Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغيير النظام خيار غير مطروح في الصين

التركيز على سلوك بكين وليس على قيادتها

يقود الرئيس شي جين بينغ بلاده بطرق تثير أسئلة في واشنطن (رويترز)

تشكل العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، المشهدية الدرامية المركزية في السياسة العالمية اليوم. إذ تجسد العصر الحالي وتحدده، عبر خطوط التناحر بين القوى العظمى، والمنافسة الأيديولوجية، وانتشار التكنولوجيا المتقدمة، وإضعاف الهيمنة الأميركية. يبدو أن التعامل مع الصين يتجه إلى أن يصبح تحدياً يتزايد باستمرار بالنسبة إلى صانعي السياسة في الولايات المتحدة، وبأكثر مما كان عليه التنافس مع الاتحاد السوفياتي في الماضي. إذ لا تكتفي بكين بأنها أكثر اقتداراً مما كانت عليه موسكو في ذروة "الحرب الباردة"، بل إن الظلال الاقتصادية المتوسعة التي تُحدِثها الصين تجعلها منافساً أكثر صعوبة (من الاتحاد السوفياتي السابق). وقد أتاح اقتصاد عالمي منقسم بشكل حاد للولايات المتحدة أن تحتوي الاتحاد السوفياتي، لكن الصين حاضراً تمثل الشريك التجاري الأول لأكثر من 100 دولة، من بينها دول متعددة لها صلات وثيقة بالولايات المتحدة.

واستطراداً، لقد أثار ذلك المزيج المحير من المنافسة الشديدة والاعتماد المتبادل المتزايد، حواراً في الولايات المتحدة يبحث في كيفية التعامل مع الصين. واتخذ النقاش منعطفاً خطيراً في السنوات الأخيرة. وبداية من 2020، شرع وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو ونائب مستشار الأمن القومي مات بوتينغر، من بين آخرين، في التحدث عن ممارسة الضغط على "الحزب الشيوعي الصيني" بطرق فسرها كثيرون على أنها دعوات إلى تغيير النظام. وبتصريح لا يُنسى انتقد فيه "الاستبداد الجديد" في بكين، أعلن بومبيو أنه "إذا لم يتغير العالم الحر، فإن الصين الشيوعية ستغيرنا بالتأكيد". وكذلك حرص بوتينغر الذي ميز بين الشعب الصيني ونظامهم، على تحريض ذلك الشعب على "تحقيق حكومة تتمحور حول المواطن" بوصفها ترياقاً لـ"الحزب الشيوعي الصيني".

بالتالي، يجد ذلك الخطاب جذره في نوع من الفكر يؤكد أن خصائص النظام، وليس المصالح الوطنية أو موقع البلاد داخل النظام الدولي، تحدد سلوك الدولة. وفي سياق التعبير عن تلك الوجهة في التفكير، جادل زاك كوبر وهال براندز أخيراً في مجلة "فورين بوليسي" Foreign Policy، أنه نظراً إلى أن "العداء الصيني الأميركي الحاد سيستمر ما دامت الصين القوية خاضعة لـ"الحزب الشيوعي الصيني" ونظام حكمه"، فقد يحتاج صانعو السياسة الأميركيون إلى المساعدة في تحقيق "تغييرات طويلة الأمد في القوة الصينية أو في طريقة حكم الصين".

وعلى نحو مماثل، يتردد صدى مثل تلك الحجج بين مختلف الأطياف السياسية [تيارات الرأي السياسي] في الولايات المتحدة. إذ أبقى فريق الرئيس جو بايدن الأيديولوجيا في نواة استراتيجيته التي هي في طور التشكل [الناشئة والمتغيرة تدريجاً] تجاه الصين، مسلطاً الضوء على حملات بكين الصارمة في هونغ كونغ وشينجيانغ. وتوقفت إدارة بايدن عن السعي إلى تغيير النظام كهدف واضح، لكن وصف الرئيس بايدن عن "معركة بين منفعة الديمقراطيات... والأنظمة الأوتوقراطية" يعكس قبولاً لمقدار معين من النضال الأيديولوجي.

على الرغم من إمكانية أن تغدو المنافسة الأيديولوجية حتمية، لا يعتبر استهداف "الحزب الشيوعي الصيني" مجرد استراتيجية غير عملية إلى حد كبير فحسب، بل يشكل أيضاً استراتيجية خطيرة. الأرجح أن تفشل أي محاولة لتغيير النظام، بل ستفرض تكاليف طويلة الأجل على جهود الولايات المتحدة في تشكيل السلوك الصيني. إذ لن يدعم سوى قلة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، تقويض دولة الحزب الواحد الصينية، بل ربما سيكبحون الأداة الأكثر أهمية في ترسانة واشنطن الاستراتيجية. واستطراداً، فمن شأن ذلك النهج أن يعزل الولايات المتحدة، ويزيد حدة تنافسها العميق أساساً مع بكين. بدلاً من ذلك، يجب أن تركز واشنطن على تغيير السلوك الصيني، وليس "الحزب الشيوعي الصيني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العودة إلى المستقبل

يجادل المدافعون عن الاستراتيجية التي تدعو إلى تغيير النظام الصيني، بأن الاهتمام الملحوظ لدى "الحزب الشيوعي الصيني" بالتمسك بالسلطة، يحرك السياسات الداخلية القمعية للصين والحزم الدولي الذي تعتمده، بما في ذلك جهودها الهادفة إلى الإضرار بالمعايير والمؤسسات الليبرالية. وبحسب وجهة النظر تلك، يؤدي الطابع غير الليبرالي للحزب إلى جعله فاعلاً متجبراً ومفترساً على نحو فريد. وكذلك أوضح روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأميركي، تلك النقطة في مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز" سنة 2020، إذ أشار إلى أن "الأجندة الأيديولوجية للحزب الشيوعي الصيني تمتد إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، وتمثل تهديداً لفكرة الديمقراطية بحد ذاتها".

في المقابل، يتجاهل ذلك التحليل العوامل الإضافية التي تحفز السلوك الصيني. ومثلاً، حتى قبل وصول "الحزب الشيوعي الصيني" إلى السلطة في 1949، غالباً ما تصرفت الصين كقوة إمبريالية عدوانية، وأجبرت جيرانها على قبول هيمنتها الإقليمية، وكذلك سعت (لكنها فشلت في كثير من الأحيان) إلى إضفاء الطابع المؤسساتي على نظام يذعن إلى التفضيلات الصينية. إن توازن القوى بين الصين والحكومات المجاورة، وسياسات النخبة داخل الصين، وردود أفعال جيرانها على مطالب بكين، من بين عوامل أخرى، تفاعلت كلها بطرق معقدة في إنتاج سلوك حازم.

على الرغم من تحديث تلك الديناميات بفعل ظروف معاصرة، فإنها تبقى صالحة ومناسبة حاضراً. بالتالي، فإن أي استراتيجية تركز بشكل أساس على استهداف "الحزب الشيوعي الصيني" نفسه ستفشل في تغيير السلوك الصيني بشكل كبير. ومثلاً، حتى لو حاولت الولايات المتحدة تغيير شخصية دولة الحزب الواحد الصينية من خلال استهداف قادة الحزب الشيوعي الصيني بواسطة فرض عقوبات ودعم التحديات الداخلية للحكومة، فإن النجاح لن يكون مضموناً. إذ يُخطئ نهج كذلك في تشخيص مصادر الحزم الصيني، ومن شأنه أن يضع بكين وواشنطن في صراع خطير ومتصاعد.

الأرجح أن تفشل أي محاولة لتغيير النظام، بل ستفرض تكاليف طويلة الأجل على جهود الولايات المتحدة في تشكيل السلوك الصيني.

وعلى نحو مماثل، من المستبعد أن يحوز أي جهد هدفه إلحاق الضرر بالحزب الشيوعي الصيني من الخارج، أن يؤمن دعم الشعب الصيني، بل سيعزز الولاء للحزب بدلاً من ذلك، لا سيما على مستوى الطبقة الوسطى الكبيرة والمتنامية والطموحة. قد ينظر كثيرون في الصين إلى تلك الحملة وأمثالها باعتبارها محاولة ترمي إلى إعاقة نهوض البلاد الذي طال انتظاره، ويتذكرون التدخل الغربي الذي أبقى الصين ضعيفة ومنقسمة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكذلك فإن شبح إحياء الإمبريالية الأميركية في وقت بلغ فيه الشك الصيني بالولايات المتحدة أعلى مستوياته على الإطلاق، يمكن أن يزيد من شعبية الرئيس الصيني شي جين بينغ  ويدفعه إلى اتخاذ إجراءات أكثر طموحاً في الخارج، على حساب المصالح الأميركية والسلام الأوسع نطاقاً، والأمن في أنحاء آسيا.

وبطريقة موازية، ستقوض محاولات إطاحة "الحزب الشيوعي الصيني" التعاون الأميركي الصيني في القضايا التي تتطلب قدراً بسيطاً من الشراكة، من بينها الاستجابة للبرامج النووية في إيران وكوريا الشمالية ومعالجة التغيير المناخي. علاوة على ذلك، من شأن استراتيجية عدوانية (من قِبل أميركا)، أن تقلل قدرة واشنطن على التعامل مع القضايا الأشد إثارة للجدل في علاقتها مع بكين، بما في ذلك وضع تايوان.

وعلى الرغم من ذلك، يتجسد أهم سبب لتجنب التوجس من نظام الصين السيئ، في أن التركيز على ذلك الموضوع يهدد ميزة أساسية للولايات المتحدة التي تتمثل في شبكة واشنطن الواسعة من الشركاء والحلفاء. سيكون من المهم جداً بناء تحالفات دولية تقيد الإجراءات الصينية، والحفاظ على تلك التحالفات، ووضعها في خدمة أي محاولة ترمي إلى تغيير سلوك بكين. ويعد العمل المنسق بين حلفاء الولايات المتحدة وشركائها وأصدقائها أمراً بالغ الأهمية، كأن يكون ذلك مثلاً في مكافحة الممارسات الاقتصادية الاستغلالية للصين وردع العدوان العسكري المحتمل في جميع أنحاء آسيا. واستكمالاً، تواجه واشنطن واقعاً صعباً يتمثل في أن غالبية حلفاء الولايات المتحدة وشركائها غير مهتمين بتغيير النظام في بكين. ويفترض معظمهم أن ذلك أمر مستحيل، بينما يرى آخرون أنه يؤدي إلى نتائج عكسية. بدلاً من ذلك، يريد معظمهم الاستفادة من علاقاتهم الاقتصادية مع الصين، فيما يزداد اقتصادها نمواً وتنوعاً. وكذلك يودون الحد من سلوك بكين الحازم في الخارج، لكن ليس لديهم رغبة كبيرة في تقويض الحكومة الصينية في الداخل.

 بالتالي، ستواجه أي استراتيجية للولايات المتحدة تُركز على تغيير النظام، مشكلات خطيرة في ضم الشركاء إليها، بل يمكنها أن تلحق الضرر بجهود واشنطن الأوسع نطاقاً في تنظيم توازن فاعل للقوى في آسيا وحول العالم. وإذا غاب ذلك الهدف المركزي عن مرأى الولايات المتحدة، فستكون أقل قدرة في حل المشكلات الدولية وفرض تكاليف حقيقية على الصين.

العلاج السلوكي

ينبغي ألا تتجاهل الولايات المتحدة الإجراءات الشنيعة التي ينتهجها "الحزب الشيوعي الصيني" في الداخل والخارج. ويجب ألا يتظاهر المسؤولون الأميركيون بأنهم غير مبالين حيال الطابع المؤذي للحكومة الصينية. ومن الواضح أن المنافسة بين الدولتين حول أفكار الحكم، على الصعيدين المحلي والدولي، آخذة في الظهور. في المقابل، يجب أن تظل واشنطن مركزة على مواجهة السلوكيات التهديدية للنظام، بدلاً من شن حملة صليبية ضد "الحزب الشيوعي الصيني" بحد ذاته. وذلك يعني إعطاء الأولوية لإنشاء بيئة دولية تحقق التوازن بين خيارات الصين، وتعمل على تقييدها، وردعها، وصوغ سلوكها.

في ذلك المجال، تتطلب استراتيجية كتلك، رعاية دول لا تكون عرضة لضغط بكين في الأقل، بل أن تكون أحياناً مستعدة لصد الإكراه والضراوة الصينية. يتضمن ذلك تشكيل تحالفات بشأن قضايا مهمة على غرار نقل التكنولوجيا، وتعميق التكامل التجاري بين العواصم الصديقة، والتأكد من أن حلفاءً كأستراليا واليابان مستعدون وقادرون على مواجهة الأعمال العسكرية الصينية المحتملة في المحيطين الهندي والهادئ. وكذلك يمكن أن يستلزم الأمر أيضاً توضيح معايير صريحة بشأن السلوك الدولي المقبول، وإضفاء الشرعية عليها من خلال المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف، وإذا لزم الأمر، فرضها بالقوة العسكرية الأميركية. بالتالي، يوفر تقييد سلوك بكين بتلك الطريقة، بدلاً من استهداف النظام، أفضل أمل في تعزيز النظام الدولي المستند إلى القانون، الذي يحمي المصالح الحيوية للولايات المتحدة.

لا يتمثل ما يهم في مدى قدرة الولايات المتحدة على تغيير دوافع الصين، بل في قدرة واشنطن على تغيير تصرفات بكين وسلوكها.

وبطريقة مماثلة، فمن شأن اعتماد نهج عملي يهدف إلى تغيير سلوك الصين، أن يركز حتماً على منع بكين من تقويض المصالح الدبلوماسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية للولايات المتحدة. وبهدف تحقيق ذلك، تستطيع واشنطن أن تستهدف مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك الجهود الصينية في إساءة استخدام النظام التجاري الدولي، وسرقة التقنيات المتقدمة من الولايات المتحدة وحلفائها، وتخويف شركاء الولايات المتحدة، وإبراز النفوذ الصيني في الخارج، والترويج للنزعة التسلطية الاستبدادية في السوق المختلطة في بكين كبديل عن النظام الليبرالي. ومع ذلك، لا تستلزم معارضة تلك الأنشطة وجود علاقة مواجهة حصرية، وكذلك لا تعني أن المنافسة الثنائية ككل ستكون بالتأكيد من دون فائدة. في المقابل، تفترض تلك الاستراتيجية حتماً نوعاً من التعايش التنافسي بين بكين وواشنطن، حيث يتسابق الجانبان كلاهما باستمرار من أجل التميز والتأثير في جميع أنحاء العالم. قد تكون مثل تلك العلاقة دينامية ومضطربة في الوقت نفسه، لكن تلك النتيجة ستكون أفضل من الصراع الصريح الذي سيأتي كنتيجة حتمية من سياسة أميركية تهدف إلى زعزعة استقرار النظام الحاكم لمنافس نظير.

في النهاية، لا يتمثل ما يهم في مدى قدرة الولايات المتحدة على تغيير دوافع الصين، بل في قدرة واشنطن على تغيير تصرفات بكين وسلوكها. يمكن لمثل ذلك النهج أن يحقق تقدماً تكتيكياً فحسب، ومن غير المرجح أن يتغير ما يتسم به هذا النظام من عنف، أو الدوافع التحريفية [الرجعية] في "الحزب الشيوعي الصيني". وفي المقابل، إذا نجحت واشنطن في تغيير طريقة تفكير بكين في مصالحها وسبل سعيها إلى تحقيقها، تستطيع الولايات المتحدة حماية النظام الدولي الليبرالي الأوسع، وسيكون ذلك نصراً كافياً.

 

إيفان س. ميديروس، رئيس "جمعية عائلة بينر للدراسات الآسيوية" في "كلية الخدمة الخارجية" بـ "جامعة جورج تاون"، ومستشار متمرس في "مجموعة آسيا". وفي وقت سابق، عمل مديراً متقدماً في "مجموعة آسيا"، ومديراً لشؤون الصين في مجلس الأمن القومي بين عامي 2009 و2015.

آشلي ج. تيليس، رئيس "مؤسسة تاتا للشؤون الاستراتيجية" وزميل رفيع الشأن في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي".

مترجم من فورين أفيرز، يوليو (تموز) 2021

المزيد من تحلیل