Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنوب السودان... التحديات الخطيرة تهدده بعد عشر سنوات على قيام الدولة

شهدت البلاد فترة من الصراع وعدم الاستقرار خلقت أزمة أمن غذائي حادة يعاني منها 7.2 مليون نسمة وأدت إلى حركة نزوح داخلي تم خلالها تشريد 1.62 مليون شخص في أنحاء البلاد

امرأة من جماعة "مورلي" العرقية تقف في محلها الذي كانت تبيع فيه الشاي بعد ما تم تدميره من قبل مسلحين (أ ف ب/غيتي)

 طغت الحرب الأهلية والعنف القبلي على السنوات العشر الأولى التي عاشتها جنوب السودان كدولة مستقلة، وهو وضع مختلف كل الاختلاف عما كان يوحي به التفاؤل السائد أيام تأسيس الدولة الجديدة. فهي كانت قبل عقد من الزمن أحدث دولة في العالم، مزهوة تحتفي بنجاحها في تحقيق الرغبة التي طالما سعت إليها بنيل الحكم الذاتي، في أعقاب انفصالها عن الخرطوم. هكذا تدفق آلاف السودانيين الجنوبيين في الثانية عشرة من ليل 9 يوليو (تموز) 2011 إلى شوارع العاصمة جوبا للاحتفال ببلادهم التي كانت قد أبصرت النور، رسمياً، للتو.

وكان الانفصال عن الشمال قد حصل بعد ستة أشهر من إجراء استفتاء الاستقلال في الجنوب، الذي أسفر عن تأييد ساحق لقيام دولة مستقلة زادت نسبته على 98 في المئة من عدد الأصوات الإجمالي.

 تتذكر نياغواه توت بور، التي كانت تعيش مع عائلتها السودانية الجنوبية في كينيا حينذاك، الأحاسيس التي انتابتها في ذلك الوقت قائلة "كانت مشاعر البهجة والأمل التي انتابتنا غير مسبوقة. لا أعتقد أنني شعرت في حياتي بمثل الإثارة والفرحة التي غمرتني حينذاك".

لم تترعرع توت بور في جنوب السودان. إلا أنها مع ذلك كانت تعرف قصة النضال الذي خاضته بلادها من أجل الحرية، معرفة وثيقة. ولم تكن في ذلك مختلفة عن كثيرين من مواطنيها، فهي تذكر أن "العديد من السودانيين الجنوبيين اعتقدوا أنهم جزء من حركة النضال التحرري في البلاد، لا سيما أن هذا النضال كان الموضوع الوحيد الذي تركزت عليه الأحاديث في بيوتنا".

 وسرعان ما توجهت الشابة إلى بلادها حين آن الأوان، عائدة من الشتات شأنها شأن كثيرين من السودانيين الجنوبيين، وذلك انطلاقاً من حرصها على مساعدة الدولة الجديدة على الوقوف على قدميها. وإذ عملت في البداية كمساعدة قانونية في وزارة العدل، فهي مضت لتصبح منسقة الدفاع في الجمعية القانونية في جنوب السودان، وهي من منظمات المجتمع المدني في البلاد.

 غير أن الأمور بدأت تأخذ منحى سيئاً بسرعة مع اشتداد التنافس على السلطة بين أعضاء النخبة. وبلغ الخلاف ذروته حين قرر سلفا كير، رئيس جنوب السودان إقالة ريك مشار، نائب الرئيس، وبقية أعضاء حكومته في عام 2013. واتهم كير لاحقاً مشار وآخرين بالتخطيط لانقلاب ضده.

 لم يمض وقت طويل حتى اندلعت الحرب الأهلية في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، وذلك حين انقسم حزب "الحركة الشعبية لتحرير السودان" ( أس بي أل أم) الحاكم. وأسفر القتال عن سقوط 400 ألف قتيل، وتشريد الملايين من بيوتهم. وشهدت البلاد وقوع مذابح، كما عانت من المجاعة.

 تتذكر توت بور، التي تعمل حالياً باحثة لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الأفكار التي كانت سائدة من حولها عندما بدأت الأعمال العدائية بين المتحاربين. وتشير إلى أنه "كان الإحساس في أول شهرين أن التوتر سيخبو وستمر الأزمة. إلا أنه أخذ يتفاقم وبات أكثر وحشية بكثير، وأشد تعقيداً بكثير إلى درجة باتت معها معالجته متعذرة. وصارت الإساءات أشد وطأة وصادمة أكثر".

وفي نهاية المطاف، أجريت مفاوضات مطولة بين الجانبين كما تم التوصل لوقف إطلاق مرات عدة، فكلما أُعلنت هدنة كان المتحاربون يعمدون إلى خرقها. ثم وقع اتفاق سلام بين كير ومشار في عام 2018، ما أدى إلى البدء في اتخاذ إجراءات تقاسم السلطة في فبراير (شباط) 2020.

 ويواصل جنوب السودان كفاحه مع أن هذه الحكومة قد صمدت حتى الآن. شهدت البلاد فترة من الصراع وعدم الاستقرار خلقت أزمة أمن غذائي حادة يعاني منها 7.2 مليون نسمة، وأدت إلى حركة نزوح داخلي تم خلالها تشريد 1.62 مليون شخص في أنحاء البلاد، فيما تحول 2.3 مليون آخرين إلى لاجئين يعيشون في المنفى، وفقاً للبيانات التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة.

 ويعتقد جوشوا كريز، وهو باحث وكاتب مهتم بجنوب السودان، أن اتفاق عام 2018 قد أخفى بعض جوانب الواقع الملموس على الأرض، حيث العنف منتشر في ولايات مثل جونغلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

 ويقول لصحيفة "اندبندنت" "كان هناك ارتفاع في مستوى العنف على أساس سنوي منذ إبرام اتفاق السلام. وقد أعيد تصنيفه كعنف طائفي، الأمر الذي يتيح للمجتمع الدولي أن يدعي أن تلك المناوشات ليست سياسية وأن اتفاق السلام لا يزال صامداً".

 في هذه الأثناء، تتفق المنظمات غير الحكومية على أن مشاكل البلاد عميقة الجذور. فقد أشار تقرير أخير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن جنوب السودان كان يعاني في العام الماضي من "صراع، وانتهاكات قوى الأمن، وتمادي البعض في الإفلات من العقاب، وعدم احترام سيادة القانون".

 ويذكر آلان بوسويل، وهو كبير المحللين المتخصصين في جنوب السودان لدى "مجموعة الأزمات" لصحيفة "اندبندنت" أنه كانت هناك مشكلة تتمثل في عقلية أولئك الموجودين في السلطة قبل عشر سنوات. ولم يكن حينذاك أعضاء النخبة في الدولة الوليدة حديثاً مستعدين للتعامل مع هذا الكم من التحديات التي ستواجههم بعد عشر سنوات أخرى، في رأيه.

 ويقول بوسويل، في إشارة إلى الاستقلال، "كان هناك شعور بأن هذه هي الوجهة. لا أعتقد أنه كان هناك إحساس بكيفية بناء دولة أو بمشقة الطريق الذي ينتظرهم ووعورته. لقد شعروا أن الجزء الأصعب قد تم تجاوزه سلفاً".

خلاف الحكومة النفطي مع الخرطوم كان من الصعوبات المبكرة التي واجهتها. فقد فشل البلدان بعد ولادة الدولة الانفصالية في التوصل إلى اتفاق حول الرسوم التي على جنوب السودان دفعها للخرطوم لقاء السماح له بضخ نفطه عبر الحدود إلى السوق الدولية. وإذ أرادت جوبا التعبير عن احتجاجها على موقف الخرطوم، فهي توقفت عن إنتاج النفط وبقيت مضخاتها عاطلة لأكثر من عام، الأمر الذي أدى إلى هبوط كبير في الدخل القومي واضطرارها إلى الاقتراض على نطاق واسع.

 ولم تلبث الحرب الأهلية أن نشبت بعد وقت قصير. ويرد بوسويل ذلك إلى فشل النخبة في فهم التركيبة الهشة لبلادهم الجديدة، مع أنه يعتقد أن الحرب لم تكن "حتمية".  ويضيف "لا أظن أنهم قدروا مدى هشاشة الوضع، وكيف يمكن أن ينهار بيت الورق بسهولة. كان هناك نوع من الغطرسة في ما فعلوه".

وأدى القتال إلى "إعادة تقسيم البلاد إلى أجزاء صغيرة"، بينما انهمكت المجموعات الإثنية والمجتمعية في التسابق مع بعضها بعضاً على التسلح، كما يرى بوسويل. ويمكن القول من دون المجازفة بمجافاة الحقيقة، إن هذا الوضع كان مهيأ للاشتعال كما كانت الصراعات تختمر استعداداً لاندلاعها في المستقبل.

 لكن لئن كان العقد الأول في حياة دولة جنوب السودان قاسياً من دون شك، فهل يمكن للسنوات العشر المقبلة أن تفتح الباب على طريق يفضي إلى السلام والاستقرار؟

يرى كريز أن الإجابة المرجحة هي بالنفي. ويوضح أن جنوب السودان لن يشهد كثيراً من التغيير، إذ "سيستمر المجتمع الدولي في المستقبل على الأغلب بإضفاء الشرعية على نخبة يائسة بشكل متزايد، تشتبك على نحو عنيف مع بعضها بعضاً بين وقت وآخر، وتتمتع بشرعية محدودة في بقية أراضي البلاد".

 أما توت بور فتلفت بدورها إلى أن المستقبل "لن يكون عبارة عن فراشات وزهور [وردياً ومزدهراً]"، في محاولة لتوصيف الحالة في عام 2031. غير أنها تأمل في أن يتراجع العنف بحيث يصبح من الممكن الالتفات إلى أفضل الطرق الممكنة لتحقيق تغيير اجتماعي. وتشير إلى أن بلوغ هذا الهدف يتطلب معالجة "العجز في الثقة" بين القادة والمجتمعات في أنحاء البلاد. ويرى البعض أن الجيل الشاب في البلاد يمكن أن يوفر الحلول، بمجرد أن يموت أعضاء الحرس القديم أو يغادروا مواقعهم. وتعرب توت بور عن اعتقادها أن هذه الفكرة مغرقة في التبسيط باعتبار أن كلاً من التركيبتين السكانيتين تتأثران بالانقسامات العرقية والسياسية ذاتها. ولكنها تظن أنه لا ينبغي أن يكون الوضع كذلك دائماً. وتردف "ربما سيرث جيل أحفادي بلداً مختلفاً وأفضل من هذا".

 وترى توت بور أن الحاجة تدعو إلى وضع حد للفساد والكف عن الاعتماد على المساعدات الدولية. واللافت أن جزءاً كبيراً من ميزانية الحكومة السنوية يجري إنفاقه حالياً على قطاع الأمن، بينما تخصص نسبة ضئيلة منها للتعليم والصحة، الأمر الذي يتطلب من المنظمات غير الحكومية ملء الفراغ.

  وتختم الباحثة  بالقول إن "وضع حد للتعويل على المساعدات يبدأ بضمان وضع [إنفاق] الثروة النفطية في الأماكن الصحيحة وإعادة استثمارها في الدوائر الأهلية المجتمعية بدلاً من أن تختفي عائداتها في أروقة البنك المركزي ووزارة المالية وشركات النفط".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات