لم يظهر الوزير الجزائري الأول، نور الدين بدوي علناً، منذ 14 مارس (آذار) الماضي، تحت ضغط الشارع الرافض مواصلته قيادة الجهاز التنفيذي بدعوى أنه "أحد أبرز وجوه النظام السابق". وأطلقت حكومة بدوي سلسلة قرارات وصفت بـ"الشعبوية" من قبل مراقبين، أملاً في شراء "سلم انتخابي" قبل الرابع من يوليو (تموز) المقبل. وبشكل مفاجئ، قرّرت حكومة بدوي، رفع التجميد عن استيراد السيارات المستعملة (أقل من ثلاث سنوات)، وهو واحد من القرارات الكثيرة المتخذة في الأيام الأخيرة على الصعيد الاجتماعي. وتبدو صيغة الشعبوية على القرارات الأخيرة واضحة، لأن صانعيها كانوا يرفضونها سابقاً، بحجج اقتصادية واجتماعية عدة، وانزوى كثير من وزراء الحكومة في مكاتبهم، تحت ضغط الشارع ومطاردة الغاضبين لهم.
السلم الانتخابي
وتحاول حكومة نور الدين بدوي، الابتعاد عن الجدل السياسي في الشارع ما بين المتظاهرين في المسيرات والمؤسسة العسكرية، صاحبة القرار في الفترة الحالية على الرغم من وجود رئيس دولة بصلاحيات "محدودة". وبعد أشهر، من حجج غياب العقار الصالح للبناء، أعادت الحكومة إطلاق الصيغة السكنية المسماة "السكن الترقوي المدعّم"، استجابة إلى ضغوط اجتماعية كبيرة في ملفّ السكن، ويعتبر الأخير أول مشكلة اجتماعية تعانيه الجزائر يليها ملفّ العمل. كما أجّلت الحكومة إجراءات دفع فواتير "قُسيمات السيارات"، وهي ضرائب يدفعها الجزائريون مع بداية مارس حتى نهايته، من دون قاعدة قانونية أو مالية واضحة. وقدّم الجهاز التنفيذي، مساعدات مالية رمزية قيمتها ستة آلاف دينار (33 دولاراً تقريباً)، خصّت بها "العائلات المحتاجة" بداية رمضان الحالي. وجرت العادة أن تسلّم الحكومة، "سللاً غذائية" بشكل مهين أمام مقار البلديات مطلع رمضان من كل سنة، إلا أنها غيّرت هذه الآلية، عبر مساعدات مباشرة في حساباتهم البريدية بشعار "الحفاظ على كرامتهم". ويعلّق مراقبون، على أن حكومة بدوي "تشتري السلم الانتخابي"، قبل أقل من شهرين عن الموعد المفترض للانتخابات الرئاسية المقررة الصيف المقبل.
مراجعة القوائم باتت من الماضي
وتعمل حكومة الدين بدوي، على أساس افتراضات عامة، بتعمّد قرارات قضائية من اختصاص المحاكم القضائية لمحاسبة كبار الفاسدين بالتوازي، مع إجراءات اجتماعية، على أمل "تخفيف الضغط على السلطة القائمة" التي تحاول التمسّك بخيار الرئاسيات في موعدها. لكن شراء "السلم الانتخابي"، يبدو من دون جدوى، وفي حال نجح، فإن قائمة الجزائريين المعنيين بالمشاركة في الانتخابات، أقلّ من الثلث المسجّل في القوائم، حيث يفتقد الملايين بطاقة الناخبين، وهي آلية إدارية أغلقت أبوابها نهاية مارس الماضي، في حين اختار الجزء المتبقي "العزوف عن التصويت". ويعلّق متابعون على الوضع في الجزائر بمثل محليّ "نحن نقول لهم إن الشوربة مالحة وهم يغيّرون الملاعق"، في إشارة إلى عدم استجابة الحكومة المطالب السياسية، وأهمها عزل كلٍ من بن صالح وبدوي، وليس إقرار إجراءات لحثّ الناس على المشاركة في الانتخابات التي يشرف عليها كلاهما.
بدوي يكتفي بـ"اجتماعات الحكومة"
ولأن الدستور الذي عدّله الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، نهاية العام 2008، منح رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة، سيما في تسيير الجهاز التنفيذي، بعدما منع عن الوزير الأول صلاحيات عقد "مجلس الحكومة"، فإن الوزير الأول الحالي، يكتفي بصيغة مصغّرة من الاجتماعات تسمّى "اجتماع الحكومة" وهي مختصة بإصدار مراسم تنفيذية فقط، في حين جميع الصلاحيات تُرفع إلى رئيس الجمهورية الذي يختص حكراً برئاسة مجلس الوزراء، وحتى اللحظة، لم يتّضح إن كان بن صالح بصفته رئيس دولة، يمكنه قانوناً، عقد مجلس الوزراء من عدمه. ويعقد بدوي اجتماعات الحكومة، كل ثلثاء، واعتاد أن يكلّف الناطق الرسميّ باسم الحكومة، وزير الاتصال حسان رابحي، عقد مؤتمر صحافي كل أربعاء في مقر الوزارة الأولى، لكن رابحي عقد مؤتمرين فقط، واختفى بعدها، إذ يعتقد أن جهة ما طلبت منه الكفّ عن تلك المؤتمرات الإعلامية. ولامَ بدوي الناطق الرسمي باسم الحكومة حين تردّد بالإجابة في آخر مؤتمر صحافي له عن سؤال حول ما إذا كان السعيد بوتفليقة ما زال يحتفظ بمنصبه مستشاراً لدى رئاسة الجمهورية، فأجاب: "حقيقة لا أعلم... تابعوا الجريدة الرسمية ربما تحمل جواباً عن هذا السؤال". في حين طُلب من بقية الوزراء، تفادي التنقّلات إلى المحافظات الداخلية ما أمكن، قياساً لمظاهر الشغب التي رافقت زيارات بعضهم، ويكتفي البعض بمقابلات صحافية محدودة، بينما يتعامل آخرون ببيانات على "تويتر" أو "فيسبوك" لا أكثر.