Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شريهان تجسد إرادة الحياة مع "كوكو شانيل" وتستعيد نجوميتها

الفنانة المصرية تعود بقوة في عرض مسرحي سينمائي يدهش المشاهدين

 النجمة شريهان في دور كوكو شانيل في العمل الاستعراضي (الخدمة الإعلامية في منصة "شاهد")

عندما تعود نجمة في حجم شريهان إلى المسرح، من خلال عرض استعراضي ضخم، فإن هذه العودة بحد ذاتها، تمثل حدثاً فنياً مهماً، بخاصة أن آخر أعمالها المسرحية كان عرض "شارع محمد علي"  الذي قدمته عام 1991 مع النجمين فريد شوقي وهشام سليم، واستمر تقديمه حتى عام 1995.

شريهان عادت إلى المسرح من خلال عرض "كوكو شانيل"، الذي بثته أخيراً منصة "شاهد"، وهو من تأليف مدحت العدل، وإخراج هادي الباجوري، وإنتاج العدل غروب، تحت رعاية هيئة الترفيه السعودية.

 

هذا العرض توافرت له إمكانات ضخمة، وربما غير مسبوقة، ليخرج بصورة تجعل منه تحفة مسرحية نادرة، ولمَ لا، وبطلته واحدة من أهم الممثلات وفنانات الاستعراض في الوطن العربي، عد غيابها الطويل خسارة فادحة، سواء للمسرح أو للسينما. ومن هنا لم يكن مناسباً أن تشوب إطلالتها الأولى، بعد كل هذا الغياب، شائبة، فجاء العرض حاملاً كل هذه الطاقة والبهجة والحيوية، التي بثها فيه فريق عمل محترف، تضافرت عناصره معاً، لتخرج لنا في النهاية هذه التحفة المسرحية التي لاتشبه سوى ذاتها.

عين لاقطة

هي لاتشبه سوى ذاتها من جهة أنها مسرحية استعراضية غنائية، تم تصويرها بطريقة سينمائية، عوضت كثيراً فكرة العرض الحي المباشر على المسرح. فعين المخرج اللاقطة، والمدققة في أبسط التفاصيل، لاتشعر المشاهد بغربته عن المسرح، فعادة يفوت المشاهد كثير عند مشاهدته للعروض المسرحية مصورةً، فالمسرح يعني وجودك داخل ذلك البناء المعد خصيصاً ليكون مسرحاً، سواء أكان مسرح علبة إيطالي، أو أي شكل آخر من المسارح، مدرج، قاعة، شارع، مقهى، أو أي فضاء مفتوح تم تجهيزه للعرض المسرحي، تلتقي فيه مباشرة بالممثلين أمامك، وتتفاعل معهم ويتفاعلون معك في التو واللحظة. لكن الأمر هنا اختلف، نظراً للإمكانات الكبيرة التي عمل بها صناع العرض، واستطاعوا، من خلالها وضعك بالفعل، داخل مسرح لايفوتك منه شيء.

كان واضحاً أن هادي الباجوري، استغل موهبته وخبرته السينمائية في اختيار زوايا التصوير بدقة بالغة، ووفق دراسة متأنية، وفهم لمتطلبات المسرح، ذهب إلى وسيط جديد عليه، مستجيباً لشروطه من ناحية، وموظفاً إمكاناته السينمائية للإضافة إلى هذا الوسيط من ناحية أخرى، ليخرج في النهاية بهذه النسخة "السينمسرحية"، إن جاز التعبير، وهو مايعطيها فرادتها وتميزها، بخاصة أنه اعتمد كذلك على مدير تصوير صاحب خبرة هو أحمد المرسي، و"مونتير" قدير، هو أحمد حافظ، فالعرض الذي استغرق تصويره ستة أسابيع، أي بنظام"الشوتات"، لم يكن ليظهر بهذا البناء المتماسك، لولا وجود مدير تصوير ومونتير، صاحبي خبرة ووعي، مكناهما من الخروج بهذه النتيجة التي تشعرك كما لوأن العرض تم تصويره مرة واحدة خلال حوالى الساعتين اللتين استغرقهما العرض.

تشكيل الفراغ

أما ديكور العرض، الذي صممه أحمد حافظ، فعلى الرغم من أنه مصمم كديكور سينمائي، فقد استجاب هو الآخر لشروط المسرح، سواء من حيث تكويناته ومستوياته ومناظره المتعددة، أو من حيث ألوانه التي تناسب أجواء المشاهد، وتضفي عليها مزيداً من البهجة والعمق. وكذلك من حيث تشكيل الفراغ المسرحي، وتوزيع القطع بشكل محسوب ومتوازن في فضاء الخشبة، متيحاً مساحة مناسبة لحركة الممثلين والراقصين، ماجعل هذا العنصرفاعلاً ومؤثراً على مستوى الصورة المسرحية ومضيفاً الكثير إليها.

 

وإذا كان الإخراج السينمائي قد نجح في تقديم صورة مسرحية مختلفة وجديدة، وتمثل إضافة واعية إلى فن المسرح، فإن النص هنا، كتبه مدحت العدل، كان واحداً من أقوى العناصر، بل كان العنصر الأقوى الذي قامت عليه العناصر الأخرى، وحددت اتجاهاتها ورؤيتها. فالنص الذي يتضمن الكلام والتشخيص والغناء، حدد كاتبه هدفه منذ البداية، ساعياً إلى إبراز الإرادة الإنسانية وقدرتها على تحدي ظروفها وآلامها وإحباطاتها، ليبدو صاحبها مثل العنقاء التي تنهض من تحت الرماد. وذلك من خلال كتابة انتقائية، لاتسرد حياة بطلة العرض بكل تفاصيلها، بقدر ماتنتقي محطات دالة ومؤثرة في حياتها وحياة من حولها، موظفاً الغناء والاستعراض لخدمة رؤيته، حيث لاشيء مجانياً، ولاشيء في غير مكانه، هي لُبنات يكمل بعضها بعضاً، وتشكل معاً في النهاية جسداً واحداً محتشداً بالطاقة والحيوية، مثيراً للبهجة، وباعثاً على التفاؤل، ومحفزاً على التمسك بالأمل، وتجاوز الألم والصعاب.

تدريب طويل

الاستعراضات التي صممها هاني أباظة لعبت دوراً مهماً في بناء العرض وإضفاء مزيد من البهجة عليه، وبدا أن الأمر استغرق وقتاً وجهداً كبيرين للوصول إلى هذه النتيجة التي قدمت شريهان والراقصين معها، في تسعة استعراضات، كما لو أننا أمام لوحات تشكيلية نابضة بالحياة، تم تطويع الأجساد البشرية كعجينة لينة تستجيب بكل مرونة لمتطلبات الحركة لتنتج معنى مضافاً يسهم في تأكيد الرؤية الكلية للعرض، وذلك عبر موسيقى وضعها إيهاب عبدالواحد، محملة هي الأخرى بمزيد من المعاني التي تشحن طاقة العرض وتكمل صورته.

 

الأزياء كذلك ( صممتها ريم العدل)، كانت اختباراً قاسياً وصعباً للمصممة، فنحن بإزاء عرض يجسد قصة حياة واحدة من أشهر مصممات الأزياء في العالم، أي أن الأزياء هنا بطل رئيس في العرض، وحضورها لابد أن يكون لافتاً ومتماهياً مع طبيعة العرض. وهو مافطنت إليه ريم، ويبدو أنها عكفت طويلاً على مذاكرة هذا العالم حتى تخرج بنتيجة تليق بعرض كهذا من ناحية، وتتيح، من ناحية أخرى، قدراً من المرونة والانسايبية التي تمكن الراقصين من أداء مهمتهم بشكل جيد.

أيقونة العرض

أما شريهان بطلة العرض وأيقونته، فقد بدت كما لو أنها انتهت للتو من عرض "شارع محمد علي" ، ودخلت مباشرة إلى "كوكو شانيل"، فلم ينل الابتعاد من طاقتها وحيويتها وحضورها، كأنها كانت تواصل العمل على نفسها، بل كأنها لم تنقطع عن التمثيل والاستعراض طوال السنوات الماضية. كانت مقنعة في أدائها التمثيلي، عبر استخدام طبقات الصوت وتلوينها، عبر الإيماءة، والإشارة، وتعبيرات الوجه، واستخدام لغة الجسد، عبر كل مفردة امتلكتها وأجادت استخدامها كعادتها. والأمر فعلته في الاستعراضات والغناء، فبدت شريهان كأنها تجسد قصتها هي، وليس قصة "كوكو شانيل" مصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة، التي عدت ضمن المئة شخصية الأكثر تأثيراً في القرن العشرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثمة تشابه بين الشخصيتين، ربما دفع شريهان إلى العمل بكل هذه الطاقة والحماسة، فقصة "كوكو شانيل" التي قفزت من فتاة معدمة، تربت في دار للأيتام، إلى سيدة مجتمع شهيرة، وقهرت كثيراً من الصعاب التي واجهتها بالإرادة والعزيمة والموهبة، تتشابه في جوانب منها مع قصة شريهان التي قهرت بعزيمتها وإرادة الحياة لديها، آلامها ومتاعبها، وجسدت معنى الإرادة الإنسانية، وعادت كما كانت، وكأنها لم تنقطع عن العمل. عاونها عدد كبير من الممثلين، منهم إنجي وجدان، وهاني عادل، وسمر يسري، وإيمن القيسوني، وحنان يوسف، والكاتب تامر حبيب، إضافة إلى ظهور آسر ياسين، ضيف شرف، في دور صحافي أميركي.

عودة شريهان في هذا العرض المصور، وتحقيقه كل هذا النجاح، ربما تكون تمهيداً لعودتها إلى خشبة المسرح الحي مجدداً، فهل تفعلها قريباً؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة