Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ارتفاع معدلات التضخم ينذر بأزمة عالمية؟

محللون: الجائحة تسببت في أكبر صدمة مالية شهدها العالم ودول الخليج تتجه لإجراءات للحد من ارتفاع الأسعار

أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن معدلات التضخم ارتفعت في دولها الأعضاء بمعدل 3.3 في المئة مقارنة بما كانت عليه في أبريل الماضي (رويترز)

لا تزال اقتصادات العالم تعاني تداعيات تفشي وانتشار وباء كورونا، إذ سجلت دول العالم ارتفاعاً في معدلات التضخم، على الرغم من بدء التعافي الاقتصادي الذي تشهده بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية وعودة الحياة لطبيعتها في بعض الدول.

ففي المملكة المتحدة، ارتفعت معدلات التضخم أخيراً متجاوزة بذلك المستهدف من البنك المركزي والبالغ اثنين في المئة، وقال محافظ بنك إنجلترا أندور بايلي إن جزءاً من ارتفاع التضخم يرجع إلى تأثيرات أساسية، ونقص ظهر مع تخفيف قيود الإغلاق المرتبطة بالوباء، مؤكداً أن الآثار لن تستمر مع إعادة تشغيل الاقتصاد بالكامل.

وأضاف وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ " أن "من المهم عدم المبالغة في رد الفعل على النمو القوي المؤقت والتضخم، للتأكد من أن التعافي غير مقوض بالتشديد السابق لأوانه للظروف النقدية".

وفي السياق ذاته، أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتخذ من باريس مقراً لها في مطلع شهر يونيو (حزيران) الماضي أن معدلات التضخم ارتفعت في الدول الأعضاء بالمنظمة بمعدل 3.3 في المئة، مقارنة بما كانت عليه في أبريل (نيسان) الماضي، والتي قدرت 2.4 في المئة، وذكرت المنظمة في تقريرها أن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً عزز ارتفاع معدلات التضخم، والتي اعتبرتها الأسرع من الأزمة الاقتصادية عام 2008.

وفي الخليج العربي، توقعت مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" البريطانية للدراسات الاقتصادية، أن تبقى معدلات التضخم في دول الخليج العربي تحت السيطرة في 2021، وإن كانت أعلى قليلاً من معدلات عامي 2019 و2020، وذلك بسبب وجود بعض الضغوط التضخمية الطفيفة، الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وكلفة الشحن، بسبب الاضطرابات في سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، نتيجة تفشي الجائحة.

السعودية تسجل ارتفاعاً

أما في السعودية، فسجلت معدلات التضخم بحسب الإحصاءات الأخيرة للبنك السعودي المركزي ارتفاعاً للشهر الثاني على التوالي ليصل الى 5.7 في المئة في شهر مايو (أيار) الماضي، بعد أن انخفض في شهر مارس (آذار) إلى 4.9 في المئة.

وتوقع محللون اقتصاديون أن تستمر معدلات التضخم في الارتفاع بنسبة طفيفة خلال الفترة المقبلة، وقال المحلل الاقتصادي سالم باعجاجة، إن ارتفاع معدلات التضخم في السعودية حصل نتيجة لارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية، مضيفاً أن "الأسواق المحلية شهدت ارتفاعاً في بعض السلع الغذائية وأهمها اللحوم والتي يزداد الطلب عليها في الفترة المقبلة لقرب عيد الأضحى المبارك"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن معدلات التضخم لن ترتفع بشكل كبير عما هي عليه في الوقت الراهن، ومستدركاً أن الارتفاع في معدلات التضخم يمكن الحد منه في حال قلّ الطلب على السلع التي تضخم أسعارها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتفق معه المحلل المالي مازن لنقا بقوله، "من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم داخل السعودية بمعدلات ضئيلة أو يبقى على المعدل ذاته 5.7، وأرجع السبب إلى استمرار العوامل التي أسهمت في ارتفاعه، ومنها ارتفاع أسعار النفط، والتي من المتوقع أن تستمر في التصاعد حتى نهاية العام الحالي 2021، إضافة الى استمرار ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات المقدرة بـ 15 في المئة.

إصلاحات اقتصادية

من جانبه، يرى الكاتب الاقتصادي جمال بنون أن الاقتصاد السعودي استيقظ على ضربتين في الرأس، أولاها آثار جائحة كورونا وتوقف سلاسل الإنتاج وتعرضها لمزيد من الخسائر نتيجة إغلاق النشاط التجاري لأشهر عدة، فنتج منها خروج العديد من الأنشطة الصغيرة والمتوسطة التي تأثرت نتيجة الإغلاق، وقطاع الحج والعمرة لوحده خسر أكثر من 30 مليار دولار خلال عامين، وانكمش الاقتصاد السعودي خلال فترة الجائحة إلى أكثر من أربعة في المئة، واستطرد بالقول، "أما الضربة الثانية فتراجع إيرادات السعودية العام الماضي بشكل حاد نتيجة انخفاض أسعار النفط، وتحسنت الأسعار خلال الأشهر  القليلة الماضية، مما جعل الحكومة السعودية تفكر في الاقتراض أكثر لسد العجز إلى إصدار أدوات الدين في حدود 220 مليار ريال، أي ما يعادل 58.66 مليار دولار".

حلول عاجلة

وانعكست أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط في تلك الفترة سلباً على أداء الاقتصاد السعودي، وبالتالي كانت توجهات الدولة هي الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، وهنا يعلق بنون بقوله، "كان من المهم أن تفكر الحكومة في بدائل عاجلة وسريعة لمعالجة هذه الأزمة اقتصادياً بعد مرور عام ونصف العام على أزمة كورونا، خصوصاً أن إيرادات الدولة انخفضت من سياحة وأنشطة وفعاليات، ولهذا لجأت إلى زيادة رسوم بعض خدماتها الحكومية، وجاءت الزيادة الرئيسة في زيادة القيمة المضافة من خمسة في المئة إلى 15 في المئة، تلتها الجمارك السعودية، والمستهدف رفع إيرادات رسوم الخدمات بنسبة 60 في المئة، فضلاً عن الرسوم الجمركية، وبعض الجهات الحكومية رفعت أسعار الخدمات والرسوم في وقت واجه المجتمع بثبات الرواتب، وبعضها لا يزال متأثراً نتيجة انخفاض الرواتب بنسبة 30 إلى 40 في المئة لدى بعض المؤسسات والشركات التي لا تزال متأثرة نتيجة الجائحة، بينما ارتفعت الأسعار ليس فقط في الخدمات الحكومية، وارتفعت أيضاً أسعار الأعلاف بنسبة 50 في المئة، ما سوف يؤدي الى ارتفاع أسعار الأغنام والمواشي والأضاحي خلال الأيام المقبلة، وكذلك مشتقات الألبان ارتفعت".

وتابع الكاتب الاقتصادي، "من الملاحظ أن مؤشر التضخم في السعودية يرتفع تدريجياً وهذا أمر بديهي، لأن الاقتصاد السعودي لا يزال يعتمد على الواردات في حاجاته ويتأثر بالأسعار العالمية، ولا تزال ضريبة القيمة المضافة المرتفعة التي تصل الى 15 في المئة تقود الرقم القياسي للتضخم في السعودية، وتتأثر معها الأغذية والمشروبات واللحوم والدواجن".

مكافحة الفساد والتستر التجاري

ويرى بنون أن من ضمن الإجراءات الحكومية التي أسهمت في ارتفاع الأسعار محلياً، مرحلة الإصلاحات الاقتصادية الحالية، وقال إن "السعودية تمر بفترة إصلاحات اقتصادية في هيكلها، منها مواجهة التستر التجاري والتحويل العشوائي للعملات إلى الخارج، كما تشنّ حملة لمكافحة الفساد من بينها الفساد المالي والاقتصادي، وبالتالي هذا من شأنه زيادة الأسعار، بخاصة وأن كثيراً من القطاعات الخاصة تم التزامها بتوظيف السعوديين، وهذا الأمر أدى إلى زيادة الكلفة التشغيلية للقطاع الخاص مقارنة مع العامل الوافد الذي كان يحصل على رواتب منخفضة، والأمر المهم هو عدم استقرار أسعار الوقود، فهي تتعرض منذ أشهر إلى ارتفاع ملحوظ، وهذا يعني ارتفاعاً ملحوظاً على خدمات النقل، مع انعدام سيارات النقل الأخرى".

وتوقّع بنون أن يتراجع القطاع الخاص في خفض أرباحه خلال الفترة المقبلة لمواجهة تراجع المبيعات، ويلجأ إلى تقديم العروض المنافسة المحتدمة بين الشركات بخاصة الألبان والعصائر والمواد الاستهلاكية وأيضاً القطاع العقاري والتجاري والمدارس الأهلية والجامعات، وتوقع أن الدولة ستبادر إلى خفض رسومها وخدماتها من أجل توجيه الناس للاستفادة بشكل أفضل، بخاصة في ما يتعلق بالأنشطة التجارية.

معدلات التضخم عالمياً

ويعتبر ارتفاع معدلات التضخم مشكلة عالمية، إذ تعاني كل دول العالم من ارتفاع متواصل لمعدلات التضخم، ويعد الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير لها نشر الشهر الماضي، "الأسعار ترتفع بمعدلات مختلفة عبر 38 دولة في المنظمة، والتي تمثل جميعها حوالى 60 في المئة من الاقتصاد العالمي".

ولفت التقرير إلى أن معدلات التضخم السنوي ارتفعت في أميركا إلى 4.2 في المئة في أبريل (نيسان) الماضي مقارنة مع 2.6 في المئة في مارس (آذار)، بينما تسارع معدل التضخم في كندا إلى 3.4 في المئة من 2.2 في المئة. وشهدت أوروبا زيادات متواضعة في أبريل، حيث ارتفع التضخم إلى 1.6 في المئة في بريطانيا، واثنين في المئة في ألمانيا، و1.2 في المئة في فرنسا، و1.1 في المئة في إيطاليا.

وحول الارتفاعات العالمية في مستويات التضخم، أكد أن "أزمة كورونا تسببت في شلل كامل للاقتصاد نتيجة العزل الاجتماعي الذي طبق فيه، إذ تعد الجائحة أكبر صدمة اقتصادية يشهدها العالم على مر التاريخ، خصوصاً وأنها أسهمت بتوقف الحياة في المجالات كافة ما عدا بعض القطاعات، وهذا لم يحدث حتى في فترات الحروب العالمية"، لافتاً إلى أن التضخم في السعودية يعد في مستويات مقبولة في حال مقارنته ببعض الدول التي ارتفعت فيها معدلات التضخم بشكل كبير وصلت إلى 18 في المئة كما في الهند.

إيجابيات للأزمة

وارتفعت معدلات التضخم على الرغم من الآثار السلبية على اقتصاديات الدول، إلا أن هناك إيجابيات يمكن أن تنعكس على اقتصادات الدول وخصوصاً المصدرة للنفط، والتي يمكن أن ترتفع إيراداتها خلال هذه الفترة جراء ارتفاع أسعار النفط، كما أن عودة الحياة لطبيعتها وعودة حركة السفر والسياحة بين دول العالم ستنعش هذا القطاع، مما سينعكس إيجاباً على اقتصادات الدول، وهذا ما أكده المحلل المالي لنا بقوله، "تعمل الحكومة السعودية على تحفيز القطاعات الاقتصادية، ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات الدولة بسبب ارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى عودة الحياة لطبيعتها، وبدأت النشاطات الاقتصادية المتوقعة خلال السنة الماضية بالعمل منها قطاع الترفيه والسياحة، وهذا كله سينعكس إيجاباً على الاقتصاد".