يطفو على السطح بين الفينة والأخرى، حديث إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، بعد ثماني سنوات على تهجيرهم إلى دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا وغيرها من الدول التي بحكم الموقع الجغرافي، استقبلت عدداً ليس بقليل من اللاجئين السوريين في بداية الحرب.
ومنها انطلق هؤلاء اللاجئون إلى القارة الأوروبية، وبعضهم فضّل البقاء في مخيمات النزوح التي تتبع لوكالة الإغاثة الدولية في دول الجوار السوري، ليبلغ عددهم 5.6 مليون لاجئ سوري في دول العالم، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وكأن الأعباء الاقتصادية والخدماتية للدول المضيفة لا تكف، لتضاف إليها أزمة تأخر الحلول السياسية في سوريا، وتفاقم الحروب عاماً بعد عام، مع شحِّ وتراجعِ الدول المانحة والمساعدة في إغاثة الشعب المشرد، وتقليص منظمات إنسانية وإغاثية من نشاطاتها، في وقت بلغت قيمة المساعدات سبعة مليارات دولار في مؤتمر المانحين الأخير، في بروكسل، الأمر الذي يعتبره مراقبون تحولاً في طريقة تعاطي أوروبا مع هذا الملف المعقد، بعدما أغدقت الأموال إلى دول الجوار السوري، بهدفٍ خفي، هو الحد من الهجرة السورية إلى أوروبا، مع ترجيح اتخاذ مسارات جديدة، منها إعادة اللاجئين إلى بلادهم، الاقتراح الذي طرحته الدنمارك جدياً في حال وافق البرلمانيون.
منح للاستقرار
هناك معلومات حول انعطافة أوروبية في التعاطي مع هذه القضية، عبر تسهيلات لمنح مالية، هدفها إعادة تأهيل المناطق المتضررة أو إقامة تجمعات سكنية مؤقتة للنازحين في الداخل السوري، وبالتالي نقل ثقل ملف النزوح السوري عن كاهل تلك الدول، أو التخفيف من وطأته، بعدم استقبال مزيد من النازحين.
كذلك تتحاشى أوروبا أي خطوة باتجاه الداخل السوري، خصوصاً إعادة الإعمار إلا بشروط أولها حل الانتقال السياسي وتوقف الحرب، مع الأخذ في الاعتبار أن أوروبا مشاركة في العقوبات على سوريا، وإن صحت فرضية انتقالها كلاعب وشريك أساسي في الداخل، فيجب علينا التطلع إلى شهر يونيو (حزيران) 2019، وهو موعد تجديد قانون العقوبات الأوروبية على دمشق ومحاصرتها.
وتتضارب الآراء حول إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، على الرغم من عودة الاستقرار إلى غالبية المساحات الجغرافية السورية في الوسط والجنوب، ومنها حلب وريف دمشق وحمص، إضافة إلى سقوط "داعش" في آخر معاقله في الباغوز، فضلاً عن منح الاتحاد الأوروبي 18 مليون يورو لبرنامج دعم أعمال الاستقرار في شمال شرقي سوريا.
وتقول فيديركا موغيريني، منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إن "الاتحاد كان دائماً إلى جانب الشعب السوري منذ العام 2011، ومنحهُ 17 مليار يورو لمساعدة السوريين المتضررين من النزاع، وللمجتمعات المضيفة لهم".
وبحسب معلومات من مصادر مطلعة، فإن دور ومهمة أوروبا سيتضاعفان في الأيام المقبلة لإعادة الاستقرار إلى المناطق التي انتهى فيها الصراع المسلح، إيماناً من دول القارة العجوز بأهمية إعادة اللاجئين السوريين إلى مجتمعاتهم. ولهذه الغاية، تشهد العاصمة السورية وفوداً أوروبية تناقش في بنود زيارتها الأوضاع الإنسانية للاجئين وسبل عودتهم.
العودة الخجولة
عودة اللاجئين تترنح مع دخول العوامل التي تلعب في قرار العودة ألا وهو الخوف من التوقيف. ويستدرك الناشط والموظف في وكالةٍ إغاثيةٍ عامر الجابري أن "عدداً كبيراً من الشباب يشكلون نسبة لا يُستهان بها، لا يستطيعون العودة لأنهم مطالبون بالخدمة العسكرية، وهو أمر غير مشجع في ظل استمرار الحرب على الأرض".
ويضيف الجابري، المهتم بالشؤون الإغاثية للعائدين من معابر نصيب الحدودي إلى درعا جنوب سوريا، قائلاً "يجب التسليم أن قلة من السوريين يودون البقاء في دول الجوار، لكن كثيرين منهم لديهم الرغبة في العودة إلى أراضيهم وأعمالهم وبيوتهم، لذلك لا بد من السعي لتحقيق الأمان أولاً وتوفير العامل المادي، كي يستطيعوا إعادة إعمار ما تهدّم من بيوتهم".
هذه المعلومات المتداولة تزامنت مع إعلان المركز الروسي لتسجيل استقبال اللاجئين السوريين، عودة 1354 لاجئاً إلى الأراضي السورية خلال الساعات القليلة الماضية فقط، وقبل يوم من بداية شهر رمضان، من بينهم 365 لاجئاً عادوا من لبنان عن طريق معبري جديدة يابوس وتلكلخ و989 شخصاً عادوا من الأردن عبر معبر نصيب.
ويبرر مراقبون أن عودة اللاجئين بمبادرة فردية وارتفاع هذا الرقم في يوم واحد، قد يكون له علاقة بزيارة العائلات لأهاليهم في شهر رمضان المبارك، لكن هذه العودة تبدو خجولة بحسب الأرقام التي سجلت لعودة السوريين إبان فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا في منتصف نوفمبر (تشرين الأول) 2018 حتى منتصف أبريل (نيسان) الماضي، حين سجّل عودة 16700 لاجئ من أصل قرابة 671 ألف لاجئ، مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن.
لجنة إغاثية
ملف اللاجئين من أكثر الملفات الشائكة بعد الحرب، فالأعداد لا يستهان بها، والبلد الذي رزح تحت الحرب يعاني من تدمير شبه كامل لبناه التحتية، وهو يحتاج لحوالي 400 مليار دولار لإعادة إعماره. وفي هذا الإطار، يقدر خبراء أن عودة البلاد إلى سابق عهدها تحتاج إلى عقود وسنوات طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول مصادر مطلعة على الشأن الإغاثي إن "الحكومة السورية أسست لجنة إغاثية يترأسها وزير الإدارة المحلية تهدف إلى إعادة اللاجئين والتواصل مع الدول التي تستضيف لاجئين لديها، بمشاركة روسية فعالة، فيما ينبثق عن هذه اللجنة مركزاً إغاثياً يضم فريقاً سينشط في اتجاه عودتهم وجلّهم من فئة الشباب، مع تفاؤل بعودة واسعة في المستقبل القريب".
الميدان العسكري على الأرض والحل السياسي مع الدعم الاقتصادي لإعادة الإعمار، هي مفاتيح الحل النهائي لأزمة اللاجئين، وهي لطالما كانت ورقة ضاغطة لسوريا وحلفائها دولياً، بينما ترغب روسيا في إعادة اليد العاملة السورية مع دخول شركاتها العملاقة إلى البلاد.
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور، الأنظار تتجه شمالاً نحو إدلب، التي ومع انتهاء معركتها، يتوقع السوريون تسويات جديدة ستنعكس بالتأكيد حلاً لواقع اللاجئين وأبرزها ضمانات لعودة آمنة.