Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يخفي هجوم الحشد الشعبي على ممثلة البعثة الأممية في بغداد؟

الانسحابات المتكررة لقوى سياسية وتيارات شعبية أسهمت في تغيير بوصلة الأمم المتحدة إزاء الانتخابات

اعتبر الحشد الشعبي أن ممثلة الأمم المتحدة في العراق باتت "ورقة في الملعب السياسي" (أ ف ب)

ما زال ملف الانتخابات المبكرة في العراق واحتمالية تأجيلها يشغل الرأي العام العراقي والأوساط السياسية على حد سواء، إذ أثارت تصريحات ممثلة البعثة الأممية في بغداد، جنين هينيس بلاسخارت، بخصوص الانتخابات العراقية هجمة من التيارات السياسية المرتبطة بإيران، خصوصاً عندما تحدثت عن الملف الأمني الذي تتهم الجماعات الموالية لإيران بتقويضه.

وتتصاعد التساؤلات بشأن خيارات المرحلة المقبلة في العراق، وإذا ما كانت ستجرى الانتخابات في موعدها المقرر في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أو أن خيارات أخرى قد تظهر في الفترة المقبلة من بينها تشكيل حكومة طوارئ.

أوضاع أمنية مهزوزة

ولعل ما أشعل أجواء الهجوم على ممثلة البعثة الأممية في بغداد هو تعليقاتها، التي جاءت رداً على سؤال بخصوص تصريحات السفير البريطاني السابق في العراق، التي قال فيها إن الأوضاع في العراق غير ملائمة لإجراء الانتخابات، وقالت بلاسخارت "أنا على معرفة قريبة مع ستيفن، وقد سألته عن ملاحظاته وآرائه تلك. كانت ملاحظاته مخيفة جداً، والأوضاع الأمنية في العراق مهزوزة جداً".

وأشارت في مقابلة مُتلفزَة إلى أن السفير السابق قد قال لها إنه "لم يقصد تأجيل الانتخابات بسبب الأوضاع الأمنية، وإنما أراد تأكيد إجراء انتخابات نزيهة، وأنا أتفق معه في ذلك، فالأوضاع الأمنية في العراق مهزوزة بالفعل، وإذا نظرنا إلى الانتخابات السابقة، نرى أن عدم استقرار الأوضاع الأمنية العراقية ليس بأمر جديد". 

وتابعت، "لا يمكنني التنبؤ بأنه سيحدث تزوير أم لا. جهودنا تنصبّ على منع التزوير والتأكد من أن تتمتع الانتخابات بأقصى قدر ممكن من الصدقية". 

وتطرقت بلاسخارت إلى الفصائل المسلحة، بالقول إن "ما نشهده في العراق هو وجود فصائل مسلحة تنشط خارج سيطرة الحكومة وسلطتها، ولها أذرع في خارج أجهزة الدولة وداخلها، لهذا لو عدنا للحديث عما يجري، فإننا نتحدث عن فصائل مسلحة تنشط خارج إطار سلطة الدولة".

هجوم من الحشد الشعبي

وعلى خلفية تلك التصريحات، شنت شخصيات سياسية على صلة بكتلة "الفتح" الممثل الأكبر للفصائل الموالية لإيران في البرلمان العراقي هجوماً حاداً على بلاسخارت. وتركزت الهجمة على أن الأخيرة باتت تلعب في الأروقة السياسية وتحولت إلى طرف في الصراع السياسي ولم تعد حيادية.

واعتبر رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، فالح الفياض، أن ممثلة الأمم المتحدة في العراق باتت "ورقة في الملعب السياسي".

وكتب الفياض، في تغريدة على "تويتر"، "نرى أن ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة بلاسخارت تجاوزت الدور المهني، وأصبحت ورقة في الملعب السياسي العراقي".

وأضاف "السيد الأمين العام للأمم المتحدة نحن بحاجة إلى دوركم الأممي المهني في دعم العراق"، خاتماً تغريدته بعبارة "نعم لسيادة العراق".

ولم يتناول رئيس هيئة الحشد سبب هجومه على ممثلة البعثة، إلا أن منصات على صلة بالحشد الشعبي كشفت عن أن هجوم الفياض يأتي على خلفية تصريحاتها الأخيرة.

ولا تخفي التيارات الموالية لإيران منذ مدة انزعاجها من إصدار الأمم المتحدة قراراً بالمشاركة في مراقبة الانتخابات في أكتوبر المقبل.

ولم تتوقف الهجمة على بلاسخارت عند هذا الحد، فقد كتب السياسي العراقي عزت الشابندر تغريدة على "تويتر" وجهها إلى وزير خارجية العراق، قال فيها "نحيطكم عِلماً بأن ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جنين بلاسخارت قد تجاوزت صلاحياتها كثيراً، وهي تتدخل سراً وعلناً بالشأن الداخلي العراقي".

‏وتابع الشابندر، "نرجو من معاليك تحمُّل مسؤولياتك المهنية والوطنية في وضع حد لهذا الاختراق".

في المقابل، ردت ممثلة البعثة الأممية على تلك التصريحات، فكتبت في تغريدة على "تويتر"، "تغلبت المعلومات المضللة على الواقع، فقد نواجه بسرعة تصورات خطيرة وزائفة ولكنها مقبولة".

أضافت أنه "بناءً على طلب العراق، فإن الأمم المتحدة تشارك بشكل كامل في مساعدة السلطات في تنظيم انتخابات تتسم بالصدقية والشفافية في أكتوبر".

ارتفاع سخونة ملف تأجيل الانتخابات

ويعطي الهجوم على ممثلة البعثة الأممية انطباعاً بأن الحديث عن تأجيل الانتخابات ارتفعت سخونته في الآونة الأخيرة، فبعد أن أعلنت غالبية التيارات المنبثقة من الانتفاضة العراقية مقاطعتها الانتخابات المبكرة، انضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الشيوعي العراقي إلى الخط، ما يزيد من احتمال تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر في أكتوبر المقبل، بحسب مراقبين.

وعلى الرغم من أن تصريحات بلاسخارت كانت تؤكد أن الأمم المتحدة ستراقب الانتخابات المقبلة، يرى مراقبون أن تصريحاتها الأخيرة ربما تمثل محاولة تمهيد للإشارة الصريحة إلى ضرورة تأجيل الانتخابات المقبلة.

وتواجه البعثة الأممية في بغداد منذ أشهر حزمة واسعة من الاتهامات من قبل متظاهرين وناشطين، قالوا إنها تهادن الأطراف السياسية على حسابهم، لكنها باتت تواجه اتهامات سياسية من الأطراف الموالية لإيران تتحدث عن أنها باتت طرفاً في الصراع السياسي، وأنها ربما تكون قد خاضت تفاهمات مع أطراف سياسية لا تسير مع أجواء الأطراف الموالية لإيران.

في السياق، يرى الكاتب، أحمد الشريفي، أن المعطيات في الساحة العراقية "تشير إلى عدم إجراء الانتخابات المبكرة في أكتوبر المقبل، لعدم توفر القناعة لدى الرأي العام العراقي أو المجتمع الدولي من أنها ستحدث تغييراً في المسار السياسي للبلاد".

تغيير بوصلة الأمم المتحدة

ويبدو أن الانسحابات المتكررة لقوى سياسية وتيارات شعبية "أسهمت بشكل كبير في تغيير بوصلة الأمم المتحدة إزاء الانتخابات"، كما يعبّر الشريفي، الذي يشير إلى أن "انسحاب غالبية قوى الانتفاضة، الذي تلاه انسحاب التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي، جعل الساحة السياسية خالية من التنافس، الأمر الذي يوفر ذريعة تأجيل الانتخابات لعدم توفر عنصر المشاركة والإيمان بالتغيير عبر الانتخابات".

ولعل الفصائل المسلحة الموالية لإيران باتت تدرك تلك المتغيرات في المعادلة السياسية. ما دفعها إلى شن هجوم مبكر على البعثة الأممية، التي لم تعلن موقفاً رسمياً بدعم الانتخابات المقبلة حتى الآن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلفت الشريفي إلى أن الهجمة التي تشنها الأطراف المقربة من إيران "لا تتوقف عند حدود المساحة الإعلامية، بل تعدت ذلك إلى اتخاذ خيارات مسلحة على المصالح الأميركية قبل انتهاء الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي. ما يعني أن تلك الأطراف باتت تدرك أن الحوار الاستراتيجي لن يؤدي إلى نتائج مرضية بالنسبة إليها".

ويختم أن "كل ما يجري على الساحة العراقية منذ أشهر، يشير إلى اقتراب العراق من خيار حكومة الطوارئ، خصوصاً مع المعطيات الأولية للحوار الاستراتيجي التي تبين أن التفاهمات الحكومية العراقية مع واشنطن لن تكون كما ترغب طهران"، مبيناً أن حديث زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بخصوص الانسحاب من الانتخابات المقبلة "يعطي انطباعاً بأنه تمهيد لحكومة إنقاذ وطني".

ويشير مصدر سياسي مطلع لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "عدم إصدار بعثة الأمم المتحدة تقريراً رسمياً وقراراً نهائياً بخصوص الانتخابات العراقية هو ما حفّز تلك الهجمة الإعلامية عليها"، مضيفاً أن الحديث عن دعم البعثة الانتخابات المقبلة ومراقبتها لا يعد موقفاً رسمياً ومجرد تصريحات غير رسمية.

تنبيه لمراجعة الأخطاء

ولعل الإشكالية الرئيسة ترتبط باعتراضات سابقة أطلقتها التيارات الموالية لإيران بخصوص الرقابة الدولية على الانتخابات المقبلة.

في السياق، يرى الكاتب، بسام القزويني، أن "أي دور للأمم المتحدة يقابل بالتشكيك والهجوم من قبل الفصائل المرتبطة بإيران، وبالتالي هو تشكيك بالفريق الأممي الذي يفترض أنه سيراقب الانتخابات، لا سيما أن الجماعات الموالية لإيران أعلنت رفضها اقتراح إرسال فريق أممي قبيل موافقة مجلس الأمن".

ويعتقد القزويني أن ما دفع التيارات الولائية إلى شن هجوم على ممثلة البعثة الأممية، "يرتبط بتصريحاتها التي تعطي انطباعاً واضحاً بأن التيارات الموالية لإيران هي السبب الأبرز وراء عدم الاستقرار الأمني، الأمر الذي عدته تلك الجماعات اتهاماً غير مباشر لها".

وفي شأن إمكانية أن تؤدي تلك التصريحات إلى تأجيل الانتخابات أو عرقلتها، يؤكد القزويني أن "قرار إجراء الانتخابات المبكرة حكومي، وبالتالي ليس من صلاحيات ممثلة الأمم المتحدة سوى تقديم النصح تجاه هذا الملف"، مضيفاً أن تصريح بلاسخارت "ليس أكثر من تنبيه لمراجعة الأخطاء".

ويشير القزويني إلى أن "إجراء الانتخابات مرتهن بالوضع الأمني والأخير مرتبط بالحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، الذي يمكن أن يؤدي إلى اختلال في الأمن بسبب تهديدات الفصائل من جانب ووجود داعش من جانب آخر"، لافتاً إلى أن "الأمم المتحدة وضعت هذا الأمر في الحسبان ومددت بعثتها في العراق لما بعد أبريل (نيسان) 2022، موعد إجراء الانتخابات وفق موعد انتهاء الدورة الانتخابية".

المزيد من العالم العربي