Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نظام الحصانات" في لبنان يحمي المدعى عليهم في انفجار المرفأ

"الطبقة السياسية مستشرسة بالدفاع عن نفسها وتخشى من أن يؤدي سقوط أحد مكوناتها إلى توالي انهيارها"

من الواضح أن مهمة المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، ستكون معبدة بالألغام والعوائق السياسية. فبعد ادعائه على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وعدد من الوزراء السابقين ونواب حاليين، إضافة إلى مسؤولين أمنيين، بدأت قضية "الحصانات" و"الأذونات" المسار القضائي الذي سبق أن رسمه سلفه القاضي فادي صوان قبل ثنيه في ظروف غامضة، واستكمله القاضي بيطار بعد أشهر من المراجعات والاستماع إلى الشهود والخبراء.

والتهم التي يرتكز عليها القاضي بيطار في ادعاءاته هي، "جناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل"، إضافة إلى "جنحة الإهمال والتقصير"، كونه توصل إلى قناعة أن جميع هؤلاء كانوا على دراية بوجود مادة "النيترات" في المرفأ، ولم يتخذوا إجراءات جدية تجنب خطر الانفجار، إضافة إلى الشكوك حول اختفاء كمية كبيرة من تلك المواد خلال السنوات التي سبقت الانفجار.

اجتماع البرلمان

وعُقد يوم الجمعة 9 يوليو (تموز)، اجتماع في مقر إقامة رئيس البرلمان اللبناني، لبحث رفع الحصانة عن ثلاثة نواب، تمهيداً للادعاء عليهم في قضية تفجير مرفأ بيروت. انتهى إلى مطالبة القضاء بتزويد مجلس النواب بأدلة "تثبت الشبهات" على المدعوين للاستجواب، وفق ما أفاد نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي.
وإثر اجتماع عقدته هيئة مكتب البرلمان مع لجنة الإدارة والعدل النيابية في مقر رئيس البرلمان نبيه بري، قال الفرزلي لصحافيين، إن الاجتماع انتهى "بوجوب طلب خلاصة عن الأدلة الواردة بالتحقيق، وجميع المستندات والأوراق التي من شأنها إثبات الشبهات، للتأكد من حيثيات الملاحقة". وأضاف أن اجتماعاً آخر سيُعقد "فور تزويدنا بالجواب المطلوب" من القاضي بيطار، لاستكمال البحث وإعداد تقرير يُرفع إلى البرلمان تمهيداً لبتّ طلب رفع الحصانة.
وفي تعليق على ما توصل إليه اجتماع عين التينة، قال المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، وهي منظمة غير قانونية تُعنى بشرح القوانين، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن طلب البرلمان هو "تعد على فصل السلطات ومحاولة للحلول مكان القضاء". وأكد صاغية أن في الطلب "خرقاً لسرية التحقيق" إذ إنه "ليس مطلوباً من النواب أن يدققوا في مدى صحة الدعوى ضدهم. إنه مس بالفصل بين السلطات".

وقفة أهالي الضحايا

وتزامناً مع انعقاد الاجتماع، تصدر وسم "أسقطوا الحصانات الآن" موقع "تويتر"، بينما نفذ أهالي ضحايا المرفأ وقفة احتجاجية قرب مقر بري، تخللها تدافع مع القوى الأمنية التي منعت اقترابهم من مكان الاجتماع.
وقال إبراهيم حطيط، وهو متحدث باسم أهالي الضحايا، لصحافيين "يجب رفع الحصانات فوراً"، واصفاً ما يجري بـ"المعيب جداً أمام حجم الجريمة". وأضاف "جئنا نسمعهم أصواتنا ونقول لهم نحن موجوعون. 11 شهراً مرت حتى يفكروا بأخذ قرار؟".
بعدها، انتقل الأهالي إلى مقر وزارة الداخلية في شارع الحمرا في بيروت، احتجاجاً على مضمون تقارير إعلامية محلية أفادت، أن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمّد فهمي امتنع عن منح بيطار الإذن لملاحقة المدير العام لقوى الأمن العام عباس إبراهيم في القضية ذاتها.
ولم يصدر أي تأكيد أو نفي عن مكتب فهمي، فيما أكد إبراهيم في بيان الجمعة، أنه "تحت سقف القانون"، داعياً في الوقت ذاته إلى العمل "بعيداً من الحسابات السياسية الضيقة أو الاستثمار السياسي".

منع الملاحقة

وكان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، أكد رفضه إعطاء الإذن بملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وقال "بعدما اطلعت على الوقائع في الدائرة القانونية التابعة لوزارة الداخلية، تبين أن مهمة الأمن العام على المنافذ الحدودية هي تأمين دخول وخروج الأفراد، إضافة إلى جمع المعلومات ورفعها إلى السلطات المعنية". ولفت إلى أنه في اللحظة التي باتت فيها مسألة "النيترات" التي تم إدخالها إلى مرفأ بيروت على متن الباخرة "روسوس"، قضية، تم وضع يد القضاء عليها، بالتالي لم تعد مسؤولية الأجهزة الأمنية، لا سيما جهاز الأمن العام.

وشدد فهمي على أن سلطة القانون فوق الجميع، وأنه قبل أن يتخذ قراره برفض ملاحقة إبراهيم، استشار عدداً من الخبراء القانونيين، إضافة إلى رأي الدائرة القانونية في وزارته، مشيراً إلى أنه سبق له أن مثل في وقت سابق أمام المدعي العام التمييزي، في وقت كان يستطيع التذرع بالحصانة الوزارية حينها.

فيتو آخر

 تشير المعلومات إلى أن رفض وزير الداخلية ملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ينسحب أيضاً على وضعية قائد جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا المُدعى عليه أيضاً من قبل القاضي بيطار، إذ سبق أن طلب من رئاسة الحكومة، إعطاء الإذن لاستجوابه كمُدعى عليه.

ووفق المعلومات، فإن رئاسة الحكومة لن تعطي الأذن بملاحقة صليبا، مستندة إلى ذريعة وحدة المعايير التي يجب أن تطبق على الجميع، معللة أن المديرية العامة لأمن الدولة راسلت القضاء أكثر من مرة بشأن وجود مادة "النيترات" في العنبر رقم 12 قبيل انفجاره، وأن الجهاز لم يكن لديه تواجد في مرفأ بيروت قبل بداية عام 2019.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسار آخر

في المقابل، أشار المحامي بالاستئناف جورج خوري، إلى أنه على الرغم من أن المادة 61 من قانون نظام الموظفين تحظر على القضاء ملاحقة أي موظف بسبب جرم ناشئ عن وظيفته، إلا بعد الحصول على إذن من الإدارة المنتسب إليها الموظف، هناك مسلك قانوني آخر يمكنه اعتماده بعد رفض الوزير فهمي ملاحقة اللواء إبراهيم، إذ يستطيع إحالة طلب إذن الملاحقة إلى النيابة العامة التمييزية، التي بدورها تحيله إلى وزارة الداخلية لإعطاء الإذن خلال 15 يوماً التي تلي ورود الطلب إلى الوزارة، أن يعطي قراره بهذا الموضوع، ويجب أن يكون الرد معللاً بأسباب قانونية أو عيب في التسلسل الإداري، وإذا لم يُعطِ الوزير قراره خلال هذه المدة يُعتبر أن هناك موافقة ضمنية، بالتالي وفي حال رفض وزير الداخلية إعطاء هذا الإذن، تحيل حينها النيابة العامة التمييزية هذا الملف إلى النائب العام لمحكمة التمييز، لبت هذا الموضوع، وإذا لم يعطِ هو الأخير قراره خلال مدة 15 يوماً أيضاً، تعد موافقة ضمنية منه، أي إن الإذن يكون قد أعطي بالملاحقة.

وأشار إلى أنه في حال عدم تجاوب النيابة العامة التمييزية، ورفض النائب العام لمحكمة التمييز إعطاء الإذن بالملاحقة، فعندها تتوقف الملاحقة بحق الموظفين، لأن المادة 61 في بدايتها تنص على أنه لا يجوز ملاحقة الموظف إلا بعد أخذ الإذن من الإدارة، بالتالي لا تجوز الملاحقة.

"خيانة" الضحايا

 على الرغم من الحماية السياسية التي حظي بها المسؤولون الأمنيون، لاقت خطوة القاضي بيطار تجاوباً من بعض المشمولين في القضية. فأعلن كل من النواب نهاد المشنوق، وعلي حسن خليل، وغازي زعيتر استعدادهم للمثول أمامه والإجابة عن كل أسئلته.

وطالب أهالي ضحايا المرفأ، موافقة السياسيين على طلبات القضاء برفع الحصانة عن محامين ونواب ورؤساء أجهزة أمنية حاليين وسابقين في قضية مجزرة المرفأ، وطالبوا في بيان، "السلطات المعنية كافة بأن تستجيب لهذه الطلبات من دون أي تلكؤ أو تباطؤ، تمكيناً للقاضي بيطار من إنجاز مهمته في جلاء الحقيقة وتحقيق العدالة"، محذرين من أي تلكؤ أو إخلال من أي جهة أتى، وتحت أي ذريعة كانت، تعتبره عرقلة للتحقيق ومسعى لتضليل العدالة وخيانة لأرواح الأبرياء الذين سقطوا.

في حين اعتبر مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم في بيان نقله محاموه، أن هناك حملة مشبوهة تستهدف ضرب إنجازاته ودوره الوطني، مؤكدين أن "أكبر جريمة بحق الضحايا وعائلاتهم هي رمي الاتهامات جزافاً، تنفيذاً لمآرب سياسية وإقصاء لرجال مؤسسات".

اغتيال العدالة

من ناحيته، أكد نائب في لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي (رفض كشف اسمه)، أن التستر بالأذونات والحصانات، هو اغتيال جديد للعدالة في لبنان، مشيراً إلى أن "المذنب وحده يخاف المواجهة"، وأضاف أنه أمام المجزرة التي حصلت بانفجار المرفأ كان على السياسيين والأمنيين من دون استثناء، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، وضع أنفسهم في تصرف القضاء، ورفع الحصانة تلقائياً عن أنفسهم.

وكشف أنه منذ اللحظة الأولى بدأ المدعى عليهم الاحتماء بمرجعياتهم الدينية والسياسية، مشيراً إلى كلام أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله الذي وجه انتقادات علنية على خلفية استدعاءات القاضي بيطار، مضيفاً "هذا الكلام فهم أنه فيتو شيعي على استدعاء اللواء إبراهيم، في حين برز حراك واضح في رئاسة الجمهورية لحماية اللواء صليبا".

وقال "إعلان بعض النواب استعدادهم للمثول أمام المحقق العدلي مجرد من أي قيمة فعلية، كونهم يدركون مسبقاً أنه لا يمكن للنواب أن يستغنوا عن حصانتهم، أو أن يرفعوها عن أنفسهم من دون انتظار قرار المجلس"، مضيفاً أن "العواصم الغربية تترقب كيفية تعاطي الطبقة السياسية مع تحقيقات المرفأ، وخصوصاً أن مجموعة كبيرة من النواب كانت قد تقدمت للأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي في انفجار المرفأ"، وأن لديه معلومات حول اتخاذ دول غربية عقوبات بحق المدعى عليهم وعدم مثولهم أمام القضاء.

صدمة وغضب

وفي السياق، تحدث مصدر من أهالي ضحايا المرفأ عن صدمة بين الأهالي على خلفية رفض إعطاء أذونات بملاحقة المسؤولين الأمنيين، واعتبر أن "هناك ضغوطات سياسية كبيرة تعرض لها وزير الداخلية، الذي كان يريد إعطاء إذن الملاحقة قبل أن يتراجع لاحقاً"، وقال إن "الطبقة السياسية مستشرسة بالدفاع عن نفسها، وتخشى أن يؤدي سقوط أحد مكوناتها إلى توالي انهيارها".

وأكد أن الذكرى السنوية الأولى ستكون نقطة اللاعودة في المعركة الشعبية ضد الطبقة الحاكمة، معلناً التنسيق مع مجموعات الانتفاضة لتنظيم حركة احتجاجية ضخمة، وأضاف، "كل محاولات ترهيب المحقق العدلي ستسقط، وسيكون الأهالي الخط الدفاعي الأول عن أي محاولة لطمس الحقيقة".

المزيد من متابعات