Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة المعيشة ونقص المياه... القشة التي قصمت "صبر الإيرانيين"

طهران تلتف على العقوبات الدولية بتشديد الاجراءات الاقتصادية وسط تحكم الحرس الثوري بثروات البلاد

ضج الشعب الإيراني من تردي مستوى المعيشة في البلاد ونقص متطلبات الحياة الأساسية وهبوط العملة المحلية (رويترز)

نقص المياه في ظل ارتفاع درجات الحرارة، والتي أثارت احتجاجات السكان المحليين الغاضبين في محافظة "خوزستان" الإيرانية، وقادت إلى تظاهرات امتدت إلى الشوارع التجارية في العاصمة طهران، بحسب وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم يجد التلفزيون الرسمي الإيراني بداً من الاعتراف بوجودها على الرغم من وصفها بالمحدودة، كانت بمثابة "القشة التي قصمت صبر الإيرانيين".

فقد ضج الشعب الإيراني من تردي مستوى المعيشة في البلاد ونقص متطلبات الحياة الأساسية وهبوط العملة المحلية والأداء الضعيف للاقتصاد، في دولة لاتزال محكومة بالتيار المتشدد المسيطر الأول على الموارد الاقتصادية والمالية في إيران، والذي يخوض حروباً خارجية بالوكالة تنفق فيها مئات الملايين الدولارات، في وقت يفتقد فيه أبناء الشعب الإيراني أبسط مقومات الحياة الكريمة.

الممثل الخاص السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون إيران براين هوك، والذي استقال من منصبه في أغسطس (آب) 2020، تحدث عام 2019 عن ارتفاع الإنفاق العسكري الإيراني السنوي إلى ذروته (14 مليار دولار) منذ أن وقعت طهران الصفقة النووية مع مجموعة الـ (5+ 1) التي انسحبت منها واشنطن بقرار من الرئيس دونالد ترمب.

وفي الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد الإيراني بعد سنوات من العقوبات الأميركية، تصر طهران على أن واشنطن يجب أن تعلق تلك القيود قبل أن يتمكن الجانبان من العودة إلى المحادثات النووية، وعلى الرغم من أن كلا البلدين أبديا اهتماماً بالعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن لا الولايات المتحدة ولا إيران تريدان الاستسلام للآخر.

وكانت إيران وقعت الاتفاق النووي المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة "جي سي بي أو إيه" مع الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا في عام 2015، لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحب من الاتفاق عام 2018 وفرض عقوبات بموجب سياسة "الضغط الأقصى" لإجبار النظام الإيراني على العودة إلى المفاوضات.

وأوجعت العقوبات الأميركية الاقتصاد الإيراني الذي انكمش بنحو 4.99 في المئة في عام 2020، وانكمش باطراد منذ عام 2017، وبالمقارنة، كانت إيران حققت نمواً اقتصادياً كبيراً بنسبة 12.5 في المئة في عام 2016 بعد توقيع الاتفاق النووي، ومع ذلك فإن هذا التأجيل لم يدم طويلاً.

وقال الممثل الأميركي الخاص السابق لإيران خلال إدارة ترمب إليوت أبرامز، وهو الآن زميل أول لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية "سي إف آر" لـ "سي إن بي سي" في مارس (آذار)، "من المستحيل معرفة الأرقام بدقة لو لم تكن هناك عقوبات، لكنني أعتقد أنه من الواضح تماماً أن العقوبات كان لها تأثير في الاقتصاد الإيراني وموازنة الحكومة".

اتساع العجز المالي

وتنفق الحكومة الإيرانية أكثر من إمكاناتها، وشهدت عجزاً مالياً متزايداً في حين أن هذا ليس دائماً أمراً سيئاً، إلا أنه قد يحد من قدرة البلاد على تحسين النشاط الاقتصادي والتعافي من جائحة كورونا، وقال أبرامز إنه متأكد أن الموازنة الوطنية تحظى ببعض الاهتمام للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لأنه يريد أموالاً للحرس الثوري و"حزب الله" والميليشيات الشيعية في العراق، ونفقات أخرى مختلفة لديهم، لكنه أشار إلى أن الاهتمامات المعتادة لحكومة مدنية مثل الدخل القومي أو متوسط دخل الأسرة أو معدل التضخم أو معدل البطالة، قد لا تكون مهمة للزعماء الدينيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب أبرامز، قللت العقوبات الأميركية قدرة إيران على بيع النفط ومنعتها من إعادة الأموال من مبيعات الطاقة، مضيفاً أن "هناك مليارات الدولارات في بنوك في العراق والصين وكوريا الجنوبية، لا تستطيع إيران السيطرة عليها بسبب العقوبات".

الحرس الثوري المسيطر الأكبر على الاقتصاد

 من جانبه، قال مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي إن الحرس الثوري الإيراني هو المسيطر على القوة الاقتصادية في البلاد، حيث يضع يده على المصانع والموانئ، ولديه موانئ خاصة به ومطار أيضاً، كما تخضع مؤسسات مرتبطة بمشاريع البنية التحتية في البلاد لسيطرته، لذلك فهو المحتكر والمسيطر الأكبر على كل الموارد الاقتصادية في البلاد، ورأى قهوجي أن العقوبات الأميركية ساعدت الحرس الثوري الإيراني  في احتكار أسواق عدة ونمو ثرواته في وقت تزداد الأوضاع المعيشية لأبناء الشعب الإيراني سوءاً، ولا سيما الغلاء ومعدلات البطالة وانهيار العملة، وكلها مشكلات موجودة اليوم داخل إيران بسبب المنظومة السياسية الاقتصادية المهيمنة، والتي تقع تحت سيطرة الحرس الثوري وتسببت في تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، بحسب قهوجي الذي أضاف أن الحرس الثوري الإيراني يستغل أيضاً موارد الدولة في الحروب خارج إيران مما يزيد الضغوط والصعوبات على الشارع الإيراني.

تراجع تجارة إيران مع العالم

وعلى الرغم من تقديرات صندوق النقد الدولي بنمو الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة ثلاثة في عام 2021، فمن المتوقع أن تستمر صادرات النفط الإيرانية في الانخفاض خلال العام الحالي، وكانت الصادرات والواردات الإيرانية انخفضت بشكل حاد بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية، وإلى جانب النفط تم فرض عقوبات على المعادن الصناعية الإيرانية، وهي مصدر كبير لإيرادات صادرات البلاد.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن إيران سقطت في عجز تجاري بقيمة 3.45 مليار دولار في عام 2020، وكان لديها فائض تجاري قدره 6.11 مليار دولار في عام 2019 .

ارتفاع التضخم

وانخفضت العملة الإيرانية بشكل مطرد منذ أوائل عام 2018، لكن المحلل العالمي البارز في "ستراتفور" ماثيو باي قال إن الريال "استقر إلى حد ما"، وضعف العملة يجعل الواردات أكثر كلفة بالنسبة للسكان المحليين، ويعني ارتفاع التضخم أن كلفة المعيشة آخذة في الارتفاع، في وقت يعاني فيه الناس بالفعل من ضعف الاقتصاد وسوق العمل.

وفي تحرك لإنقاذ العملة الوطنية المتهالكة، أعلنت الحكومة الإيرانية في مايو (آيار) 2020 الموافقة على قرار حذف أربعة أصفار من عملتها، واستبدال الريال بـ "التومان" في التعاملات.

سوق عمل ضعيفة

ومن المقرر أن تزداد معدلات البطالة المرتفعة بشكل أكبر في ضوء الصعوبات الاقتصادية في إيران، وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن من المتوقع أن يكون ما يقدر بنحو 12.4 في المئة من السكان عاطلين من العمل بنهاية عام 2021.

عقوبات على مبيعات النفط

ومنذ أيام أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات أكثر صرامة على مبيعات النفط الإيراني إلى الصين، كوسيلة لتشجيع طهران على إبرام اتفاق نووي ورفع كُلف التخلي عن المفاوضات المتوقفة، ويعمل المفاوضون الأميركيون مع شركاء أوروبيين ودوليين آخرين في فيينا منذ أبريل (نيسان) لإحياء اتفاق 2015 الذي يحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات الواسعة.

ومع تعثر تلك المحادثات، تمر الولايات المتحدة بخيارات تهدف إلى حث إيران على مواصلة التفاوض أو معاقبة إيران إذا لم تفعل ذلك، وفقاً لمسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين على الأمر.

وقال المسؤولون للصحيفة نفسها إن إحدى الخطط التي تتم صياغتها ستخنق مبيعات النفط الخام الإيرانية المتضخمة إلى الصين، العميل الرئيس للبلاد، من خلال عقوبات جديدة تستهدف شبكات الشحن التي تساعد في تصدير ما يقدر بمليون برميل يومياً، وتحقيق إيرادات مهمة لإيران، وأضاف المسؤولون أن الخطوات الجديدة ستتم إذا فشلت المحادثات النووية، ولفتوا إلى أن الخطة ستشمل التطبيق الصارم للعقوبات الحالية التي تحظر بالفعل التعاملات مع صناعة النفط والشحن الإيرانية من خلال تعيينات جديدة أو إجراءات قانونية.

وفي الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قبطان ناقلة نفط إيرانية متجهة إلى سوريا، وحصلت على مصادرة شحنات الوقود التي كانت طهران ترسلها إلى فنزويلا، وقال أحد المسؤولين الأميركيين إنه "لم يتبق كثير للعقوبات في الاقتصاد الإيراني"، ومبيعات النفط الإيرانية للصين هي الجائزة.

وتابع المسؤولون أنه لم يتم اتخاذ قرار حول المضي قدماً، وهناك أخطار من أن تأتي هذه الجهود بنتائج عكسية، مما يدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي، مضيفين أنه يجري النظر أيضاً في خيارات أخرى.

وقال مسؤول ثان إن تلك تشمل حملة دبلوماسية لإقناع الصين والهند وغيرهما من المشترين الرئيسين للنفط الخام بخفض واردات السلع الأساسية والصفقات غير النفطية وتمويل الديون والتحويلات المالية.

 وكانت المفاوضات توقفت بعد أن قال الرئيس الإيراني المتشدد المنتخب إبراهيم رئيسي، إن طهران لن توافق على صفقة من دون رفع شامل للعقوبات الأميركية، وهو أمر قالت واشنطن إنها لن تفعله.

واستمرار تعنت النظام الإيراني في التخلي عن ترسانته النووية والباليستية والعودة لطاولة المفاوضات من دون شروط، لن يوجع سوى الشعب الإيراني الذي يواجه الحر والعطش، فضلاً عن جائحة كورونا التي حصدت حتى الآن أرواح أكثر من 88 ألف نسمة، في حين تجاوزت الإصابات بالفيروس بحسب آخر إحصاءات المنظمة أكثر من 3.5 مليون نسمة.