراء مؤقت اتخذه بادئ الأمر راجيف غاندي في 1984.

 ويوضح تاتينجا أنه "جرى تصميم تين مورتي (مقر إقامة جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها) كي يكون مقر سكن رسمياً لرئيس الوزراء، ثم صار لاحقاً موقع نصب تذكاري لنهرو في ستينيات القرن العشرين". ويعرب المتحدث عن رأيه في أنه "سيكون الآن للهند مقر إقامة دائم لرئيس الوزراء، على غرار اليابان والديمقراطيات الأخرى".

 في المقابل، يلاحظ معلقون أيضاً أن المكان الذي يعيش فيه رئيس الوزراء حاضراً في "7 لوك كاليان مارغ" (واسمه السابق هو "7 ريس كورس رود")، يكاد يعتبر مسكناً مقيتاً بالمقارنة مع بيوت زعماء العالم، إذ شُيّد على رقعة أرض مساحتها 12 هكتاراً مع مروج مترامية، تُلتقط فيها الصور وأشرطة الفيديو لمودي بشكل منتظم أثناء أدائه تمريناته الصباحية أو تقديمه الطعام لأحد الطواويس. ويقع المقر على بعد ثماني دقائق بالسيارة عن مبنى البرلمان الحالي.

 وفي السياق نفسه، ينقل تي إن نينان، وهو كاتب وصحافي يتخذ من دلهي مقراً له، إلى "اندبندنت" أن "رئيس الوزراء يشغل سلسلة من الأبنية في شارع (لوك كاليان مارغ)، يستعمل أحدها مكتباً، ويتّخذ الثاني سكناً خاصاً له، ويخصص الثالث لضيوفه". ويضيف نينان أن "هنالك مبنى رابعاً يستخدمه الفريق المكلف أمن رئيس الوزراء".

 ويوضح نينان أن "من الصحيح القول بأنها لم تكن مصممة عند تشييدها خصيصاً لهذا الاستعمال الحالي". لكن، هل يكفي ذلك لتبرير بناء مجمع واسع يضم بيتاً جديداً لرئيس الوزراء؟ يعتقد نينان أن الجواب ينبغي أن يكون بالنفي.

 في تلك الأثناء، أدى قرار الإسراع في تنفيذ المشروع على الرغم من موجة "كوفيد" الثانية، والإصرار على إنهاء المرحلة الأولى منه مع حلول نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام، إلى إشعال فتيل المعارضة من جديد. إذ طلب 12 من أبرز قادة المعارضة في البلاد، في رسالة وجهوها في مايو (أيار) الماضي إلى مودي، "التوقف عن بناء (سنترال فيستا)، وإنفاق ذلك المال على الأكسجين واللقاحات". يُشار إلى أن سونيا غاندي رئيسة حزب "المؤتمر" كانت بين الموقعين على الرسالة، إضافة إلى ماماتا بانيرجي، رئيسة وزراء ولاية البنغال الغربية.

 وفي صورة عامة، تعتبر الهند إحدى أكبر الدول المنتجة للقاحات والمصدرة لها في العالم كله. غير أنها مع ذلك صارعت بوضوح هذه المرة في الحصول على ما يكفي من اللقاحات وتوزيعها على سكان البلاد خلال الأشهر الـ18 الماضية. وحتى الآن، أُعطيَ اللقاح الكامل (جرعتان) إلى ما لا يزيد إلا قليلاً على ستة في المئة من سكان الهند، الذين يبلغ عددهم 1.3 مليار نسمة، بحسب البيانات الصادرة أخيراً عن وزارة الصحة.

 وفي تطوّر متصل، أرسل 76 مثقفاً من أنحاء العالم، رسالة أخرى تحتوي انتقادات للمشروع. ويبرز بين الموقعين على تلك الرسالة، الكاتب التركي أورهان باموك، وغلين لوري، مدير "متحف نيويورك للفن الحديث". وقد انتقدوا ما سموه "المشروع الباهظ في خضم جائحة كورونا، ما يؤدي إلى تعريض حياة العمال للخطر، ويبدد الموارد التي يمكن استعمالها في حماية الأرواح".

 وأخيراً، صيغت رسالة مفتوحة ثالثة أيضاً، وقعها عدد كبير من موظفي الخدمة المدنية سابقاً في الهند، زعمت أن هناك تناقضات في الطريقة التي دُفع بها المشروع إلى الأمام، وكذلك عقدت مقارنة بين مودي و"نيرون الذي كان يعزف قيثارته بينما روما تحترق".

 وتساءل أصحاب تلك الرسالة عن المدى الذي بلغته عملية تقييم التراث التي أجريت للمباني التي يجري هدمها أو إعادة استخدامها. وادعوا أيضاً أن ثمة "خططاً في إعادة التطوير لم يُصر إلى التثبّت من صحتها عبر أي استشارة عامة أو مراجعة مِنْ قِبَل خبير". وتابع أولئك الكُتّاب أنفسهم، "بدلاً من ذلك، طُرِحَت مناقصة صيغت على عجل وبشكل غير مناسب، ومُرّرت في وقت قياسي بهدف اختيار شركة معمارية في إطار عملية عانت اختلالات جمَّة".

 وتذكيراً، لقد دأب حزب "بي جي بي" على رفض الانتقادات التي وُجهت في أوقات سابقة إلى المناقصة المذكورة آنفاً، وكذلك يصف تانيجا تلك الانتقادات بأنها "رواية كاذبة" مفادها أن مشروع "سنترال فيستا" استمر على حساب الجهود التي تُبذل في مكافحة "كوفيد". ويتابع، "تنفق إدارة بايدن حالياً تريليوني دولار (1.454 تريليون جنيه استرليني) على مشاريع بنى تحتية، على الرغم من الحرب المستمرة ضد كورونا". ويردف المتحدث باسم حزب "بهارتيا جاناتا" الحاكم، "لدينا في الهند مئات من مشاريع البنى التحتية الضخمة التي خُطّط تنفيذها قبل تفشي كوفيد. وليس (سنترال فيستا) سوى أحد تلك المشاريع".

© The Independent

المزيد من تقارير