بعد هدوء عاصفة انتقاد مسؤول في التأمينات الاجتماعية السعودية تذمّر من موجة للتقاعد المبكر خلال الأعوام الأخيرة تستنزف أموال صندوق التأمينات، في ظل نسبة استقطاعات يراها ضئيلة لا تفي بالتزامات الصندوق للمتقاعدين مستقبلاً، يستعرض مراقبون انتقادات مقابلة حول كفاءة إدارة الاستثمار في التأمينات، مستدلّين بنماذج عالمية ناجحة قد تكون سبباً في هذه الأزمة التي تحدث عنها المسؤول، أم أن نادر الوهيبي، مساعد المحافظ للشؤون التأمينية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، كان محقّاً عندما علّق جرس الإنذار؟
بداية العاصفة
وتتضمّن تصريحات الوهيبي، التي أطلقها في القناة السعودية الرسمية الأربعاء 24 يونيو (حزيران) الماضي، دعوة إلى ضرورة النظر في رفع سن التقاعد المبكر وزيادة نسبة الاستقطاع من رواتب الموظفين، في وقت ذكرت مصادر أن أنظمة التقاعد المبكّر في الجهات الحكومية عُلقت حتى صدور تشريعات جديدة لأنظمة التقاعد في السعودية.
واستخدم المنتقدون "تويتر" منصة لهجومهم الذي استمر لعدة أيام، حيث فاقت التغريدات في الهاشتاغ 150 ألف تغريدة، وبلغت أعداد الوصول إليه نحو ستة ملايين مغرّد، وكان هناك اتجاه عام شبه تام برفض تصريحات الوهيبي، حسب تحليل لمركز القرار للدراسات الإعلامية السعودي.
وتناولت تصريحات الوهيبي وجهين متناقضين لوضع الصندوق في غضون عدة أيام، ففي تصريحات تلفزيونية له في 20 يونيو، أكد دور دمج مؤسستي التقاعد والتأمينات وتوحيد إدارة استثماراتهما في توفير تكاليف الاستثمار ورفع أصول الصندوق الجديد إلى 250 مليار دولار، ليصبح واحداً من أكبر عشرة صناديق تأمينية في العالم، ما يعود بالنفع على معاشات المتقاعدين، مشدّداً في اللقاء ذاته على أن الدمج لن يؤثر في أنظمة التقاعد الحكومي ولا في حجم الاستقطاع من رواتب الموظفين.
عاد بعدها بأربعة أيام اشتكى من استنزاف التقاعد المبكّر أموال صندوق التأمينات مقابل نسبة استقطاع لا تتجاوز تسعة في المئة، ويقول "أعداد المتقاعدين مبكّراً ارتفعت بشكل كبير ويعيشون فترة أطول، فمتوسط سن التقاعد يصل أحيانًا إلى 48 سنة، ويحصلون على معاشات حتى سن 77 سنة، نسبة الاستقطاع حالياً لا تكفي لدفع المعاشات"، منوهاً بأن السياسة الحالية قد تهدّد مستقبلاً كل أموال الصندوق حتى مع زيادة حجم الاستثمارات، وهو ما عدّه مراقبون تناقضاً.
مؤيدون لرأيه
ورغم أن حديثه قد أثار حفيظة كثيرين من الموظفين والمتقاعدين الذين طلبوا منه مراجعة كفاءة إدارة استثمارات الصندوق، بدلاً من التوجّه لزيادة الاستقطاع من الرواتب، كان هناك مؤيدون لرأيه وإن كانت نسبتهم ضئيلة جداً. يقول المحلل الاقتصادي ماجد الميموني "إذا تجاهلنا المفردات المستفزة في حديث الوهيبي التلفزيوني، خصوصاً تطرّقه إلى أعمار المتقاعدين وزيادة متوسطها في الفترة الأخيرة، نجد أنه من المهم أن يتكلم المسؤول بوضوح عن أزمة تهدّد معاشات المتقاعدين مستقبلاً، سعياً لمعالجتها بالطريقة التي تحقق المصلحة العامة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوافقه الرأي الكاتب في الشأن العام، نبيل المعجل، الذي يرى في تعليق له على تلك تصريحات أن إشهار المشكلة الموجودة في الصندوق التقاعدي أمر صحي، حتى وإن لم تتوافق مع رغبات مؤيدي التقاعد المبكر جداً، إذ تعد معضلة التقاعد المبكر مهدّدة لكثير من الصناديق الحكومية حول العالم، مستدركاً بقوله "ذلك لا يلغي اعترافنا بقصورٍ في استثمارات هذا الصندوق".
213 مليار دولار عجزاً اكتوارياً
وفيما كشفت دراسة أعدتها شركة استشارية عالمية متخصصة في المنافع التقاعدية عن عجز اكتواري قد يواجهه صندوق التقاعد الموحّد في السعودية يوازي 800 مليار ريال (213 مليار دولار) بحلول 2071، يرجّح الميموني مثل هذه النتائج قائلاً "التأمينات الاجتماعية اشتكت غير مرة من العجز الاكتواري لصندوقها، ويعني ذلك العجز أن الأصول المتاحة التي تمثل أقساط استقطاعات التقاعد والإيرادات الأخرى المتوقعة للسنوات المقبلة في صندوق التقاعد، لا تكفي لتغطية الالتزامات المالية وأبرزها المعاشات التقاعدية، وأن المصروفات المتوقعة للصندوق أكبر من إيراداته، ما يُنبئ بعجز مستقبلي".
وعلى النقيض من توقعات بالعجز في المستقبل للصندوق السعودي، ما زالت بعض صناديق التقاعد الحكومية في بعض دول العالم تسجّل نجاحات متلاحقة وبعوائد مجزية من أرباحها، كان آخرها صندوق المعاشات الياباني، الذي سجّل عائداً قياسياً خلال عام مالي انتهى في مارس (آذار) الماضي، إذ بلغت عوائده 339 مليار دولار، ما يجعله ضمن أفضل النماذج الناجحة لصناديق التقاعد عالمياً.
وقد يخفّف قرار دمج مؤسستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية وتوحيد إدارة أصولهما الاستثمارية الذي اتخذته السعودية منتصف يونيو الماضي، من حدّة العجز الاكتواري المتوقّع للصندوق الموحد الجديد، الذي يتوقع الوهيبي أن يبلغ حجم أصوله 250 مليار دولار.