Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحدث مجلس الأمن اختراقا ينهي أزمة سد النهضة؟

ثلاث مسارات مرجحة للبدء بالحل أبرزها تفعيل وساطة الاتحاد الأفريقي

صورة أُخذت للنيل الأزرق في 6 نوفمبر 2020، خلال ملء خزان سد النهضة على الحدود بين إثيوبيا والسودان (رويترز)

تعلق مصر والسودان آمالاً على اجتماع مجلس الأمن المقرر انعقاده الخميس 8 يوليو (تموز) الجاري في مدينة نيويورك، لبحث أزمة سد النهضة، في التوصل إلى حل ينهي هذه الأزمة التي استمرت لـ10 سنوات من المفاوضات المضنية.
ويأتي هذا الاجتماع استجابةً للطلب الذي تقدمت به الخرطوم في 22 يونيو (حزيران) الماضي، وتضمن دعوة أديس أبابا إلى التوقف عن عملية الملء الأحادي للسد، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم النزاع، فضلاً عن تهديد الأمن والسلم الإقليميَين والدوليَين.

لكن ما هي التوقعات المرجوة من هذا الاجتماع؟ وما مدى إمكانية التوصل إلى تفاهم وحل مرضٍ للأطراف الثلاثة يسدل ستار هذا الملف نهائياً؟

مراوغة إثيوبية

وتعليقاً على مجمل التساؤلات المطروحة في هذا الشأن، قال الباحث السوداني في الشؤون السياسية والعسكرية، اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب، إن "مسيرة التفاوض بشأن ملف سد النهضة كان يجب أن تنتهي بخيارات سلمية، لكن مراوغة إثيوبيا أدت إلى التفكير في خيارات أخرى، منها الخيارات العسكرية والعنيفة، فالمناورات المشتركة التي قامت بها مصر والسودان في الفترات الماضية داخل أراضيهما، كانت بمثابة ورقة من أوراق التفاوض، وذلك من أجل استخدامها عند الحاجة على طاولة المفاوضات، وليس للتجهيز لعمل عسكري". وأضاف "حالياً انتهى وقت التفاوض، ويقف البلدان (مصر والسودان) أمام مشكلة بدء أعمال الملء الثاني للسد من دون رغبتهما ومن دون التوصل إلى اتفاق ملزم مع الجانب الإثيوبي، فالدولتان اتجهتا الآن إلى مجلس الأمن، حيث يتواجد وزيرا خارجيتهما في نيويورك لحضور جلسة مجلس الأمن التي ستنعقد الخميس". وتابع مجذوب، "لكن بشكل عام، إن مسألة الدخول في مواجهة عسكرية سواء من جانب الطرفين المصري والسوداني، أو من جانب مصر التي قد تتحرك وحدها، باتت بعد الوساطة الأميركية أمراً صعباً جداً، ولا مجال لأي عمل عسكري، وإنما تهديد فقط بعمل عسكري. وأعتقد أن أي عمل عسكري تقوم به القاهرة أو الخرطوم سيتضرر منه السودان باعتبار أن أراضيه ستكون مسرح العمليات، حيث يتحمل السودان رد الفعل من الجانب الإثيوبي، كما يتحمل الضربات الانتقامية، وربما توجه إثيوبيا ضربات انتقامية إلى مصر، لكن نظراً لبعد المسافة سيكون السد العالي الهدف الأسمى للإثيوبيين".
ولفت الباحث السوداني إلى أن "أديس أبابا تعاني داخلياً من مشكلات عدة، حيث كسب التيغراي (شمال إثيوبيا) المعركة، وأعلن الجيش الإثيوبي وقف إطلاق النار، ففي هذه المرحلة من الضعف أتوقع أن تستجيب إثيوبيا لاتفاق مع دولتَي المصب برعاية أميركية، بخاصة أن هناك تسريبات بتوصل الجانبين السوداني والإثيوبي إلى اتفاق جزئي للملء مدته 6 أشهر من دون ضمانات دولية".

خيارات محددة

وزاد مجذوب "ستكون جلسة مجلس الأمن بدايةً لمرحلة جديدة في هذا الملف، وبحسب لائحة مجلس الأمن، فإن المجلس لديه خيارات محددة، الأول يتمثل في دعوة الأطراف الثلاثة إلى الجلوس للتفاوض مرة أخرى، وإحالة الملف على الاتحاد الأفريقي باعتبار أن هذه القضية إقليمية وفنية، ولا تهدد حتى الآن الأمن والسلم الدوليين. ويتضمن الخيار الثاني تكوين لجنة خبراء لدراسة الأمر ورفع تقرير للمجلس في حال وجود أضرار تمس مصر والسودان من قبل إثيوبيا، فيما يدعو الخيار الثالث إلى ترك الأمر للدولتين لاتخاذ ما تراهما مناسباً في إطار فشل الخيارَين الأول والثاني".
وتابع، "كل هذه الأمور تأخذ وقتاً طويلاً، إلى جانب أن هناك نظاماً للقرار، وآخر للتصويت، حيث تحتاج القاهرة والخرطوم إلى تسعة أصوات من اجمالي 15 عضواً في المجلس، وقد يصعب الحصول على الأصوات التسع، نظراً إلى وجود دولتين أفريقيتين قد تصوتان إلى جانب إثيوبيا، هما النيجر وكينيا، إلى جانب تونس التي ستلتزم بمبادرة جامعة الدول العربية الداعية لدعم السودان ومصر، إضافة إلى معضلة أخرى تتمثل في وجود بعض العلاقات الدولية المتقاطعة، كما هي الحال مع روسيا والصين اللتين قد تصوتان لصالح أديس أبابا في هذا الملف".
ورأى مجذوب أن "هذا الأمر يتطلب عملاً دبلوماسياً كبيراً"، وهو ما دفع وزيري خارجية كل من مصر والسودان، إلى تمضية الأيام الخمسة التي سبقت هذا الاجتماع في نيويورك، في إجراء مباحثات وتفاهمات مع الدول المعنية بهدف كسب تأييدها، من خلال إصدار قرار يتناسب والموقف الماثل الآن.
وأشار إلى أنه "على الأرض، فإن إثيوبيا بدأت فعلياً أعمال الملء الثاني، حيث تقوم ببناء السد العلوي لاستقبال كميات المياه المطلوبة، وهي 13.7 مليار متر مكعب"، مبيناً أن "هذا القرار وقرارات أخرى شهدتها الساحة مثل قول رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إن باستطاعة حكومته تجنيد مليون مقاتل في أيام، هي عبارة عن إدارة الأزمة بأزمة، ومحاولة لتغطية فشل الحكومة الاتحادية الإثيوبية في إقليم تيغراي، والتي أدت إلى إحكام سيطرة قوات التيغراي على عاصمتهم ميكيلي وبقية الإقليم، فكل ذلك يؤكد أن الجانب الإثيوبي يريد افتعال حرب أو مشكلة عسكرية حتى يضمن ولاء الشعب الإثيوبي، ونجاحه في الانتخابات وحصوله على ولاية جديدة، لذلك يحاول استفزاز مصر والسودان لاتخاذ أي اجراء عسكري يحقق له هذه الغاية".
وخلص مجذوب إلى القول إن "خيار الحرب أو الخيار العسكري أصبح الآن محبباً من قبل الجميع، فمصر تحاول تعطيل السد، والسودان يسعى إلى ضمان أمنه المائي والإنساني، في حين أن حكومة إثيوبيا تريد الحرب لكسب التأييد الشعبي، لكن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي لا يريدان الحرب، ولن يوافقان عليها، حتى إذا حدثت ضربة ستكون لها آثار بعيدة المدى، بخاصة على السودان بالنظر إلى قربه من إثيوبيا التي تجاوره من ناحية حدوده الشرقية". وتوقع "اختلاف الموقفين السوداني والمصري إذا تأزّم الأمر وفشل مجلس الأمن في إجبار أديس أبابا على اتفاق ملزم للملء الثاني، أو تعطيله، أو تقليله، أو تأجيله".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وقف الملء

في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم عبد الوهاب الطيب البشير، إن "مصر دعت في يونيو 2020 مجلس الأمن إلى التدخل لحل أزمة سد النهضة، لكن إثيوبيا استطاعت أن تجهض تلك المحاولة، ثم جرت خلال الأيام الماضية محاولة أخرى بواسطة السودان عبر تقديم شكوى رسمية إلى المجلس، عززتها مصر بمذكرة تدعم موقف الخرطوم بانعقاد جلسة لمناقشة هذه القضية. وتتضمن مطالبة الدولتين منع أديس أبابا من عملية الملء الثاني واتخاذ إجراءات وتدابير تحول دون تعنت إثيوبيا في مسألة الملء، وإلزامها بتوقيع اتفاق قانوني، وحل القضايا الخلافية والفنية". وأضاف أن "انعقاد هذا الاجتماع يمثل انتصاراً للدبلوماسية السودانية، التي بدأت تأخذ بعداً جديداً وانفتاحاً دولياً بعد العزلة الخارجية التي شهدتها البلاد خلال النظام السابق، لكن يُتوقع أن يخرج مجلس الأمن بقرار يوجه الاتحاد الأفريقي بفعل شيء في ملف السد من خلال المضي قدماً في المفاوضات بين الدول الثلاث، والتوصل إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة المعقدة. يُتوقع أيضاً أن يكون هناك تحديد لإطار زمني لحل هذه الأزمة كي لا يطول أمدها، كذلك يُرجَّح أن يُلزم مجلس الأمن إثيوبيا بوقف الملء الثاني إلى حين الوصول لحل بشأن هذه القضية، وخوفاً من أن تأخذ المشكلة أبعاداً أخرى من ضمنها النزاع المسلح أو الحرب أو قطع العلاقات الدبلوماسية".
واستبعد أستاذ العلوم السياسية أن "يكون هناك سيناريو لحل أزمة السد بشكل فوري من خلال هذه الجلسة الطارئة، لكن يُفترض أن يصدر المجلس بياناً يحتوي على مجموعة توجيهات أو قرارات أو خيارات للحل تحت مظلة الاتحاد الأفريقي إلى جانب أطراف دولية أخرى فاعلة ذات ثقل سياسي وتأثير دولي كبير في المنطقة"، لافتاً إلى أن "لجوء القاهرة والخرطوم إلى مجلس الأمن لم يكن من أجل الحل، وإنما لإيجاد مسارات للحل، لذلك يمكن القول إنه في حال فشل مجلس الأمن في إيجاد مسارات للحل فمن المتوقع أن تأخذ الأزمة بعداً آخر يتمثل في قطع العلاقات الدبلوماسية وربما محاولة مصر والسودان الدخول في نزاعات وخلافات سياسية مع إثيوبيا قد تتصاعد لنزاعات عسكرية مسلحة مباشرة أو غير مباشرة".

رفض قاطع

وكانت مصر والسودان تلقتا خطاباً رسمياً من إثيوبيا يعلن إقرار الأخيرة بالشروع في الملء الثاني لسد النهضة، لكن هذا الإعلان قوبل برفض قاطع من قبل القاهرة والخرطوم، لما يمثله ذلك بحسب بيان مشترك صادر عن وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي، "من مخالفة صريحة لأحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في عام 2015، وانتهاك للقوانين والأعراف الدولية الحاكمة لاستغلال موارد الأنهار العابرة للحدود".
في غضون ذلك، أرسلت جامعة الدول العربية خطاباً حضّت فيه مجلس الأمن على دعم موقف دولتَي المصب، وهو ما قوبل بهجوم إثيوبي، على أساس أن "تدخل جامعة الدول العربية في هذه الأزمة وتقديمها خطاباً إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أمر غير مرغوب فيه".
كما دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يوم الأربعاء (7 يوليو) لدى لقائه أعضاء مجلس نواب الشعب الإثيوبيين، مختلف دول العالم إلى "الاعتراف بالنية الحقيقية لبناء سد النهضة الأثيوبي الكبير"، لافتاً إلى أنه "يجب أن يدرك الجميع أن إثيوبيا ليست لديها نية لأذية الآخرين، بل تلبية احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من دون تشكيل تهديد على دول المصب، بل تطمح إلى تنمية مشتركة معهما".
وحضّ أحمد المجتمع الدولي على بذل الجهود لإيجاد حل دائم للقضية من أجل الشروع في مسار جديد للتنمية من دون إضاعة الوقت.

المزيد من تقارير