Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكهنات بتسهيل مهمة ميقاتي مقابل الخشية من تعقيدات الفريق الرئاسي

الرئيس المكلف ورث عن الحريري ثوابت ويلتزم سقف رؤساء الحكومات السابقين 

أولى إشارات التعقيدات التي ستواجه ميقاتي إعلان باسيل بعد الاستشارات "عدم تسمية أحد لأن لدينا تجربة سابقة غير مشجعة وتطلعاتنا الإصلاحية معه غير مناسبة" (أ ف ب)

دخل لبنان الامتحان الثالث حول استعداد الطبقة السياسية، والفريق الممسك بالسلطة فيه، لإخراجه من القعر الذي بلغه مأزقه الاقتصادي المالي والسياسي، بتكليف ثالث شخصية من أجل تشكيل حكومة إنقاذ خلال عام، لوقف الانهيار الذي بلغ ذروة غير مسبوقة في الآونة الأخيرة بانعدام، أو شح خدمات أساسية على الصعد المعيشية والطبية والكهربائية. 

فتكليف الأكثرية النيابية الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي، بنتيجة الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 26 يوليو (تموز) بتأليف الحكومة العتيدة، جاء بعد أن تسبب التأزم السياسي والصراع على الأرجحية في السلطة إلى اعتذار رئيسين جرت تسميتهما من أكثرية البرلمان بعد استقالة الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب في 10 أغسطس (آب) على إثر انفجار مرفأ بيروت الكارثي في الرابع من أغسطس 2020. واستنفد هذا التأزم محاولة كل من السفير مصطفى أديب (جيء به من خارج النادي التقليدي) الذي اعتذر بعد 27 يوماً من تكليفه، بينما صمد زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري ثمانية أشهر وثلاثة أسابيع قبل أن يتنحى.

مهلة قصيرة للتأليف... وتكهنات بالتسهيل

وسبق تكليف ميقاتي وأعقبته تساؤلات في الوسط السياسي عما إذا كانت العراقيل التي صادفت سلفيه يمكن تذليلها لاختلاف ظروف تسميته أم أنها ستتكرر معه، وهو ما اختصره رئيس البرلمان نبيه بري بالقول، إن "العبرة في التأليف"، في وقت آل فيه الرئيس المكلف على نفسه أن تستغرق محاولته "مدة قصيرة"، كما قال مصدر مقرب منه لـ"اندبندنت عربية"، رافضاً إلزام نفسه بما تردد عن أنها قد تنتهي قبل الرابع من أغسطس، أو بعد 15 يوماً أو شهر، يعتذر بعدها عن مواصلة المحاولة، ليلتحق بالسفير أديب والحريري.

ويقابل هذه الهواجس تكهنات بأن الفريق الرئاسي لن يتشدد مع ميقاتي كما فعل مع الحريري، تجنباً لإلصاق تهمة التعطيل به من قبل المجتمع الدولي الذي كان يتهيأ لفرض عقوبات ضد من يعتبرهم المتسببين بالفراغ الحكومي، إذا فشلت المحاولة الثالثة، وتفترض هذه التكهنات أن ما رفضه الرئيس عون للحريري سيتساهل في شأنه مع ميقاتي.

استنزاف رئيسين واحتياطي العملات الأجنبية

وتخلى أديب والحريري عن تشكيل الحكومة على الرغم من تلقي كليهما دعماً دولياً ومن بعض الدول العربية من أجل تولي المهمة، على أساس خريطة طريق إصلاحية أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأول من سبتمبر (أيلول) خلال زيارته الثانية إلى لبنان، وتبنتها القوى السياسية الرئيسة، ويتوقف تخصيص مساعدة مالية دولية على تنفيذ بنودها. وأدى الفراغ الحكومي إلى تفاقم الأزمة المالية الاقتصادية التي انفجرت صيف 2019، وانطلقت معها ثورة شعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، لتكشف عن إفلاس المصارف اللبنانية ومصرف لبنان وخزانة الدولة، جراء الاستدانة المفرطة من قبل الحكومات المتعاقبة، وتبديد أموال المودعين في القطاع المصرفي على المحاصصة والفساد والإفساد والهدر والتوظيفات الزبائنية وتضخم القطاع العام، ما أفرغ البلد من العملات الأحنبية، ورفع سعر صرف الدولار الأميركي 15 ضعفاً.

وفضلاً عن أن الفراغ استنزف ما تبقى من احتياطي المصارف لدى البنك المركزي، زادت الحماية السياسية لتهريب المواد الضرورية المدعومة من لبنان إلى سوريا، من تناقص هذا الاحتياطي حتى بلغ ما يسمى "الاحتياطي الإلزامي" (زهاء 16 مليار دولار) لودائع المصارف في المصرف المركزي، والذي يحول القانون دون التصرف به، فجرى المس بجزء منه من أجل تمويل هذا الاستيراد.

ميقاتي والضمانات الخارجية

وبعد خلاف حاد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره ووريثه رئيس "التيار الوطني الحر"، النائب جبران باسيل، وبين الحريري على موازين التركيبة الحكومية، حاز ميقاتي أكثرية 72 نائباً من أصل 118 هم أعضاء البرلمان (بعد استقالة 10 نواب قبل سنة)، وأقرّ بصعوبة المهمة لأنه "وحدي لا أملك عصا سحرية ولا أستطيع أن أصنع العجائب". وقال، "أخذت بعد الاتكال على الله قرار الإقدام، وأن أحاول وقف تمدد هذا الحريق. أما إخماد الحريق فيقتضي تعاوننا جميعاً. الخطوة صعبة، ولكنني مطمئن، ومنذ فترة وأنا أدرس الموضوع، ولو لم تكن لديّ الضمانات الخارجية المطلوبة، وقناعة بأنه حان الوقت ليكون أحد في طليعة العاملين على الحد من النار، لما كنت أقدمت على ذلك".

وأضاء ميقاتي على التعقيدات التي قد يواجهها بقوله، إن "المهمة صعبة، لكنها تنجح إذا تضافرت جهودنا جميعاً وشبّكنا أيدينا معاً، بعيداً عن المناكفات والمهاترات والاتهامات"، مشيراً بذلك إلى ما صادف مهمة الحريري من خلافات مع عون وباسيل. فأشهر تكليفه الطويلة حفلت بحملات الاشتباك السياسي المتبادلة العلنية معهما جراء الخلاف على تركيبة تشكيلتين حكوميتين عرضهما على عون فرفض توقيعهما، لأن الدستور ينص على أن يشكل رئيس الحكومة التركيبة "بالاتفاق" مع رئيس الجمهورية، ليوقعا معاً مرسوم إصدارها، وتكليف زعيم "المستقبل" كان جرى خلافاً لإرادة عون، بعد أن أعلن الأول سقوط التسوية التي جاءت بعون للرئاسة الأولى عام 2016.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعقيدات الفريق الرئاسي

أولى إشارات التعقيدات التي ستواجه ميقاتي إعلان باسيل بعد الاستشارات "عدم تسمية أحد لأن لدينا تجربة سابقة غير مشجعة وتطلعاتنا الإصلاحية معه غير مناسبة"، على الرغم من أن عون كان قد أبدى استعداده من أجل التعاون مع ميقاتي لأنه "يتقن تدوير الزوايا". وعدم تسمية تكتل باسيل النيابي ميقاتي رأت فيه أوساط معارضة لتوجهات الفريق الرئاسي بداية ضغوط على الرئيس المكلف كي يقبل بشروط هذا الفريق في تشكيل الحكومة. وسبق هذا الموقف حملة على لسان بعض نواب "تكتل لبنان القوي" الذي يضم نواب "التيار الحر" وحلفاءه ضد ميقاتي تتهمه بالإثراء غير المشروع وفق ملف قضائي بأنه على الرغم من ثرائه حصل على قروض بمئات ملايين الدولارات من مصرف الإسكان، عبر أحد المصارف الذي يملك أسهماً فيه، في وقت أظهرت فيه إحدى مؤسساته أن هذه القروض هي لتعاونيات إسكانية استفاد منها مواطنون متواضعو الحال لتأمين شراء مساكن لعائلاتهم. كما رافقت هذه الحملة تسريبات بأن تكتل باسيل سيسمي السفير السابق في الأمم المتحدة والقاضي في محكمة العدل الدولية، نواف سلام، الذي كان قد رشحه محتجو 17 أكتوبر، ويحظى بقبول شعبي مقابل النقمة على رموز الطبقة السياسية ورؤساء الحكومات التقليديين، نظراً لتمتعه بالسمعة الطيبة والنزاهة الاحترام في الخارج والداخل، لكن سرعان ما تبين أن تكتل باسيل لوح بتسمية سلام كوسيلة ضغط على ميقاتي، ما حدا بنواف سلام إلى رفض استخدامه مطية من أجل أهداف تتعلق بالصراعات بين مكونات الطبقة السياسية الحاكمة، ولتصفية حسابات ضيقة.

ولا يستبعد عديد من الأوساط أن يكرر باسيل مطالبه التي تحرج ميقاتي، وربما تخرجه، نظراً إلى الرغبة الجامحة للفريق الرئاسي في السيطرة على الحكومة، نظراً إلى أنها ستتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية إزاء احتمال حصول فراغ رئاسي في المرحلة المقبلة، من جهة، ولأنها ستشرف على الانتخابات النيابية من جهة ثانية، والنفوذ في المواقع الحكومية لطالما ساعد الأفرقاء التقليديين على اكتساب الأصوات الانتخابية.

رفض الثلث المعطل وحصر التمثيل المسيحي بعون

ميقاتي ورث من الحريري موقفاً ثابتاً سبق أن أيّده فيه عبر البيانات التي كانت تصدر عن نادي رؤساء الحكومات السابقين، الذي ضمه إلى زعيم "المستقبل" والرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، والذين كانوا يواكبون عن قرب مع الحريري العقبات التي صادفت الأخير في التأليف، ويساندون موقفه برفض مطالب عون وباسيل التوزيرية. وتقوم هذه الثوابت على الآتي: رفض منح الفريق الرئاسي حصة الثلث زائداً واحداً في عدد الوزراء الذين يحق له تسميتهم، لأنه يمنح فريقه القدرة على تعطيل أعمال مجلس الوزراء الذي يحتاج التئامه وبعض قراراته إلى أكثرية الثلثين، وأن تتشكل الحكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين، ورفض حصر الحق بتسمية الوزراء المسيحيين برئيس الجمهورية المسيحي، لأنه يقود بطريقة مواربة إلى منح فريقه الثلث المعطل في الحكومة، وعدم التسليم للفريق الرئاسي بالحصول على حقائب الطاقة التي تسلمها على مدى السنوات العشر الماضية من دون حل لمشكلة الكهرباء، وكذلك العدل التي يمكن أن يؤثر من خلالها على القضاء، والداخلية التي ستشرف على الانتخابات النيابية ربيع 2022.

فمعارضو العهد الرئاسي يتهمون رجالاته باستغلال نفوذه على بعض القضاء من أجل فتح ملفات قانونية يعتبرونها "كيدية" في حق من يخالف تطلعاته، وهؤلاء ينسبون إليه رغبته بإجراء تبديلات في قادة بعض الأجهزة الأمنية والإدارية في وزارة الداخلية في سياق استهداف خصومه، كما أن من شروط المجتمع الدولي عدم تولي الفريق الذي سيطر على وزارة الطاقة، التي تحوم الشبهات حول الصفقات التي شهدتها في قطاع الكهرباء والمحروقات، وهي ثوابت أيّد الرئيس بري الذي كانت له مبادرة لإنهاء الانسداد الحكومي، موقف الحريري في شأنها.

مبادئ لرؤساء الحكومات السابقين

في كل الأحوال حرص ميقاتي على أن يأتي تكليفه بغطاء من رؤساء الحكومات السابقين الذين اجتمع بهم عشية الاستشارات ورشحوه في بيان حدد ست قواعد، إضافة إلى تركيزهم على أن تكون الحكومة من الاختصاصيين "بعيداً عن تسلط القوى والأحزاب السياسية"، ومن دون ثلث معطل لأي فريق، وتُختصر القواعد الست بوجوب التزام الآتي: اتفاق الطائف الذي طالما اتهم رؤساء الحكومات عون بخرقه وبالخروج عن الدستور، وممارسة الدولة سلطتها على كامل أراضيها (في إشارة إلى معارضة مراعاة الفريق الرئاسي لتركات "حزب الله" المسلحة عبر الحدود)، واحترام الشرعيتين العربية والدولية ولعلاقات لبنان الوثيقة مع أشقائه العرب وأصدقائه، والتطبيق العملي للمادة 95 من الدستور بكامل مندرجاتها، والتي تنص على إلغاء التمثيل الطائفي في الوظائف دون الفئة الأولى والتمهيد لإلغاء الطائفية السياسية، واستقلالية القضاء، والبدء بتطبيق الإصلاحات وبحوار وتعاون جدِّي مع صندوق النقد الدولي وسائر المؤسسات الدولية، وهي مبادئ تضع سقفاً سيصر عليه الرئيس المكلف تأليف الحكومة.

عوامل تساعد ميقاتي

وفي وقت شكّلت فيه هذه المبادئ خريطة طريق لميقاتي، فإن الوسط السياسي اللبناني يشير إلى عوامل ومعطيات قد تعينه على تجاوز عقبات التأليف التي واجهت أديب والحريري، وتدفع الفريق الرئاسي إلى تسهيل مهمته، ومنها أولاً أنه حصل على أصوات كتلة نواب "حزب الله" (13 نائباً) خلافاً لسلفيه، وفيما يرى بعض المشككين بموقف الحزب الذي يركزون على دوره في التلطي خلف حليفه عون - باسيل في تأخير تأليف الحكومة لإبقائها ورقة تفاوضية ربطاً بالمفاوضات الإيرانية - الأميركية، فإن الأوساط التي تنظر إلى إيجابية هذا الموقف ترى أن الحزب لا يريد تحمل وزر فشل الرئيس المكلف الثالث أمام الجمهور اللبناني الواسع، نظراً إلى ما يسببه من تدهور جديد، لا سيما أن البلد مقبل على انتخابات نيابية يفترض أن تشرف عليها حكومة ميقاتي.

أما العامل الثاني فهو أن ميقاتي استبق تكليفه، وطوال فترة وجوده خارج البلاد بالتواصل مع مؤسسات مالية دولية معنية بإقراض لبنان بشروط مالية ميسرة تعيد تحريك العجلة الاقتصادية بعد أن يتم وقف الانهيار لمجرد بدء حكومته ببعض الإصلاحات البديهية، وشملت اتصالاته تحضيرات لمشاريع تتعلق بتأهيل قطاعات منها الكهرباء وفق مشاريع سبق لشركات أجنبية أن درستها.

والعامل الثالث دولياً هو اعتماده على دعم فرنسي، لأن باريس كانت قد حبّذت توليه المهمة منذ البداية، فبقي على تواصل بعيد من الأضواء معها طوال الأشهر الماضية، في وقت تولت فيه صلاته العربية دعم خياره في واشنطن، وتفيد معلومات مصادر سياسية واسعة الاطلاع "اندبندنت عربية"، بأن العاهل الأردني عبدالله الثاني طرح الوضع اللبناني مع الرئيس الأميركي جو بايدن حين التقاه في 20 يوليو، وتناول مسألة تولي ميقاتي رئاسة حكومة إنقاذية، وأن الإدارة الأميركية ستحض حلفاءها والهيئات المانحة على دعم لبنان.

المزيد من تقارير