Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيل من اللاجئين السوريين في لبنان ضاع بين عمالة الأطفال وزيجاتهم

تتردد كلمات كـ"لا مستقبل لي. انتهى الأمر" في مخيمات اللجوء المنتشرة في سهل البقاع وبلدة عرسال، مع معاناة الضربة الأقسى من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق

في أحد مخميات اللجوء داخل لبنان، أخفى يافعون سوريون وجوههم، ولربما أن مستقبلهم بات أشد اختفاءً! (بيل ترو/اندبندنت)

إنه أصعب القرارات التي اتخذتها "شمس" في حياتها، إذ حسمت أمر تزويج ابنتها، ذات الـ16 ربيعاً، لشخص يبلغ من العمر ضعفي عمرها، كي لا تجوع. وبعد مرور سنة على ذلك، تواجه اللاجئة السورية المحنة نفسها مع ابنتها الأصغر سناً. لا تقوى شمس (54 عاماً)، على إطعامها أيضاً، ولا إدخالها المدرسة.

كذلك، أقرت تلك الأم التي لديها ثمانية أولاد، أن ذلك يتنافى مع كل ما تؤمن به. قبل اندلاع الثورة بقليل في سوريا عام 2011، سمحت لابنتها البالغة من العمر 21 عاماً، التي كانت في السنة الجامعية الثالثة، أن تتزوج، بشرط أن يسمح لها بإكمال دراستها. لقد مثّل تعليم بناتها أهم شيء بالنسبة لها.

وبصوت متهدج قالت أثناء جلوسها في خيمتها المهلهلة في بلدة "عرسال" اللبنانية، القريبة من الحدود السورية، "أنا مضطرة إلى دفع الصغيرات للزواج لأننا لم نتمكن من تحمل تكلفة إبقائهن في المنزل".

أخبرتني أن بناتها التحقن بالمدرسة بشكل متقطع منذ فرارهن من سوريا مع هيمنة "داعش" والحرب في 2014. في المقابل، مع انهيار الاقتصاد اللبناني، اضطرت الأم إلى إخراجهن من المدرسة كلياً، إذ باتت عاجزة الآن حتى عن إطعامهن. وتعطي صغيرتها التي لا يزيد عمرها على السنوات الخمس، بعض الساندويشات حين تقدر على ذلك. وأضافت بيأس، "لا أملك المال لشراء الطعام أو التعليم أو أي شيء".

بالنتيجة، لقد تردّى حالها، لدرجة أنها باتت تفكر بالعودة إلى سوريا، ساحة الحرب التي تواجه فيها العائلة احتمال الجوع والاعتقال كذلك. وتنوي بيع خاتم زواجها الذي يشكل الشيء الوحيد القيّم الذي ما زالت تملكه، كي تدفع مالاً إلى المهربين.

هذا الأسبوع، زُرت مخيمات اللجوء المنتشرة في لبنان، وتحديداً ضمن منطقة سهل البقاع وبلدة "عرسال"، وتحدثت مع أشخاص تلقوا الضربة الأقسى من انهيار لبنان الاقتصادي غير المسبوق، إذ يشير "البنك الدولي" إلى أن الأزمة اللبنانية تشكل إحدى أسوأ الانهيارات التي شهدها العالم خلال الـ150 عاماً الماضية. وفقدت العملة اللبنانية قرابة 95 في المئة من قيمتها في غضون سنة مفردة. وتضاعفت أسعار الغذاء أكثر من خمس مرات.

وفي سياق متصل، ترى الأمم المتحدة أن تلك الأمور ترجمت بأن "كل (اللاجئين السوريين في لبنان) تقريباً" باتوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع، أي إنهم يعتاشون على دولار يومياً فحسب، فيما لا تملك نسبة هائلة منهم تصل إلى 99 في المئة طعاماً أو أي وصول إلى مال لشراء الطعام.

واستطراداً، تجوع الأسر التي تشبه عائلة "شمس"، وتلجأ إلى إجراءات متطرفة كي تبقى على قيد الحياة. وثمة حقيقة مدمرة ناجمة عن الانهيار الاقتصادي والحرب، تتمثل في ضياع الجيل الأصغر سناً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد عقد من الحرب في سوريا، ترتفع معدلات عمالة الأطفال وزواجهم بشكل هائل في أوساط اللاجئين السوريين في لبنان وعبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعني ذلك أنه ما لم يحصل تدخل دولي عاجل، فحتى لو انتهى القتال، وحتى لو حل السلام من جديد، ستكون سوريا قد خسرت مستقبلها بما أن أطفالها يعملون يتزوجون مبكراً، ويتزايد عجزهم عن ارتياد المدارس، أكثر فأكثر.

واستطراداً، يزداد الوضع سوءاً في لبنان الذي يضم مليون لاجئ سوري تقريباً، مع إحجام السلطات عن سن قانون يجرم زواج الأطفال، على الرغم من حملات دأب ناشطون على إطلاقها منذ سنوات.

وقبل ست سنوات، ذكرت "وكالة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسف)، أن 6 في المئة من السيدات اللبنانيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عاماً تزوجن قبل عمر الثامنة عشرة، لكن ذلك الرقم يصل إلى 40 في المئة في أوساط اللاجئين السوريين من العمر نفسه. ويعتقد أن هذا الرقم قد ارتفع كثيراً هذه الأيام، مع اكتساح الأزمة الاقتصادية الأسر أخيراً.

ويشكل ذلك الملمح جزءاً من اتجاه إقليمي وعالمي مقلق تفاقم مع تفشي الجائحة، إذ ذكرت الـ"يونيسف" إنه في مارس (آذار) أصبحت 10 ملايين فتاة إضافية عرضة للزواج في مرحلة الطفولة حول العالم، بسبب تأثير "كوفيد-19" على التعليم والاقتصاد.

وبحسب منظمة "أنقذوا الأطفال" Save the Children، فإن نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضات بشكل خاص لهذا التوجه، إذ تزوجت قرابة 40 مليون امرأة وفتاة في المنطقة في مرحلة الطفولة. وسيرتفع هذا الرقم مع استمرار الجائحة صيفاً آخر، وتعرض الفتيات لخطر أكبر بأن يرغمن على الدخول في زيجات "سياحية" أو "للمتعة" أو أنهن يبعن بتلك الطريقة.

وفي سياق متصل، ترتفع معدلات عمالة الأطفال في أوساط اللاجئين السوريين. وتفيد منظمة "أنقذوا الأطفال" بأن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن عمالة الأطفال تطاول 18 ألف لاجئ سوري صغير في العمر في لبنان، ما يمنعهم من تلقي التعليم. وكذلك ذكرت تلك المنظمة الخيرية إن الأطفال يعملون بداية من عمر خمس سنوات. في ديسمبر (كانون الأول)، حذرت "يونيسف" من أن عدد اللاجئين السوريين الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 قد تضاعف من عام 2019، وبلغ 4.4 في المئة في 2020. وقد يتضاعف هذا المعدل مجدداً.

وعلى أرض الواقع في المخيمات، تعني تلك المعطيات أن كل الأطفال واليافعين الذين تحدثت إليهم هذا الأسبوع تقريباً لا يدرسون، بل يضطرون إلى مساعدة أهاليهم إما عبر العمل أو الزواج المبكر. ومن داخل الخيمة التي يسكن فيها أهله في سهل البقاع، أفاد "خالد" الذي يبلغ الآن 20 عاماً من العمر، "لم أرتد المدرسة منذ كان عمري 10 سنوات، إذ اضطررت للعمل من أجل إعانة عائلتي. أعمل في الحجارة كل يوم. وكنت أكسب 10 دولارات يومياً، لكن هذا المبلغ بات الآن لا يعادل سوى دولارين".

وأوضح أيضاً أن السبب الرئيس لعمله الآن يتمثل في تأمين الطعام، لكن تلك التضحيات لم تمنع العائلة من معاناة الجوع. وأضاف خالد ملقياً بنظره على يديه "لا مستقبل لي هنا، ولا مستقبل لي في سوريا. لا مستقبل لي. انتهى".

© The Independent

المزيد من تقارير