Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ينشغل العالم والفاتيكان بصحة البابا فرنسيس؟

عملية جراحية أثارت تساؤلات حول صحة رأس الكنيسة الكاثوليكية ومستقبل بابويته

نهار الأحد، الرابع من يوليو (تموز) الحالي، طيّرت التلفزة العالمية، ووكالات الأنباء الدولية، نبأ دخول بابا روما، البابا فرنسيس، إلى مستشفى جيملي الشهير بوسط العاصمة الإيطالية، وهو المستشفى ذاته الذي تم نقل البابا يوحنا بولس الثاني إليه، عقب إطلاق النار عليه في مايو (أيار) عام 1981.

والثابت أنه طوال الأيام الماضية والأسئلة تتردد في الأفق، عن صحة الحبر الأعظم من ناحية، وعن مستقبل بابويته من ناحية أخرى، وهي تساؤلات تليق بالمكانة الأدبية والأخلاقية لزعيم روحي يتجاوز عدد أتباعه في قارات الأرض، نحو مليار وثلاثمئة وعشرين مليوناً، ما يجعله قوة نفوذ، وإن لم يمتلك الفرق العسكرية.

ما الذي يجري وراء جدران الفاتيكان في هذه الأوقات، ربما هذا ما نحاول استشرافه بشكل موضوعي في هذه السطور، على أنه ربما يتعين علينا أن نتوقف لبرهة للتذكير بالوضع الخاص بالدولة التي يترأسها البابا فرنسيس، حاضرة الفاتيكان، الأصغر جغرافياً بين دول المسكونة، وصاحبة الصوت المسموع عبر التاريخ.

الفاتيكان مرتفعات النبوءة... المعنى والمبنى

تتكون لفظة فاتيكان من مقطعين، تفيد ترجمتهما بـ"مرتفعات النبوءة"، في اللغة اللاتينية، وهي المرادف المعنوي والمادي لحضور الكنيسة الرومانية الكاثوليكية حول العالم، فحينما يتلفظ المرء بلفظة الفاتيكان، تلتفت الأنظار إلى الحبر الأعظم، أي البابا، ومن ورائه الكوريا الرومانية، أي حكومة البابا، والتي لها تمثيل مع غالبية، إن لم يكن كل دول العالم، عبر سفارات وسفراء رسميين.

قبل نهاية القرن التاسع عشر، كان البابا يملك ويحكم إقطاعيات واسعة من الأراضي في عموم إيطاليا، إلا أن ذلك تغير لاحقاً، فبحلول 7 يونيو (حزيران) من عام 1929، اعترفت الحكومة الإيطالية الفاشية بالسيادة المستقلة لمدينة الفاتيكان في معاهدة لاتيران الشهيرة، وأقرت بأن البابا هو رئيس مدينة الفاتيكان، ويتمتع بسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية مطلقة داخل مدينة الفاتيكان، وقد قام بالتوقيع على وثيقة استقلال الفاتيكان الكاردينال بيترو غاسباري، ممثلاً عن البابا بيوس الحادي عشر، ومن الجانب الإيطالي، بنيتو موسوليني، ممثلاً عن فيكتور إيمانويل ملك إيطاليا.

لا تتجاوز مساحة الفاتيكان 44 كيلومتراً، وبحسب دائرة المعارف البريطانية، فإن عدد سكان الفاتيكان لا يتجاوزون 800 شخص جلهم من رجال الإكليروس، أي رجال الدين، ونفر قليل من المدنيين، الذين يقومون بوظائف إدارية.

كان التشييد الأول لمدينة الفاتيكان في القرن الرابع الميلادي، وأعيد بناؤها في القرن السادس عشر الميلادي، وتمتاز بمتاحفها وحدائقها ونوافيرها التي لا مثيل لها حول العالم.

فرنسيس... رئة واحدة ونصف قولون والتهاب

حين يخطو فرنسيس، تبدو خطواته متثاقلة، وهذا ما بدا واضحاً عليه في الأعوام القليلة الماضية، فعلى الرغم من الابتسامة التي لا تفارق محياه، فإن آلام ساقه اليمنى الناتجة عن تدهور إصابته بمرض عرق النسا، لا يمكن تجاهلها، الأمر الذي أدى إلى غيابه عشية رأس السنة عام 2020، وقبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، عن الصلاة الطقسية في تلك المناسبة الشهيرة.

على أن العارفين بسيرة ومسيرة فرنسيس، يدركون أن عرق النسا، ليس هو مبتدأ الأوجاع بالنسبة للبابا الأرجنتيني الذي يتم في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل عامه الخامس والثمانين، فقد كانت هناك قصة أخرى أكثر ألماً ووجعاً على صعيد صحة البابا بيروجوليو.

في عمر الثالثة والثلاثين، وكان ذلك عام 1969، أصيب الكاهن الشاب، والذي سيضحى البابا فرنسيس لاحقاً، بالتهاب خطير في الصدر استدعى استئصال إحدى رئتيه بعد نزاع دام ثلاثة أيام "بين الحياة والموت"، وقد قال في وقت ما سابقاً "هذا الإجراء الجراحي، كان يمكن تلافيه في حاضرات أيامنا عبر استخدام المضادات الحيوية المتقدمة".

وأخيراً، جاءت أزمة ما يسمى "ضيق الرتج المصحوب بأعراض القولون"، وهو ضيق في القناة المعوية بسبب تكاثر البكتيريا داخل الرتج، وهي نتوءات طبيعية ناتجة عن زيادة الضغط داخل الأمعاء الغليظة، وتمثل الرتوج أمراضاً حميدة، خاصة مع تقدم العمر، ولمواجهة عواقب العدوى، قد يكون من الضروري اللجوء إلى الجراحة، كما في حالة البابا فرنسيس، حيث تم استئصال نصف القولون الأيسر.

قيادات العالم تدعم فرنسيس في مرضه

ثماني سنوات فقط تلك التي قضاها فرنسيس في مقعد خليفة بطرس كبير الحواريين، إلا أنها كانت ذات تأثير كبير الأهمية في نفس كل من عرفه أو اقترب منه، وسواء أكان ذلك من خلال رجالات السلطات المدنية أو الروحية، من المسيحيين أو من المسلمين وسائر الأديان.

أظهرت أيام مرض فرنسيس أنه بابا فوق العادة، إن جاز التعبير، ورجل اجتمع عليه الشرق والغرب دفعة واحدة، ما تبدّى في التصريحات والبرقيات التي أرسلت له متمنية الشفاء العاجل.

لم تكن العلاقة دائماً بين البابوية ورئاسة إيطاليا بالضرورة جيدة، إلا أنها في حالة فرنسيس كانت كذلك قولاً وفعلاً، ولهذا كان الرئيس الإيطالي سيرغي ماتاريلا من بين أول من أعرب عن التمنيات للأب الأقدس بنقاهة جديدة وشفاء عاجل.

أما شيخ الجامع الأزهر الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، الصديق الوثيق واللصيق بفرنسيس، والذي وقّع معه على وثيقة الأخوة الإنسانية في فبراير (شباط) 2019، فقد نشر تغريدة على "تويتر" عبر فيها عن أمنياته "لأخيه العزيز"، بالشفاء العاجل الذي سيعيده إلى مهمته لأجل البشرية.

لم يتوانَ حاخام روما الأكبر، ريكاردو سينيي، عن دعم فرنسيس، وقد غرد بدوره قائلاً: "أفضل أمنياتي بالشفاء العاجل للبابا الذي عليه أن يواجه عملية صعبة".

أما الرئاسات الدينية غير الكاثوليكية، والتي فتح لها فرنسيس في سنوات بابويته مسارات ومساقات من الحوار المسكوني والأخوي، فقد عبر عنها بطريرك القسطنطينية المسكونية برتلماوس الأول، والذي بعث رسالة للبابا فرنسيس يؤكد فيها صلاته وانتظاره مواصلة العمل معاً في طريق الوحدة والشراكة الروحية.

يعن لنا أن نتساءل: ما الذي جعل من فرنسيس ظاهرة عالمية، بأكثر من كونه بابا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية؟ وما الذي جعله قريباً قلبياً من العالم الإسلامي على نحو خاص؟

عن البابا فرنسيس في أعين الآخرين

قبل أن يكمل البابا فرنسيس عامه الأول في منصب البابوية الروحي، والمدني في الوقت ذاته، كانت مجلة "تايم" الأميركية الشهيرة تختار فرنسيس رجل العام، معتبرة أنه خلال تسعة أشهر أمضاها على رأس الكنيسة الكاثوليكية، أصبح صوتاً جديداً للضمير.

في ذلك الوقت، قالت مديرة تحرير المجلة "نانسي غيبس"، إنه "نادراً ما اجتذبت شخصية جديدة على الساحة العالمية مثل هذا الاهتمام بهذه السرعة من الشبان والمسنين والمؤمنين وغير المؤمنين".

وبمرور عام على حبريته أضحى فرنسيس نجماً على "تويتر"، ووسائل إعلام إلكترونية أخرى، وباتت شعبيته تضاهي تلك التي يتمتع بها الزعماء العالميون، بحسب ما أشارت إليه دراسة أميركية صادرة عن "مركز بيو" للأبحاث، أحد أهم المراكز البحثية الأميركية ذات الموضوعية والموثوقية العالية.

تم ذكر البابا في نحو 8 ملايين تغريدة ما بين تعيينه في 13 مارس (آذار) 2013، ونهاية يناير (كانون الثاني) 2014، بحسب قراءة "مركز بيو"، الذي حلل التغطية الإعلامية للحبر الأعظم بمناسبة مرور عام على انتخابه.

وقد أظهر تحليل آخر شمل 25 موقعاً إخبارياً أميركياً شهيراً، من أن البابا قد ذكر نحو 48 ألف مرة عبر شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية.

ولعله يعد أول بابا وثيق الصلة بعالم وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد افتتح لنفسه حساباً على "تويتر"، وصار من أصحاب أعلى الأرقام متابعة؛ إذ بينت إحصاءات موقعTwiplomacy ، وهو موقع يرصد نشاطات قادة العالم على تويتر، أن هناك أكثر من 35 مليون متابع لحساب البابا من أنحاء العالم كله، فضلاً عن أن لديه حساباً على تطبيق "إنستغرام"، دشنه في 19 مارس (آذار) 2015، تخطى متابعوه أربعة ملايين شخص.

ما الذي يجعل فرنسيس مهماً للعالم على هذا النحو؟

الجواب نجده عند البروفسور الجامعي ومستشار أمانة سر التواصل في الفاتيكان، "باولو بيفيريني"، وعنده أن "البابا قادر على تغذية مناقشة ما حول مسائل معقدة تمثل اهتماماً كبيراً". ويضيف، أن "مسألة التغريدات مثيرة للاهتمام؛ لأن معظم رسائل البابا تولد تفاعلات، مما يشير إلى أن محتوى ما يغرد به يعد مقنعاً، ويتسبب بمناقشة تثير الاهتمام".

ويبقى السؤال: لماذا يتجاوز فرنسيس في حاضرات أيامنا كبار زعماء العالم من فلاديمير بوتين، مروراً بباراك أوباما، وهيلاري كلينتون، وصولاً إلى دونالد ترمب؟

المؤكد أن فرنسيس حرك المياه الراكدة في ساحة الفاتيكان وأطلق موجة غير مسبوقة من الإعجاب بشخصه، سواء بين المؤمنين أم غير المؤمنين، فما من مرة ظهر من شرفة القصر الرسولي المطلة على ساحة القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان إلا وكانت مكتظةً بالبشر إلى درجة الاختناق.

يتناول عالم الاجتماع الإيطالي ماسيمو أنتروفينيني في تصريح لموقع "فاتيكان إنسايدر"، ظاهرة فرنسيس، وكيف أنها أحدثت حركة تقارب بين المسيحيين في إيطاليا تحديداً، وبين الكنيسة على نحو يفوق الوصف.

لم تكن تأثيرات شخصية فرنسيس لتتوقف عند الداخل الإيطالي، فقد نقل الخبير في الشؤون الفاتيكانية في صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، كلمة جميلة عن الكاردينال تيموتاوس دولان، رئيس أساقفة نيويورك، قال فيها: "لو تسلمت دولاراً واحداً من كل نيويوركي، قال لي إلى أي مدى يحب الأب الأقدس الحالي، لتمكنت من دفع الفاتورة الباهظة لترميم كاتدرائية القديس باتريك".

كان ذلك في نهاية عام 2013، عام اختياره للبابوية، ما يعني أن فكرة شهر العسل التقليدية مع البابا الجديد، قد تجاوزت المشهد إلى نحو عام، وستثبت الأحداث لاحقاً، أنها موصولة حتى الساعة... هل من علاقة خاصة جرت بها المقادير بين فرنسيس والعالم الإسلامي؟

فرنسيس المحبوب من العالم الإسلامي

كان عام 2013، حين وصل فرنسيس إلى السدة البطرسية عاماً مغايراً؛ إذ سيقدر للرجل ذي الرداء الأبيض أن يضحى الأكثر ترحيباً والأعظم تقديراً في العالمين العربي والإسلامي، ربما لتواضعه وسعيه الخلاق لإقامة الجسور بين البشر، والعمل من ثم على إزالة الحواجز من الطرقات بين الجانبين.

ربما كانت بساطة فرنسيس وتواضعه، منذ اللحظات الأولى لإعلان حبريته، طريقه لا لقلوب الأوروبيين فقط، بل للشرق أوسطيين كذلك، وبدا كأن هناك صحوة في أوروبا ترفض العقلانية الجافة المسطحة التي تستبعد الدين كلياً من الحياة، بحجة أنه ظلاميات. وفي الشرق استيقظ العالم الإسلامي على حتمية مجابهة الأصوليات القاتلة ومواجهتها، تلك التي تكفر الآخرين وتدعو إلى ذبحهم جهاراً نهاراً.

وجد العالم الإسلامي في الاسم الذي اختاره البابا رمزاً ودلالة لرجل سلام؛ فقد اختار الاسم تيمناً بسميّه فرنسيس الأسيزي الذي كتب العالم الإسلامي اسمه بحروف من نور؛ ذلك لأنه كان صرخة مسيحية حقيقية في وجه الحروب الصليبية، وقدر له أن يرفضها في زيارته لمصر في يونيو (حزيران) 1219، حين التقى السلطان الكامل ابن الملك العادل الأيوبي، الذي قربه إليه، فأقام عنده أياماً غير قليلة، وجرت بينهما حوارات كثيرة؛ وبذلك كان فرنسيس الأسيزي أول من أسس للحوار الإسلامي المسيحي قبل ثمانية قرون.

فهم العالم الإسلامي، ولا سيما أكاديميوه ومثقفوه، دون أدنى شك، الرسالة من وراء الاسم؛ وفي اللقاء الأول له مع الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لدى حاضرة الفتيكان، كشف الحبر الروماني عن رغبته في تكثيف الحوار مع المسلمين من أجل بناء جسور معهم متعهداً بدعم العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية وباقي الأديان الأخرى، ولا سيما الإسلام.

في ذلك اللقاء، تحدث البابا بالقول: "من المهم تكثيف الوصول إلى معتنقي الأديان الأخرى، لكي لا تسود الخلافات التي تضرنا، بل تسود الرغبة في بناء علاقات حقيقية من الصداقة بين جميع الشعوب مع تباينهم، ولا سيما أنه من غير الممكن إقامة علاقات حقيقية مع الله تعالى في ظل تجاهل الآخرين"، ومن ثم – على حد تعبير البابا - هناك ضرورة ملحة لـ"تكثيف الحوار بين مختلف أتباع الأديان، وبالأخص إجراء حوار مع الإسلام والمسلمين".

كان السؤال المؤلم الذي وجه للبابا عقب جريمة القتل الوحشية التي ارتكبت بحق الكاهن الفرنسي، جاك هاميل، كالتالي: "لقد قلتم لنا إن كل الأديان تسعى إلى السلام، لكنه قتل باسم السلام... لِمَ لا تأتي أبداً على ذكر كلمة إسلام لدى حديثكم عن الإرهاب".

كان جواب فرنسيس على النحو التالي: إنني لا أحب التحدث عن عنف مسلم، لأنني أقرأ عن العنف يومياً عندما أتصفح الجرائد هنا في إيطاليا... إنكم تقرؤون عن شخص قتل صديقته أو حماته، هؤلاء هم كاثوليك معمدون عنيفون... إذا تحدثت عن العنف المسلم، هل يجب أن أتحدث أيضاً عن العنف الكاثوليكي؟".

في ذلك اليوم، أضاف البابا: "ليس كل المسلمين عنيفين، الأمر الذي يبدو قريب الشبه بسلطة فواكه، تجدون بعض الأشخاص العنيفين في كل الأديان، الأمر المؤكد هو أن هناك دوماً مجموعة صغيرة من المتطرفين في كل دين".

فرنسيس بابا إصلاح قلب الكنيسة

لماذا مثل فرنسيس كذلك أهمية خاصة داخل المؤسسة الفاتيكانية خلال السنوات الثماني الماضية؟

في حوار له مع مجلة "تشيفلتا كاتوليكا"، أو "الحضارة الكاثوليكية"، في 15 فبراير (شباط) 2018، وقد أجراه معه الأب "أنطونيو سبادارو"، رئيس التحرير، قال البابا فرنسيس: "إن في الكنيسة، هناك بعض المقاومة التي تأتي من أناس يعتقدون أنهم يمتلكون العقيدة الحقيقية، ويتهمونك بالهرطقة". وأضاف الحبر الأعظم، "أنا أشعر بالأسف لأجل هؤلاء الأشخاص، لكن هذا الشعور لن يوقفني، لأجل سلامتي النفسية"... هل يمكن للمرء أن يطلق على رغبة فرنسيس في تغيير بعض الأمور في داخل الفاتيكان أنه بابا مصلح وإصلاحي بالمعنى الإيجابي والخلاق، أي الإصلاح الذي يقود إلى مزيد من البناء، لا ذاك الذي تعمل فيه معاول الهدم؟

بعد تسعة أشهر من جلوسه سعيداً على كرسي مار بطرس، تساءلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها بالقول: "هل بدأ البابا فرنسيس عملية الإصلاح وراء أسوار الفاتيكان"؟

بدأ فرنسيس إصلاحاً طموحاً هادئاً للإدارة الفاتيكانية من حوله، فقد أحاط نفسه بداية بمجلس استشاري مكون من ثمانية كرادلة، وشكل لجاناً خاصة بالأمور المالية لحاضرة الفاتيكان، وقد ازدادت شعبيته بسبب رفضه مظاهر الترف واحتفالات التكريم الدنيوية، وبسبب تصرفاته الودودة التي خلدتها صور جابت الكرة الأرضية، وبسبب عباراته القوية حول المغفرة للجميع وعدم إدانة الآخرين.

ويبقى السؤال: كيف عمد البابا فرنسيس إلى إصلاح الكنيسة الرومانية الكاثوليكية؟

أفضل جواب نجده لدى الأسقف ألبانو مارسيلو سيميرارو، الذي خدم كأمين سر مجلس الكرادلة؛ وذلك في حواره مع مجلة ILRegno الشهرية الكاثوليكية الإيطالية في 19 سبتمبر (أيلول) 2016، حيث قيم الأسقف سيميرارو عمل مجلس الكرادلة، وفيه قدم المعايير التي أرشدت مجلس الكرادلة إلى إصلاحه المقترح للكوريا الرومانية، أي حكومة حاضرة الفاتيكان.

ويبدو أن الركائز الأساسية، والمفاهيم المحورية لعملية الإصلاح تلك، نلمسها في بعض الكلمات مثل "الاهتداء الرعوي"، و"اللامركزية" و"الفرعية"، ما يعني أن إصلاح شؤون الكوريا الرومانية جارٍ في مرونة غير اعتيادية، وذلك فيما يخص الإدارة الجديدة للأقسام الفاتيكانية المعروفة بالمديريات، وتتم الموافقة على أحدث قوانين المديريات على أساس تجريبي، ومن دون مهلة زمنية، ما يسمح بالتعديلات والتحسينات عند اللزوم.

ذات مرة وجّه فريق صحيفة "غارديان" البريطانية الشهيرة سؤالاً إلى الأب "فيدريكو لومباردي"، الذي عمل طويلاً في منصب المتحدث الرسمي لحاضرة الفاتيكان، عما يبدو عليه البابا فرنسيس، فأجاب وهو يجلس على كرسيه الدوار قائلاً: "إنه بركان؛ فتلك الديناميكية لا يتوقعها أحد، حتى البابا نفسه، إنه مبدع ولديه العديد من المبادرات".

نقل فرنسيس الفاتيكان من عالم الروايات والأساطير إلى واقع الإنسان الحي بآلامه وآماله، وهمومه وأحلامه، وأشواقه وأحزانه، وأفراحه ومعاناته؛ فقد أطلق على سبيل المثال "عام الرحمة المقدس"، في كاتدرائية بانغوي بجمهورية أفريقيا الوسطى، وليس من روما، وتلا ذلك استقبال أحد عشر مهاجراً سورياً من جزيرة لسبوس، ناهيك بذكر المؤتمرات الصحافية المفتوحة التي يقيمها، وتنشيط مجلس الأساقفة الذي يعمل على تفويض السلطة إلى الأقاليم، وأيضاً مجلس مستشاري الكاردينال المكلف إصلاح الإدارة البابوية، وقد وصف لومباردي فرنسيس بـ"الديناميكية" 12 مرة خلال ساعة.

هل يمكن أن يوصف فرنسيس بأنه بابا إصلاحي؟

يجيب لومباردي بينما يضم كفي يديه كأنه يحيط بهما مدينة صغيرة: "لنقل إنه أمدنا بقوة دفع كبيرة كي يضعنا على الطريق؛ أليس كذلك؟ فعندما يتحدث عن "خروج الكنيسة"، فهو يعني بذلك كنيسة ليست قابعة داخل الجدران لتدافع عن نفسها وتحمي مرجعيتها الذاتية". ويضيف قائلاً: "إن هذا على وجه التحديد هو الشعور الذي أمدّنا به؛ فالكنيسة تسير على الطريق، وحسب ذلك الشعور الذي ينتابني يمكنني قبول تعريفه بالإصلاحي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن مستقبل بابوية فرنسيس ومرضه

ولعل التساؤل الذي يراود أذهان الملايين حول العالم: ما هو مستقبل بابوية فرنسيس، لا سيما بعد العملية الجراحية الأخيرة؟

الشاهد أنه وقت كتابة هذه السطور كانت البيانات الصادرة عن الكرسي الرسولي تشير إلى تحسن مستمر في صحة البابا بعد العملية، لكن ذلك لم يمنع الإعلام الدولي من التساؤل عن تأثير تلك التطورات على صحة الحبر الأعظم ومستقبل بابويته، وهناك من ربط بين هذا المستقبل، وبين تصريحات سابقة لفرنسيس في عام 2015 لمح فيها إلى احتمال تخليه عن منصبه قائلاً: "إن استقالة سلفه بندكتوس السادس عشر يجب ألا تعتبر استثناءً، بل أن تكون ممارسة مؤسسية"، مشيراً إلى أنه قد يسير على النهج ذاته.

وفي مقابلة تلفزيونية لاحقة قال فرنسيس: "لديّ إحساس بأن بابويتي ستكون قصيرة، أربع أو خمس سنوات لا أدري، بل حتى سنتين أو ثلاث سنوات". وأضاف، "إن الرب وضعني هنا فترة قصيرة، ولا شيء أكثر من ذلك".

وتبقى الأسئلة مفتوحة عن الترتيبات التي أعدها فرنسيس للبابوية المقبلة، والتغيرات التي أدخلها، والكرادلة الجدد الذين عيّنهم، ومنهم سيتم اختيار البابا القادم، وكيفية إجراء الانتخابات، كل هذا في جانب، وهناك مفارقة أخرى لم تحدث من قبل في تاريخ البابوية، وهي وجود بابا سابق على قيد الحياة، سلفه البابا الشرفي بندكتوس السادس عشر.

المزيد من تقارير