Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان كان 2021: تقارب اجتماعي وفيلم افتتاح مخيب

الممثلة جودي فوستر الخارجة من الحجر تفوز بالسعفة الفخرية عن سائر أعمالها

واجهة مهرجان كان الذي انطلق مساء امس (أ ف ب)

بعد مرور أكثر من عامين على آخر مهرجان كان نُظِّم حضورياً، عادت أمس التظاهرة السينمائية الأشهر في العالم، بعدما كان ألغي العام الماضي بسبب تفشي وباء كورونا، هو الذي لم يلغَ في تاريخه سوى مرتين: مرة بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، ومرة عندما أطاحت به ثورة أيار (مايو) 68. أمس، عادت مدينة كانّ تعيش بعضاً ممّا صنع مجدها وشهرتها في العالم، وعاد إليها أهل السينما من كل أنحاء العالم، في مشهد مبهج يواكب تفاصيل العودة إلى الحياة التي تحدث تدريجاً في كل مكان. إلا أن ما رأيناه في كان وعلى الكروازيت من حشد غفير و"تقارب اجتماعي" أمام القصر لحظة الافتتاح، يقول إن الوباء قد انتهى أو سقط من الحسابات، وإن الجمهور ملّ وما عاد يكترث كثيراً على الرغم من المخاوف الكثيرة من عودته في الشتاء على إيقاع موجات جديدة. 

إصرار السلطات على إقامة المهرجان وإعطاء الضوء الأخضر له، يعبران عن سياسة إيلاء الفن والثقافة أهمية توازي أهمية الصحة. الفن والثقافة من الأساسيات في دولة مثل فرنسا، لا مجرد كماليات. عندما تفشّى الوباء في مطلع العام الماضي، وجد البعض مناسبة لإثبات نظرياتهم في أن العلوم أرفع شأناً من الفن الذي تنتفي الحاجة إليه في الأزمات الكبرى. اليوم، وبعد انقضاء سنة ونصف السنة على بداية الأزمة، قال مهرجان كان العكس: هناك ضرورة للفن حتى في ظلّ الكوارث، لا بل دوره مهم اليوم لبناء الإنسان الجديد ما بعد الكارثة.

سحر السينما

لا شك أن هناك الكثير من الحس المغامر ومنطق التحدي والرومانسية المفرطة لدى الفرنسيين، ويتبدى هذا جلياً عندما تقف أمام السجادة الحمراء وتتأمل الناس الذين كانوا في الأمس القريب ملتزمون الحجر الصحي، والآن يتنفسون مجدداً كما لو كانوا منعوا من الأوكسجين.

كان حفل افتتاح الدورة الرابعة والسبعين بسيطاً وباهراً في بساطته. كل شيء بدا منظماً بدقة عندما صوّرت كاميرا التلفزيون الصالة من أعلى نقطة فيها، فظهر الضيوف بكامل أناقتهم يجلسون في كراسيهم التي لا يبعد الواحد منها سنتمرات عن كرسي الشخص الذي جنبه. فالصالات في المهرجان، على رغم كل الإجراءات الوقائية التي هي أشبه ببروتوكول شكلي وبيروقراطي ممل، تعمل بكامل قدرتها الاستيعابية. الأمسية قدّمتها الممثلة دوريا تيلييه بأسلوب شفاف وعميق ورشيق في آن. بدأتها بمونولوغ على شكل تحية للسينما وأهميتها في الحياة الثقافية للشعوب. ذكرت وشددت على كلمة "سحر" في حديثها عن الفن السابع. الجمهور الذي اجتمع في صالة "لوميير" الضخمة بدا متأثراً ومنسجماً مع كلامها. قالت إن ما تحبه في السحر هو أنه يعتمد على عمل الناس الذين في الكواليس، أي كل الذين يشتغلون خلف الكاميرا. ثم روت حكاية هذا الساحر الذي رأته ذات مرة، وكان لا يتوقف عن إدهاش الناس من خلال  ألاعيبه، الأمر الذي جعلها تسأل عن الكيفية التي اكتسب فيها قدراته، قبل أن تعلم أنه أمضى حياته وهو يتمرن كي يبلغ المهارة الضرورية للقيام بالحركة المثالية. إلا أن أجمل ما قالته هو أن المهرجان لطالما كان مكاناً كي يظهر الناس أنفسهم، والآن مع ارتداء الكمامات يرون ولا أحد يراهم حقاً. ثم أردفت ببعض المزح: "جميل جداً أن نرى صالة مليئة بمشاهدين، فلا نعرف مَن هم. ربما من الجيد أن نرى من دون أن يرانا أحد".  

كانت كلمات تيلييه ضرورية لإعادة الأمل إلى النفوس. أمل عبرت عنه أيضاً كلمات الممثلة الأميركية جودي فوستر التي أُسندت "سعفة" فخرية عن مجمل مسيرتها المهنية التي بدأتها قبل نحو خمسين عاماً وهي في الثامنة من العمر. قالت وهي تشير إلى الفترة الماضية التي عاشها الناس في الحجر الصحي: "أليس من الجميل الخروج من المنزل؟". شريط من مشاهد لأهم الأفلام التي مثلت فيها عُرض للجمهور، مناسبة كي ندرك مدى أهمية الأسماء الكبيرة التي عملت في إدارتها، ولو إنها لا تُعتبر أعظم موهبة في جيلها. بعد نحو نصف قرن على مجيئها إلى المهرجان (يوم فاز "سائق التاكسي" لمارتن سكورسيزي بـ"السعفة")، وهي كانت بالكاد مراهقة، استلمت فوستر جائزة لم تُمنح إلا لقلة قليلة (سبق أن نالها كلينت إيستوود وأنييس فاردا)، سلمها لها المخرج الإسباني بدرو ألمودوفار الذي عاد إلى فصول من تاريخها ليروي كيف تعرف إليها يوم عرض أحد أفلامه في أميركا. ألمودوفار الذي تميزت أفلامه بإعطاء البطولة للمرأة، وصف بدقة شديدة أهمية فوستر، متسائلاً مَن كان ليظن أن الفتاة الصغيرة في "سائق التاكسي" ستصبح يوماً ما هذه السيدة. بفرنسية تتحدثها بطلاقة، قالت فوستر إن الحجر الصحي ساعدها في إعادة اكتشاف السينما وأضحى مناسبة لها لمشاهدة العديد من كلاسيكياتها. 

عودة سبياك لي

المهرجان لم ينسَ أيضاً الأفلام التي تم اختيارها العام الماضي في الدورة الملغاة وحملت ختم كانّ، فوجّه دعوة إلى صنّاعها للتواجد بين الحضور. في صفوف العائدين أيضاً، المخرج الأميركي سبايك لي الذي لم يطل الكلام، خلافاً لعادته، عندما طُلب إليه إلقاء كلمة بصفته رئيساً للجنة التحكيم. جاء مرتدياً بذة وردية ونظارات من اللون نفسه. في المؤتمر الصحافي المخصص للجنة التحكيم الذي كان عُقد قبل الافتتاح، قال: "كان هو أعظم مهرجان سينمائي في العالم. السينما ومنصّات المشاهدة يمكنها التعايش معاً. في ما مضى، كنّا نعتقد أن التلفزيون يمكنه قتل السينما، ولكن السينما ستبقى وستعيش. المهرجان إعادة إطلاق للسينما بعد صدمة كورونا. إقامته تعني دفعة للسينما بعد أكثر من عام من الخوف وتوقف الكثير من الأنشطة السينمائية". 

أعضاء لجنته التحكيمية كانت لهم تصريحاتهم أيضاً: المخرج البرازيلي كليبير مندونسا فيلو روى أنه لم يحضر عرضاً سينمائياً منذ 15 شهراً، ووجوده هنا احتفالي بقدر كبير بسبب تلك الرغبة الملحة لمشاهدة الأفلام في قاعة العرض. واستغل المنبر للقول إن نصف مليون برازيلي ماتوا بسبب الوباء، وكان يمكن إنقاذ الكثيرين منهم لو كانت هناك آلية للمحاسبة والمعارضة والنقاش. "أعتقد أن أحد السبل للمقاومة هو السينما والنقاش"، علق السينمائي الموهوب المعروف بموقفه السلبي من الرئيس البرازيلي بولسونارو.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في دورة تحتل فيها المرأة مكانة بارزة، علّقت المخرجة النمسوية جسيكا هاوسنر عن أهمية هذا الموضوع: "السينما صناعة فيها غالبية من الرجال، ولكن صوتنا بدأ يُسمع. دعوني أحدّثكم عن قصّة حصلت في فيينا الخمسينيات: عندما بدأت أول سيدة في قيادة حافلة، ترك كثر من الركاب الحافلة خوفاً ألا تتحكم المرأة في تلك المركبة الكبيرة. ولكن المرأة الآن تقود في كثير من المجالات، وبدأت تقود وتظهر بصورة كبيرة في صناعة السينما". 

واختُتِم اليوم الأول من المهرجان بعرض جديد المخرج الفرنسي ليوس كاراكس. الفيلم الذي سمّاه "أنيت" الأول له باللغة الإنكليزية وهو من بطولة آدم درايفر وماريون كوتيار. لكن الفيلم ترك العديد من المشاهدين في خيبة لا مثيل لها. ربما لأننا كنّا نتوقع الكثير من كاراكس العائد إلى كان تسع سنوات بعد رائعته "هولي موتورز". القصّة عن زوجان، هي مغنية أوبرا هو ممثّل كوميدي، يرزقان بطفلة لا تشبه بقية الأطفال بسبب غرابة خلقها. فيلم كاراكس أوبرالي، ميوزيكال تفخيمي، مشبّع بموسيقى الروك، قاتم جداً، ساخر أحياناً، ولكن طويل إلى حد لا يُطاق، يدور حول نفسه لأكثر من ساعتين، من دون أن يحفر في العمق، بل يبقى الاشتغال على مستوى السطح، أفقياً لا عمودياً. لا أحد يشعر بسعادة لخروجه من فيلم لكاراكس وهو لم ينل ما ينتظره من عالم هذا الفتى الرهيب، ولكن كان الملل هذه المرة أكثر من قدرتنا على إخفائه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة