Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يسعى أردوغان للتخلص من "لوزان" بحلول 2023؟

تحاول تركيا إنهاء الوضع الإقليمي الراهن الذي أسسته المعاهدة إلى حد كبير

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)

عندما تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام حشد من الساسة المحليين في أنقرة عام 2016 عن معاهدة لوزان، كان أول زعيم تركي ينتقد علانية المعاهدة الدولية التي تم بموجبها ترسيم الحدود الفاصلة للأراضي التركية عن اليونان، ومنذ ذلك الحين داوم على إطلاق التعليقات التي تشكك في عدالة هذه الحدود والمعاهدة ككل. 

في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 خلال زيارة هي الأولى لرئيس تركي إلى أثينا منذ 65 عاماً، قال أردوغان إن المعاهدة التي تم عقدها عام 1923، وحسمت حدود تركيا بعد الحرب العالمية الأولى لم يتم تطبيقها بشكل عادل. واتهم اليونان، وقتئذ، بعدم الالتزام بالمعاهدة في ما يتعلق بمعاملة الأقلية المسلمة قائلاً، "إن أثينا لم تسمح لهم باختيار مفتيهم الديني"، وشكا من أن بعض نقاط المعاهدة تحتاج إلى توضيح. وفي السابق، كان أردوغان أعلن أن لوزان لم تكن نصراً عظيماً، لأن تركيا اضطرت للتخلي عن بعض الجزر (اليونانية حالياً). 

لوزان 1923

بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918 وانهيار الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تتوسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرقي أوروبا خلال القرنين الـ15 والـ16، أبرمت الدول المنتصرة "فرنسا وبريطانيا وإيطاليا" مع ممثلي الدولة العثمانية المهزومة "معاهدة سيفر" للسلام في 19 أغسطس (آب) عام 1920، وبموجبها أرغمت تركيا على التخلي عن سلطتها على الأراضي العربية، وحصلت بعض القوميات على استقلالها مثل الأرمن الذين استطاعوا الاستقلال بدولتهم وخُصصت مناطق للأكراد، فيما حازت اليونان السيادة على عدد من جزر بحر إيجة وأصبحت سوريا (بما في ذلك لبنان) تحت الانتداب الفرنسي، وقبلت بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين وشرق الأردن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سرعان ما رفض النظام القومي التركي الجديد بزعامة مصطفى كمال أتاتورك هذه المعاهدة وخاض معركة ضد القوى الأوروبية، انتهت بمعاهدة سلام جديدة تم عقدها في مدينة لوزان بسويسرا في 24 يوليو (تموز) عام 1923، تتضمن شروطاً جديدة وترسم الحدود التركية التي نعرفها اليوم. وفي مقابل استعادة تركيا السيطرة على بعض المناطق، بما في ذلك بعض جزر بحر إيجة وشريط طويل على الحدود السورية ومنطقة المضائق الدولية (البوسفور والدردنيل)، التي بقيت خاضعة لاتفاقية دولية، تخلى أتاتورك عن جميع مطالبات بلاده على الأراضي السابقة خارج الحدود الجديدة وتعهد بضمان حقوق الأقليات. 

نجاحات أم انتهاكات؟

وبينما حلت ذكرى مرور 98 عاماً على توقيع معاهدة لوزان للسلام، مطلع الأسبوع الحالي، احتفى الرئيس التركي بالمعاهدة كنتيجة لانتصار الأمة التركية من أجل الاستقلال، وبعث برسالة ضمنية مفادها بأن تركيا لن تواصل القبول بما تم الاتفاق عليه قبل قرن تقريباً، قائلاً، وفقاً لوسائل إعلام تركية، إن "أنقرة ستواصل الدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي، من دون أي إذعان لتهديد وترهيب وابتزاز بعض الدوائر". وأضاف، "عازمون على دخول عام 2023 الذي سنُحيِي فيه مئوية جمهوريتنا كدولة قوية ومستقلة تنعم بالرفاه اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً".

واحتفي أردوغان بتدخلاته في الدول العربية وتجاوزاته ضد مياه تخضع لسيادة اليونان وقبرص في شرق المتوسط، باعتباره نجاحاً، قائلاً، "النجاحات الحاسمة التي حققناها في مختلف الساحات، بدءاً من سوريا وليبيا، مروراً بشرق البحر المتوسط ​​وصولاً إلى مكافحة الإرهاب، هي أوضح مؤشر على إرادتنا حماية حقوق بلادنا ومصالحها".

تحدي الوضع الراهن

على مدار السنوات القليلة الماضية، لفت أردوغان انتباه المراقبين الدوليين لأجندته التوسعية أو ما يوصف بـ"العثمانية الجديدة"، التي تقف وراء انتقاداته المتكررة لاتفاقية لوزان. وتقول مجلة "وورد بوليتيكس ريفيو"، "إن تركيا تتخذ الآن خطوة كبيرة لإنهاء الوضع الإقليمي الراهن الذي أسسته معاهدة لوزان إلى حد كبير، وبوتقة هذا التحدي هي مياه شرق البحر المتوسط". 

وكان إقدام الرئيس التركي على تحويل متحف آيا صوفيا، الذي بناه البيزنطيون ككاتدرائية في القرن السادس الميلادي إلى مسجد واحداً من الخطوات الرمزية في سبيل استعادة قوة بلاده، بحسب اعتقاده. إذ قال أردوغان في خطاب متلفز في 2 يوليو (تموز) 2020، "إن إعادة فتح آيا صوفيا يذكرنا بقوتنا، إنه رمز لقيامتنا وكسر الأغلال الموضوعة على أقدامنا. سنواصل المسيرة ولن نتوقف حتى نصل إلى وجهتنا".

بالنسبة للعديد من جيران تركيا والحلفاء الحاليين في أوروبا، فإن لهذه المساعي بالفعل عواقب خطيرة، ليس أقلها شحن النعرة القومية على الصعيد الداخلي، وإثارة المشكلات مع الجيران بشكل مستمر، لا سيما اليونان التي يصر على تحدي سيادتها على جزر بحر إيجة. فأمام تجمع لممثلي الأحياء التركية عام 2016، ذهب أردوغان للقول "حاول البعض جعلنا نحتسب لوزان كنصر. ونتيجة لوزان، تنازلنا عن الجزر القريبة جداً. ما زلنا نكافح بشأن ما سيكون عليه الجرف القاري، وما سيكون في الهواء وعلى الأرض". 

 

ووصف نائب حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي، مانوليس كيفالوغيانيس، تصريحات أردوغان بأنها "استفزازية" وتمثل تحدياً مباشراً للقانون الدولي وتؤدي بشكل فعال إلى زعزعة استقرار المنطقة ككل. وكتب النائب في خطاب تضمن أسئلة للمفوضية الأوروبية التي كانت تنظر في طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، بعنوان "مساع دؤوبة من أردوغان لمنازعة معاهدة لوزان"، قائلاً "أطلق الرئيس التركي تصريحات استفزازية على نحو متزايد، بلغت ذروتها في التدفق الوحدوي العثماني الجديد أخيراً". وأشار إلى تصريحات أخرى له قال فيها، "سنعمل على تحقيق شيء أفضل. ما زالوا يحاولون حبسنا في معاهدة لوزان. سنبذل قصارى جهدنا لتحقيق أهدافنا لعام 2023. نحن مصممون على قيادة تركيا إلى الأمام".

شرق المتوسط

عززت اكتشافات غاز شرق المتوسط، دوافع أردوغان للمطالبة بمزيد من السيادة على المناطق البحرية المقابلة لسواحل تركيا، التي تقع فيها جزر يونانية، فبموجب لوزان تم حصر الحدود البحرية لتركيا في 3 أميال فقط ومنحت معظم الجزر لليونان. وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982، تستحوذ الجزر على مناطق اقتصادية خالصة وجرفاً قارياً خاصاً بها مستقلاً عن البر الرئيس، مما يعني توسيع المياه اليونانية لتلتف حول الساحل الجنوبي لتركيا قبالة جزيرة كاستيلوريزو اليونانية. وفي تصريحات صحافية سابقة، قال الأستاذ في قسم العلاقات الدولية بجامعة إيجي في إزمير، ألتوغ جونال، "إن تركيا محاصرة في منطقة بحرية صغيرة جداً وغير عادلة".

وترتبط تلك المطالب أيضاً بوقوف تركيا وراء انقسام قبرص بين الثلث الشمالي من الجزيرة، الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك، والجنوب المعترف به دولياً كدولة قبرص وهو الذي يسيطر عليه القبارصة اليونانيون منذ الغزو التركي عام 1974. وعلى الرغم من المساعي الدولية لتوحيد الجزيرة طيلة نحو خمسة عقود، لكن التدخل التركي يحول دون ذلك. 

ويمكن القول، إن اكتشافات الغاز لعبت أيضاً دوراً بارزاً في ذلك، إذ يمثل الاحتلال التركي للشطر الشمالي من قبرص، ثغرة لمساعي أنقرة اقتناص حصة من غاز شرق المتوسط. ففي مايو (أيار) 2019، زعم الرئيس التركي أن سفن بلاده التي قامت بأعمال تنقيب "غير قانونية" عن الغاز في المياه القبرصية كانت تقوم بهذه الأعمال من أجل ما وصفه "حقوق أشقائهم في جمهورية قبرص التركية"، في إشارة إلى الشمال المُحتل.

ولطالما نددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بمحاولات أنقرة التنقيب عن الغاز في المياه الواقعة ضمن سيادة قبرص واليونان شرق المتوسط. ومثلما هي الحال للجزر اليونانية، تصر تركيا، التي امتنعت عن التوقع على الاتفاقية الأممية لقانون البحار، أن قبرص يحق لها الحصول على 12 ميلاً بحرياً من المنطقة الاقتصادية الخالصة فقط. وترى أن المياه الممتدة جنوباً من الجزيرة منطقة تركية، إلى أن تُصبح مصرية.

كما أن التدخل التركي في سوريا وليبيا، عبر جماعات المرتزقة المسلحة، وحتى في منطقة آسيا الوسطي، واعتبار أردوغان هذا التدخل المعادي لسيادة الدول "نجاحاً"، يعكس إصراره على العودة إلى ما قبل لوزان وبطبيعة الحال سيفر. 

صلاحية لوزان

في هذا الصدد، تروج وسائل إعلام تركية منذ سنوات إلى أن معاهدة لوزان ترتبط بصلاحية تنتهي بعد 100 عام من توقيعها، أي بحلول يوليو (تموز) 2023، وهو ما يعني استرداد تركيا الأراضي التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، على الرغم من أن الحديث ينحصر عن استعادة سيطرتها على حقوق النفط والغاز في البحر. لكن المراقبين والسياسيين يصفون الأمر بـ"البروباغندا السياسية"، نظراً لعدم وجود تاريخ صلاحية للاتفاقية. ففي تعليقات سابقة لـ"اندبندنت عربية" أوضح السفير المصري السابق لدى أنقرة عبد الرحمن صلاح الدين، أن اتفاقية لوزان ليست لها مدة صلاحية ولا يمكن تعديلها سوى بموافقة جميع الأطراف الموقعة عليها. 

ويقول الباحث السياسي التركي لدي جامعة توروك في فنلندا، عبدالله سنسر جوزوبينلي، على موقع "ريسيرش جيت"، المتخصص في الدراسات والأبحاث الأكاديمية، "إن الأمر لا يتعدى واحدة من الأساطير الممتعة ونظريات المؤامرة التي يطلقها الساسة الأتراك على المعاهدات التي تم توقيعها قديماً".

وفي مقال سابق بمجلة فورين بوليسي، أشار الزميل البارز لدى المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية، نيكولاس دانفورث، إلى أن معاهدة لوزان لم تتضمن بنداً سرياً يحدد صلاحيتها، وهو ما حاول السياسيون من حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم الترويج له قبل سنوات". مضيفاً، "أن الأمر يكشف عن جنون عظمة". 

المزيد من تقارير