Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 عزلة الكاتب الأميركي براندون تايلور التي لا تحتمل

"حيوانات قذرة" متتالية سردية تقدم صور عالم متناقض

الكاتب الاميركي براندون تايلور (صفحة الكاتب على فيسبوك)

ذاع صيت الأميركي براندون تايلور بصدور روايته الأولى "حياة واقعية" Real Life 2020، التي كتبها في أقل من خمسة أسابيع، لأسباب شرحها لاحقاً، "كنت مثل من يجلس ليفضي بشيء كهذا، حتى يتمكن من متابعة حياته. إن كتابة رواية تدمر حياتك بطرق محددة حقاً. لأن عليك أن تعيش داخلها. إنه محض تمرين قاس على أن تكون بائساً".

وصف النقاد رواية تايلور بغرابتها وتنقيبها في الغور الإنساني، كما هي الحال في روايات فيرجينيا وتولستوي التي استشهد بها على طول السرد. وتتبع شخصية جامعية، طالب أسود مثلي الجنس من أصل أفريقي من ألاباما، يدعى والاس، يعجز بسبب انطوائه، عن الاندماج في المجتمع الأميركي متمثلاً في المدينة الجامعية الواقعة على ضفاف البحيرة، حيث يسعى للحصول على درجة في الكيمياء الحيوية. ولأسباب تتعلق بالحفاظ على الذات، يفرض مسافة حذرة حتى داخل دائرة أصدقائه، لكن سلسلة من المواجهات تتآمر لكسر دفاعاته، وتكشف عن تيارات خفية من الاستياء والرغبة التي تهدد توازن حياته.

حصل تايلور (مواليد 1989)، على درجات جامعية من جامعة ويسكونسن ماديسون، وجامعة أيوا، إضافة إلى عديد من الزمالات في الكتابة، منها ورشة عمل كتاب أيوا. وعلى الرغم مما تلقته روايته الأولى من إشادة، وترشحها لجائزة بوكر، وجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية، وفوزها بجائزة لامدا الأدبية (رواية المثليين)، وجائزة يونغ ليون للإبداع، فقد اعتبرها البعض فاترة مقارنة مع مجموعته القصصية الجديدة "حيوانات قذرة" Filthy Animals التي صدرت في نهاية يونيو (حزيران) 2021، وتتناول شبكة متنوعة من المحرمات ببصيرة نافذة ووعي بطبيعة العلاقات البشرية الغامضة.

متتالية قصصية أم نوفيللا؟

تتضمن المجموعة المكتوبة بدقة متناهية وحزن جارف، إحدى عشرة قصة مترابطة من حيث شخوصها وبؤر أحداثها، وكأننا بإزاء نوفيللا تقوم على وجهات نظر مختلفة حول ما يحدث. فما يقرب من نصفها يدور حول ليونيل، طالب الدراسات العليا المتضرر، وتشارلز، الراقص المفتول العضلات، وصوفي، صديقة تشارلز الجامحة، وديناميكيات علاقتهم الشائكة بعد لقائهم الأول في قاعة الطعام. كل قصة على حدة تسرد جانباً مختلفاً من حكاية الثلاثي لتكون في النهاية صورة جماعية لشباب منغمسين في الرغبة والعنف في الغرب الأوسط الأميركي.

تبدأ المجموعة بقصة "قاعة الطعام Potluck"، يحضر ليونيل حفلة، بحرجه الاجتماعي الذي يحمله معه ويخفي تجربة صعبة مر بها من وقت قريب، موظفاً بطله (والاس)، وتقنيات السرد التي أبهرت قراءه في روايته الأولى. هناك يلتقي بالثنائي، تشارلز وصوفي، اللذين يدرسان الرقص وتربطهما علاقة مفتوحة. وعلى إثر محادثة مؤلمة على مائدة  طعام مزدحمة، ينتابه ذعر مفاجيء في الحمام، يعقب ذلك مثلث حب شائك بين الشخصيات الثلاثة.

في قصة "بدن Flesh" نلتقي بشارلز مرة أخرى، في درس الرقص الصباحي، حيث تتجسد موجات من التوتر والرغبة بين الراقصين، وديناميات العلاقة بينهم. بعدها يتقابل مع ليونيل بطل المجموعة كما يتضح من قصة "رصد Proctoring"، هنا نجده يعمل، ثم نلتقي صوفي أيضاً. وتتبدى بعض التفاصيل حول العلاقة الحميمة بسرد رائع للحظات محرجة جداً، ترصد حقاً ما يشعرون به وليس مجرد ما تتكون منه الأحداث.

بعد زيارة روتينية للطبيب، في قصة "كُتلة Mass"، أخبر أليك (أحد الراقصين من فصل تشارلز) أنه بحاجة إلى سحب عينة منه، وهو ما يجعل سلسلة من الذكريات تتداعى عن عائلته، البعيدة عنه كلية. وهنا تتكرر السمات المميزة لكتابته، القسوة والنعومة، طغيان المثالية وتعقيدات الحب.

أما في قصة "حيوانات قذرة" Filthy Animals، التي يحمل الكتاب عنوانها، فيقدم تايلور تصويراً دقيقاً للطفولة الأميركية بما تحمله من قذارة ودموية. يلتقي ميلتون صديق طفولته في ألاباما المدعو إلى حفلة مع أصدقائه، مدركاً أن عليه أن يرحل قريباً إلى أيداهو بناءً على إصرار والديه، في محاولة أخيرة لإنقاذ مسار حياته.

القرارات في هذه القصة مروعة، والعنف يثير التقلص، وفي كل مكان، شياطين كامنة في الظل، ويبدو الاتصال البشري مرعباً، ويظهر عنف الشخصية المفضل في إحداث ثقوب في ملابس الناس عندما يكونون غير منتبهين.

 آخر قصة نلتقي فيها بالثلاثي هي "اللحم Meat" وتتضمن كثيراً من اللحظات المتوترة والغامضة، في نوع من التشويق لا يكاد يحتمل.

قصص لوحوش أخرى

يروي النصف الآخر من الكتاب قصصاً لشخصيات مختلفة، قائمة بذاتها، لكنها لا تخرج عن خط سير المجموعة المعني باستكشاف النزعات الغريبة والشهوات المارقة، ورغبات الشباب في سن المراهقة والعشرينيات، وعنفهم وقسوتهم.

من بين عديد من الوحوش التي تناولها تايلور، سيليفيا في قصة "وحش صغير Little Beast" تبدأ القصة الخرافية بمشهد كابوسي لجليسة أطفال وطاهية تفكر في "نسف حياتها" وأذية الطفلة التي تتولى رعايتها. فهي تعرف أن "العالم لا يمكن أن يتحمل امرأة فجة مثلها". يكتب تايلور، "إنها تحاول إخفاء أسنان ذئبها، الجزء الذي يريد أن يمد يدها ويخطف الفتاة ويمزقها إرباً".

عبر الكتاب، تنبثق الرغبات في لحظات غير مناسبة، في الصمت المحرج بين عاشقين سابقين بعد أن يخبر أحدهما الآخر بوفاة والدته، أو في مكتبة، حيث تريد صديقة من صديقها أن يخبرها بكل العلاقات الحميمة التي تربطه بآخر. في قصة "كما لو كان هذا حب As Though That Were Love"، ثمة تشكيل بوضع مسافات بين الكلمات، وطريقة تركيب الجمل جنباً إلى جنب لخلق نوع من البتر المتعمد.

على مستوى الأماكن، يبدو المشهد قاتماً، ضواح منعزلة، حرم الجامعات الصغيرة، قاعة طعام مكتظة، الأمزجة متعكرة، الأرواح قاسية، تفتقد الحميمية على الرغم من توقها الشديد إليها، لكن الجرأة في هذه القصص تقوم بدور منعش وحيوي للغاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتمتع تايلور بموهبة في التقاط إيماءات الحياة اليومية غير الواضحة، وتحويلها إلى كلمات، شرائح البطاطس ترتفع "مثل شيء يُسحب من البحر"، أو كيف "أكاليل عيد الميلاد والمعاطف القديمة تنظر إليهم من الزوايا". هذه التفاصيل الحميمة، التي غالباً ما تكون دافئة، تتضافر بشكل رائع  مع العناصر الأكثر قبحاً ووحشية، كاشفة عن بؤرة ارتكاز المجموعة، الضالة الكامنة تحت القشرة، الدوافع غير المعلنة التي يمكن أن تقود الناس إلى تلويث أنفسهم على نحو مروع.

وصفت قارئة طريقة تايلور في الكتابة بأنها تشبه الزووم، حيث تقوم فعلياً بتكبير كل شيء، ما يستجلب المعنى والانفعال في ما هو عادي ويومي وبسيط، "عند قراءة قصصه، أشعر أنني نملة تتجول داخلها، أرى كل سطح، كل تعبيرات الوجه، كل لحظة عن قرب شديد، ثم ينحو إلى التصغير عندما يتعلق الأمر بالحوار، ليترك كل كلمة ترن ويتردد صداها في فراغ كاف".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة