Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق: وقفة مع إيران وحوار استراتيجي مع أميركا

"الانسحاب العسكري لن يحل المشكلات التي خلقها الغزو"

وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن يستقبل نظيره العراقي فؤاد حسين في واشنطن (أ ف ب)

العراق في ورطة. وليس أخطر من الورطة سوى ما يمنع الخروج منها. "أم المشكلات" بعد "أم المعارك" أيام صدام حسين، هي الغزو الأميركي وما قاد إليه من مضاعفات أعقبت إسقاط الدولة وحل الجيش، لا مجرد إسقاط النظام. والحل أبعد مما يؤدي إليه الحوار الاستراتيجي العراقي - الأميركي، الذي أنتج قبل الجولة الرابعة حالياً "الاعتراف بالسيادة وجدولة الانسحاب"، كما قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. أقل ما فعله الغزو هو إحداث انقلاب في موازين السلطة، ورسم حدود الانقسام في المجتمع، وفتح الباب، بالجهل أو بالتواطؤ، أمام النفوذ الإيراني. وقمة الجهل في ثياب الخبث، هي قول ريتشارد بيرل من المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن، "سقوط صدام يحفز الإيرانيين على التخلص من ديكتاتورية إيران". وأقصى ما يقدمه الحوار الاستراتيجي هو "إعلان الانسحاب" بحلول نهاية العام الحالي، ولكن مع تغيير "وظيفة" القوات المستعان بها. لكن الانسحاب العسكري لن يحل المشكلات التي خلقها الغزو. لا على صعيد النظام والمجتمع، ولا بالنسبة إلى تلازم عاملين يُفترض أنهما متعارضان، الإرهاب والنفوذ الإيراني. فالانسحاب الكامل الذي أمر به الرئيس باراك أوباما بعدما رفض رئيس الوزراء نوري المالكي، بأمر من طهران، الضمانات المطلوبة، أدى إلى تعاظم الإرهاب وظهور "داعش" وتمدد النفوذ الإيراني. والانسحاب حالياً بعد عودة أميركا بطلب عراقي لمحاربة "داعش"، يطرح، بصرف النظر عن ضرورته وطنياً في النهاية، سؤالاً لا بد من جواب عنه، هو، ماذا عن حاجة العراق إلى المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية لمحاربة "داعش"؟ وكيف يصح أن تتقدم عليها حاجة النظام الإيراني إلى إخراج أميركا من العراق وكل منطقة "غرب آسيا"؟

ذلك أن اللعبة ينطبق عليها المثل الفرنسي القائل "حلمان في سرير واحد". حلم الكاظمي ومعه جيل جديد في الرهان على قوة الوطنية وبناء الدولة الوطنية، وإخراج العراق من كونه "ساحة لتصفية الحسابات"، ليصبح جسراً تتلاقى عليه المصالح المشتركة، تفاهم مع كل من أميركا وإيران، وانفتاح على روسيا، وعودة إلى العمق العربي للعراق في السعودية ومصر والأردن. وهو باختصار التحول من دور الوكيل إلى دور الوسيط. ومن الملعب إلى اللاعب. وحلم إيران في السيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن ضمن مشروعها الإمبراطوري. حجم القوات المسلحة العراقية وصل إلى حدود 1.8 مليون جندي، وصار الجيش "أكثر قدرة" على ضمان الأمن من دون "الحشد الشعبي"، الذي تريد واشنطن إنهاءه ليصبح السلاح في يد الشرعية وحدها. وحجم "الحشد الشعبي" الذي معظمه فصائل مرتبطة بفيلق القدس التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، أصبح أكبر من حاجة بغداد، ويمارس التسلط على السنة، ويخوض حرباً ضد أميركا بقرار من "الحرس الثوري". لكن طهران، تريد له دوراً أهم، وهي تنشئ "تنظيماً سرياً" من أفراد فيه يعملون مباشرة مع فيلق القدس من دون المرور حتى بقادة الحشد العراقيين المرتبطين بها. فضلاً عن أن الفارق كبير بين ما يطلبه شيعة إيران وما يريده السنة والكرد. وفضلاً أيضاً عن استمرار حاجة العراق إلى "تعاون استخباراتي وتدريب وتأمين الغطاء الجوي"، بحسب وزير الخارجية فؤاد حسين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعترف عمار الحكيم زعيم تيار "الحكمة"، أن "الهوية الشيعية وحقوقنا كمواطنين لا تستوفى إلا بهويتنا الوطنية العربية الجامعة، التي نشترك فيها مع شركاء الوطن، وهذه حال المكونات في البلاد". ويقول إحسان الشمري رئيس "مركز التفكير السياسي" في العراق، إن "العقول التي أنتجت الخراب لن تنتج الحلول، ونحن بحاجة إلى وجوه سياسية وعقول جديدة تضع الأسس الصحيحة لنظام سياسي رصين لا يكون مرتهناً للخارج". لكن "لبننة" العراق التي قادت إلى أعمق أزمة وطنية وسياسية ومذهبية واقتصادية وأوسع شبكة فساد، لا تزال هي الواقع الذي تحرص عليه كل القوى المستفيدة منه على حساب الدولة الوطنية ومصلحة العراق العليا.

في تقرير سري في الخارجية الأميركية قبل سنوات تحت عنوان "العراق والشرق الأوسط والتغيير: لا دومينو"، تركيز على أن "الديمقراطية الليبرالية ستكون صعبة التحقيق، والديمقراطية الانتخابية يمكن أن تقود إلى تقوية العناصر المعادية لأميركا". وإذا كانت هذه نظرة واشنطن، فكيف تكون نظرة طهران؟ وهل هناك مخرج سوى الرهان على كتلة شعبية تدعم الكاظمي في إعلاء النظرة الوطنية العراقية على كل شيء؟

من يتحدى قوة الوطنية قد يربح في البداية، لكنه يخسر حتماً في النهاية.

المزيد من تحلیل