Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخطف المستمر في نيجيريا... أسبابه وتداعياته

خلقت الظروف الاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر والبطالة والحرمان وعدم المساواة منه أداة للكسب المادي

تعدى الخطف في نيجيريا الحالات الفردية إلى الخطف الجماعي لرفع سقف المساومة (أ ف ب)

قبل أن يتحول الخطف في نيجيريا إلى أحد أكبر الجرائم المنظمة، كانت تقوم به بعض الإثنيات بغرض إجراء طقوس القتل، فوفقاً للأساطير والتقاليد يُستصحب قتل المُختطف بقرع الطبول من أجل شفاء أحد أعيان القبيلة المناوئة، وفي طقس آخر لبث الشجاعة في نفوس الشباب ولبعض أعمال السحر والشعوذة بتعريض الشخص المُختطف لحيوان مفترس من أجل اكتساب القوة لدى بعض القبائل. كما ارتبط الخطف بتاريخ العبودية والزواج القسري ولا تزال بعض القبائل تحافظ على طقس خطف الفتيات كجزء من تقاليدها المصاحبة للزواج، كما درجت الجماعات الإرهابية على هذه الممارسة. وكانت هناك أيضاً حالات اختُطف فيها أفراد خلال حروب إثنية واحتجزوا لإجبار قبائلهم على تقديم تنازلات تتعلق بالصراع حول الأرض والمرعى والموارد. ولا تزال هذه الأنواع من الخطف مستمرة في أماكن مختلفة في نيجيريا، ولكن طغى عليها التحول إلى الخطف الحديث كأحد أكبر المؤثرات على قضية الأمن القومي والإقليمي بضلوع العصابات المنظمة والجماعات الإرهابية فيه لأغراض عدة. 

دوافع اقتصادية

خلقت الظروف الاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر والبطالة والحرمان وعدم المساواة في نيجيريا من الخطف أداة للكسب المادي. ولا يقوم الخطف من أجل الدوافع الاقتصادية حالياً على شروط تتعلق بالثراء أو الوضع الاجتماعي فغالبية الحالات التي حدثت فيها عمليات الخطف هي لتلاميذ مدارس من فئات فقيرة، ولكن يقوم بدفع الفدية عن هؤلاء خصوصاً في حالات الخطف الجماعي حكومات الولايات أو الشركات ورجال الأعمال في المناطق التي ينشط فيها الاستثمار في النفط والموارد. وهذا ما فسره إيليو زانّوني العالم الجنوب أفريقي المتخصص في عوامل خطر الجريمة واستراتيجيات الوقاية بأنه "في كل عملية اختطاف يكون هناك نوع متورط من الاقتصاد، وأن وضع الرهينة له أهمية في دفع الفدية وأنه في كثير من الحالات ينطوي الاختطاف على طلب للحصول على فدية وقد يختلف اختلافاً كبيراً اعتماداً على نوع المجرمين المتورطين والأحوال الشخصية للضحية".

وقد صُنف الخطف من بين الجرائم المربحة في حالات كثيرة يطالب فيها المختطفون بدفع فدية مقابل تحرير الضحايا. وتعدى الخطف في نيجيريا الحالات الفردية إلى الخطف الجماعي لرفع سقف المساومة وعليه تحولت الجريمة من جريمة فردية إلى جريمة جماعية تمس الأمن القومي. وفي عمليات الاختطاف المستمرة تزول الفوارق بين ما تقوم به عصابات منظمة وجماعات سياسية وجماعات إرهابية، إذ إنّه بشكل عام يعود إلى ما أحدثته الاضطرابات السياسية والتهديدات الإرهابية والفساد المستشري. وأسهمت هذه الأحداث في خلق مناخ من انعدام الأمن في الجنوب الشرقي ودلتا النيجر والمنطقة الجنوبية الغربية وفي الحزام الأوسط بسبب الصراع على الأرض واستخدام المياه بين المزارعين والرعاة. وآخر حوادث الاختطاف هو ما تم في 5 يوليو (تموز) الحالي إذ اختطف مسلحون حوالي 140 تلميذاً في ولاية كادونا شمال نيجيريا مطالبين بفدية.

مساومة سياسية

أما الخطف لأسباب سياسية فلم تُستثن منه الحكومة النيجيرية كما الحركات التحررية والعصابات. بعد الانقلاب العسكري في نيجيريا الذي قاده اللواء محمد بخاري وأطاح بالرئيس المنتخب شيخو شاجاري في ديسمبر (كانون الأول) 1983، هرب عدد من المنتمين للنظام الذي أُطيح به إلى الخارج ومن بينهم وزير النقل عمر ديكو. أصبح ديكو ناقداً للانقلاب العسكري، وقررت الحكومة النيجيرية استرجاعه لمحاسبته بتهمة اختلاس عدة مليارات من الدولارات من خزينة الدولة المتعلقة بعائدات النفط. وفي 4 يوليو (تموز) 1984 تم خطف عمر ديكو من أمام بيته في لندن، ولخطأ في شحن الصندوق التابع للحقيبة الدبلوماسية النيجيرية، وتسرب أخبار الاختطاف قامت السلطات البريطانية بتفتيش الصندوق وعثرت على الوزير المُختطف. 

كما تنشط عمليات الخطف في منطقة دلتا نهر النيجر الساحلية التي توجد بها أضخم صناعة للنفط في أفريقيا منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانت أول حالة اختطاف مسجلة من قبل عصابة لشبان دلتا النيجر في عام 1998 عندما قام رجل مسلح باختطاف ثمانية عمال من شركة شيفرون وتكساكو من أصول أميركية وبريطانية وجنوب أفريقية مطالباً بخلق فرص عمل وتوفير الكهرباء من قبل شركات النفط العاملة في المنطقة. تطورت عمليات الخطف المطلبية وارتبطت بعد ذلك بأنشطة مقاتلي حركة تحرير دلتا النيجر الذين احتجزوا عدداً من الرهائن للضغط على الحكومة من أجل تلبية مطالبهم السياسية وتوزيع أكثر عدالة لعائدات النفط التي يقولون أنّها تستفيد منها الشركات وحدها، ومراقبة الموارد والحقوق البيئية لمجتمعاتهم لحمايتهم من التلوث الناتج من أنشطة استكشاف والتنقيب بواسطة شركات النفط متعددة الجنسيات في المنطقة. أبرز تلك الأحداث كان في عام 2003 إذ اختطف المسلحون حوالى 270 شخصاً، 97 منهم من الرعايا الأجانب اُستعيدوا بعد استيلاء المسلحين على أربع منصات نفطية في المنطقة ودخولهم مفاوضات مع الحكومة. وتكررت هذه الحوادث في السنوات التالية لعمال نفط نيجيريين وأجانب وكانت تنتهي بدفع فدية للحركة لتمويل أنشطتها، والرضوخ لمطالبها بدفع تعويضات عن ما أسموه بسنوات الاستغلال. وهنا يزول الخط الفاصل بين الدافع الاقتصادي والسياسي للخطف. 

بين الإرهاب والاختطاف

زادت عمليات الاختطاف مع ظهور جماعة "بوكو حرام" في شمال شرق، وشمال غرب نيجيريا حيث بدأت في عام 2009 لأسباب تتعلق بالصراع السياسي ورفض الجماعة للتعليم "العلماني". ونُسبت كثير من عمليات اختطاف الرعايا الغربيين للحصول على فدية إلى "بوكو حرام" إذ درجت على استخدام أسلوب تنظيم القاعدة في المنطقة من أجل تمويل حركتها.

وعلى الرغم من أن "بوكو حرام" تمارس أنشطتها منذ عام 2009 فإنه لم يحظ صراعها مع الحكومة النيجيرية بالاهتمام الدولي اللازم إلا في السنوات القليلة الماضية بعد تحمل المدنيين كثيراً من التضحيات واستخدامهم بالإضافة إلى الأطفال في التفاوض مع الحكومة أثناء النزاع للإفراج عن أعضائهم الموجودين في السجون. وبعد أن قتلت الحكومة النيجيرية ما يقدر بنحو 800 من أعضاء "بوكو حرام" بمن فيهم زعيمها محمد يوسف، ردت الجماعة تحت قيادة زعيمها الجديد آنذاك أبو بكر شيكاو بشن حملة تمرد واسعة ضد الحكومة النيجيرية واستهداف المدنيين والأطفال واستخدامهم للأهداف الانتحارية. ونجحوا في جذب الاهتمام الدولي في عام 2014 بقيامهم بعدة عمليات منها اختطاف 20 امرأة من قرية غاركين فولاني شمال شرق نيجيريا. ولفتت نظر العالم أكثر بعداختطاف 276 فتاة من مدرسة ثانوية في ولاية بورنو في منطقة شيبوك عام 2014، تبعتها حملة عالمية "أعيدوا بناتنا". ويُعد تركيز جماعة "بوكو حرام" والجماعات المسلحة الأخرى على خطف الفتيات موضع اهتمام باستخدامهن كأحد أسلحة النزاع باستغلالهن جنسياً إذ تعرضت كثيرات منهن للاغتصاب أو الإجبار على الزواج في المخيمات وكدروع بشرية لحماية أفراد الجماعة من الملاحقة الأمنية أثناء النزاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عقوبة الخطف 

من أهم أسباب ازدهار عمليات الخطف في نيجيريا هو عدم الشعور بالخوف من القانون والإفلات من العقاب، فتبدو الأطر القانونية ليست فعالة بما يكفي لمعاقبة الجناة على هذه الجريمة وضمان الردع المناسب، بالإضافة إلى ضعف إجراءات وقدرات إنفاذ القانون. 

وتسهم العوامل السببية لكل ولاية في ضعف إجراءات وقدرات إنفاذ القانون، إذ أن العوامل بشكلٍ عام تكون مبنية على الاقتصاد بينما العامل المهيمن للاختطاف في الجنوب والجنوب الشرقي للبلاد هو الصراع السياسي والبيئي، وفي الأجزاء الشمالية الغربية والشمالية الشرقية ينحصر في الإرهاب بالإضافة إلى العامل المادي.

ولهذا نجد أن كل ولاية تقر قانونها الخاص، فمثلاً أقر مجلس ولاية إينوجو جنوب شرق نيجيريا بالإجماع مشروع قانون يجعل الاختطاف باستخدام مسدس جريمة يعاقب عليها بالإعدام في الولاية، بعد أن كانت عقوبة الخطف في الولاية هي السجن لمدة عشر سنوات، وعليه فبموجب القانون الجديد ستظل عقوبة الاختطاف من دون استخدام مسدس هي السجن لمدة عشر سنوات إن لم ينج الجناة بسبب الفساد القانوني والإغراءات المادية. وبحسب وكالة الأنباء النيجيرية "رفض مجلس النواب في ولاية ريفرز التماسات لجعل الاختطاف جريمة يعاقب عليها بالإعدام على أساس أن هذه العقوبة متاحة بالفعل في قوانين العقوبات في البلاد لجرائم محددة". وبرر المطالبون التماسهم بأن جريمة الاختطاف ينبغي أن تكون بنفس عقوبة جريمة السطو المسلح التي تنشط في الولاية الواقعة في المنطقة الشرقية من نيجيريا والتي تكتسب أهميتها بوقوعها في نطاق محمية أنهار النفط". وغالباً ما يتردد في الأوساط النيجيرية بأن الخاطفين ينفذون جرائمهم لأن الفوائد تفوق التكاليف ويعد الاختطاف تجارة مزدهرة بين العصابات المنظمة والجماعات السياسية والإرهابية من دون وجود قانون رادع يعلي من خسائر هذه الجماعات. 

وعلى الرغم من وجود القوانين، فإن ما يعيق تنفيذها عوامل تتعلق بالتصديق عليها من قِبل السلطة التنفيذية، ومعارضة نشطاء حقوق الإنسان على عقوبة الإعدام. 

تقاطع العمليات

يشير أحدث تقرير من شركة إس بي مورغان الاستشارية النيجيرية لتحليل المخاطر ومقرها لاغوس في أواخر عام 2020 أن "مجموع الضحايا المحتملين اتسع بشكل كبير وغالباً ما يكونون قرويين فقراء ويتم اختطافهم أحياناً بشكل عشوائي وهو خروج عن الخطف المستهدف للأثرياء، إذ يكافح القرويون من أجل دفع الفدية بسرعة بسبب فقرهم النسبي، وهم أكثر عرضة للقتل". كما حدد التقرير تكاليف الاختطاف وخريطة انتشارها بين عامي 2011 و 2020، وخلص إلى أنه تم دفع أكثر من 18 مليون دولار كفدية "تسارع ارتفاع مبلغ الفدية في الجزء الأخير من تلك الفترة بين عامي 2016 و 2020 إذ تم دفع حوالى 11 مليون دولار. ويظهر أن الاختطاف قد انتشر من رقعة النفط إلى البلد بأكمله وأن الجيش يتمركز الآن في كل ولاية نيجيرية تقريباً، بشكل أساسي للحفاظ على النظام باستثناء ولاية كيبي وإقليم العاصمة الفيدرالية أبوجا".

ولاحظ التقرير أن إجمالي الإنفاق على الفديات، 18 مليون دولار، في تلك الفترة منخفض للغاية مقارنة مع الفديات التي تُدفع للخاطفين في منطقة الساحل من الدول الأوروبية لتحرير رعاياهم المختطفين، والتي يمكن أن تصل إلى ملايين الدولارات لكل ضحية. 

تتقاطع عمليات الاختطاف في جميع المناطق في نيجيريا ويمكن أن يتم اختطاف أي شخص في أي وقت اعتماداً على الوضع الأمني الآني. وأدى هذا الوضع من حالات اختطاف تلاميذالمدارس بشكلٍ عام إلى كبت الالتحاق بالمدارس وعمّق أزمة التعليم في نيجيريا، إذ فرض واقعاً أدى إلى إغلاق ما يقدر بحوالي 600 مدرسة. كما أدى النهب المسلح للقرى وحالات الاختطاف الجماعي إلى زيادة الضغط على الجيش والشرطة والقوات الأمنية التي تواجه من ناحية أخرى صراعات إثنية تتخذ من الخطف وسيلة للضغط على بقية الإثنيات الأخرى. كل هذا أدى إلى تزايد انعدام الأمن في نيجيريا حتى تم تصنيفها وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020 في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير