Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طلاب وموظفون لبنانيون "يسكنون" المقاهي

ظاهرة جديدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي وشبكة الإنترنت

طلاب لبنانيون يدرسون في مقهى (اندبندنت عربية)

يعيش اللبناني حالياً أزمات متتالية أفقدته أبسط حقوقه، ومنها أزمات الكهرباء والمحروقات والماء والمستشفيات وغيرها، إلا أنه يحاول قدر الإمكان اللجوء إلى حلول بديلة ليتمكن من الاستمرار بحياته الاجتماعية والمهنية بما يتماشى مع هذه الظروف، ما يولّد ظواهر جديدة في البلاد لم نعتَد عليها يوماً.

ظاهرة جديدة نشهدها اليوم في المقاهي والمطاعم اللبنانية التي تحوّلت من أماكن للترفيه إلى أماكن للعمل والدراسة نتيجة أزمة الكهرباء وانقطاع الإنترنت، ما حرم الطلاب والموظفين من الدراسة والعمل بهدوء في منازلهم. فكان الحل البديل في الانتقال إلى المقاهي كأماكن مثلى يتأمن فيها التيار الكهربائي والإنترنت مجاناً وفي أجواء يجدها كثيرون منهم ممتعة للدراسة والعمل.

طلاب يدرسون في الظلمة  

يتحضر هادي، الذي مرّ بعام دراسي صعب كبقية الطلاب للامتحانات الرسمية المقبلة في أجواء كارثية بعيدة كل البعد من الأجواء التي يُفترض توافرها لمراهق بعد عام أمضاه في الدراسة عن بعد.

فالضغط النفسي الذي يعيشه يضعه في ظروف قاسية لا تناسب سنّه. إضافة إلى ما عاناه جراء انفصال والديه والظروف المعيشية الصعبة التي يمرّ بها، ها هو يمضي الأسابيع الأخيرة من استعداده للامتحانات الرسمية في الظلمة على ضوء الخليوي.

وتقول والدته السيدة قشاش "ينقطع التيار الكهربائي طوال ساعات النهار، أما ليلاً فيُعتمد التقنين حتى في ما يتعلق بالمولّد الكهربائي. أطلب من هادي أحياناً الدرس في ساعة متقدمة عندما يتأمن التيار الكهربائي لأن لا حل لنا غير ذلك. أما في بقية الساعات، فهو يجلس في الظلمة مع ضوء الخليوي في يده. في مرات عدة، رأيته يبكي لأنه بات عاجزاً عن تحمّل المزيد. فكيف له أن يجري الامتحانات في ظل هذه الظروف القاسية التي يمر بها؟".

لا تجد والدة هادي سبيلاً إلا في تشجيعه، فتناديه البطل لما يتحمّله وتحفزه على متابعة الدراسة عندما يؤكد أنه لم يعُد قادراً على ذلك، خصوصاً أنه نادراً ما يخرج من المنزل الذي لا يدخله النور إلا من نافذة واحدة.

معاناة هادي في الدراسة للامتحانات الرسمية تشبه معاناة الطلاب كافة في لبنان في ظل أزمة الكهرباء والإنترنت بشكل خاص. التوأم جنا ومحمد جردي يدرسان أيضاً تحضيراً لامتحانات الشهادة المتوسطة. تشير والدتهما إلى الضغط الكبير الذي يتعرضان له في الدراسة وسط هذه الظروف الصعبة مع الحر الشديد وانقطاع التيار الكهربائي. ففي الليل وبسبب التقنين، يدرسان على ضوء الشمعة أو الهاتف ولا سبيل غير ذلك.   

فيما يعاني الطلاب الأصغر سناً بصمت في منازلهم، وجد طلاب جامعيون الحل في الدراسة بالمقاهي المفضلة لديهم حيث يتوافر التيار الكهربائي والإنترنت بمستوى أنسب.

يقصد الطالب سيرج الراعي المقهى بانتظام للدراسة بسبب انقطاع التيار في فترات طويلة خلال النهار. لا يجد مشكلة في الدراسة بالمقهى وهو معتاد على ذلك، لكن الظروف فرضت هذا الواقع حالياً لاستحالة الدراسة في المنزل مع الانقطاع المتواصل للكهرباء والإنترنت. فبات يقصد المقهى بانتظام في أوقات الامتحانات للدراسة.

في المقهى ذاته، يجلس على طاولة مجاورة ماريو بشور، مع رفيقيه في الجامعة ليا لحود وشوقي داغر. يحضرون يومياً من أسبوع إلى المقهى عند الساعة الخامسة للدراسة للامتحانات منذ بدء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت في المنزل.

يؤكدون أنهم يجدون القدرة على التركيز بشكل أفضل مما يفعلون في المنزل، خصوصاً أنهم موجودون معاً في المكان ذاته، فيشجعون بعضهم على الدراسة ويكون هذا بمثابة "تغيير جو" لهم. لذلك لا تبدو لهم هذه النقلة إلى الدراسة في المقهى مسببة للتوتر.

على الرغم من الظروف الصعبة، وجدوا فيها حلاً أمثل لمتابعة الدراسة، فاتخذوا القرار معاً للحضور يومياً إلى المقهى، علماً أن كلاً منهم يحضر من منطقة بعيدة نسبياً من بيروت، فيواجهون أيضاً مشكلة توفير البنزين لذلك.

في مقهى آخر في بيروت، يبدو المشهد مشابهاً، يجتمع الطلاب أيضاً للدراسة ضمن مجموعة. ماريا شديد، طالبة في علم النفس، تلتقي رفاقها يومياً من أشهر عدة في المقهى ذاته إما لحضور الصفوف أونلاين بسبب مشكلة الإنترنت في المنزل، أو للدراسة للامتحانات نظراً إلى انقطاع التيار الكهربائي أيضاً.

 

الوضع ليس سهلاً على حد قولها ويسبب لها الكثير من التوتر، خصوصاً مع كثرة الضجيج في المقهى في فترات بعد الظهر والأصوات المرتفعة، ما يمنعها من التركيز على الدراسة، بخاصة في المواد التي تتطلب منها الحفظ غيباً. لكن يبقى بالنسبة إليها، على الرغم من الصعوبات، الحل الأنسب في هذا العام الاستثنائي التي ازدادت فيه التحديات مع التعليم عن بعد والانقطاع المستمر في الإنترنت والتيار الكهربائي في معظم أوقات النهار. فيبدو واضحاً أنه لا حل آخر لمتابعة الدراسة بما تسمح به الظروف حالياً.

مواعيد منتظمة بالرغم من الظروف

في المقهى الذي يجذب الشباب، أصبح لكثير من الطلاب مواعيد منتظمة ومنهم من بات من الزبائن المواظبين الذين يبلّغون الإدارة مسبقاً أحياناً بقدومهم للدراسة أو للعمل، فيسألون عن الأوقات الأكثر هدوءاً فيه.

لاحظت الإدارة أن معدلات حضور الطلاب إلى المقهى للدراسة ارتفعت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة وبلغت الذروة مع اقتراب مواعيد الامتحانات، ومنهم بشكل خاص طلاب الجامعة اللبنانية، كما يوضح أحد المدراء في المقهى شربل دكاش. فترات الذروة خلال النهار هي من الساعة الثامنة حتى 11 قبل الظهر ومن الثالثة إلى الخامسة بعد الظهر.

ويردف "صحيح أن وجود الطلاب في المقهى يعتبر مريحاً وتقدّم لهم الخدمة الجيدة والإنترنت، لكن لا يمكن أن ننكر أن الدراسة في المنزل مناسبة أكثر وتخلو من مسببات التوتر كافة لو كانت الظروف طبيعية وبغياب كل الأزمات التي يواجهها الطلاب والموظفون. إضافة إلى الطلاب، يحضر كثير من الموظفين للعمل في المقهى، خصوصاً مع أزمة المحروقات وعدم القدرة على الانتقال إلى مكان العمل، إنما في فترة الصباح بشكل أساسي، بينما الطلاب يميلون إلى الحضور في فترة بعد الظهر أكثر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأزمات مجتمعة أساس المشكلة

قسوة الظروف الحالية أرغمت المواطنين عامةً والطلاب والموظفين تحديداً الذين يتمسكون بوجودهم في البلاد وحياتهم المهنية ودراستهم فيها، على التأقلم مع الأوضاع بأفضل ما يكون من خلال الحلول البديلة التي يجدونها.

لكن هذا لا يلغي حالة التوتر والقلق التي يمرون بها والتي لا تسهّل الأمور عليهم أبداً، لا بل تزيد من الأعباء. "لم تعُد المشكلة في انقطاع التيار الكهربائي بشكل خاص. فلو كانت الأزمة الوحيدة لما كان الوضع مسبباً للتوتر بهذا الشكل. التوتر ناتج بشكل طبيعي من تراكم الأزمات التي تجتمع كلّها مع بعضها"، كما توضح الاختصاصية في المعالجة النفسية نور واكيم.

وتضيف "يفكر كل مواطن بكل التحديات مجتمعة، ما يزيد من معدلات التوتر والقلق، من الوضع الأمني إلى الصحي إلى المعيشي، وأتت أزمة الكهرباء حتى يطفح الكيل. فيبدو وكأنه ما من نافذة للأمل بغض النظر عن طبيعة المشكلة الموجودة، سواء كانت أزمة كهرباء أو غيرها. فقدرة اللبنانيين على التحمّل تنخفض تدريجاً نتيجة تراكم الأزمات وهذا ما يبدو واضحاً من سرعة الانفعال حديثاً لديهم، ما يعتبر طبيعياً، مع الإشارة إلى أن الوضع يدعو للتوتر سواء للكبار أو للأطفال بالمعدل ذاته، فالكل يعاني من الضغط النفسي".

وترى واكيم أن الوضع سيبدو أسوأ في ظل الغموض والخوف من المجهول. "بالنسبة إلى الاطفال والشباب، التركيز على دراستهم هو الذي يشكّل مصدر توتر محدد في الأيام العادية، اليوم تضاف إلى ذلك كل الأزمات بين الكهرباء والبنزين والإنترنت وظروف الدراسة في الحر والتعليم عن بعد، مع ما يتطلبه ذلك من قدرة على التأقلم. وينطبق ذلك على الموظف في العمل عن بعد، إذ أمامه تحدي الكهرباء والإنترنت لينجز عمله والاجتماعات التي لديه، مع ما يسببه ذلك من توتر. وحتى في حال التوجه إلى المقهى لهذه الغاية، ربما لا تتوافر الظروف الملائمة له للعمل بهدوء كما هو يرغب. كلّها تحديات يواجهها المواطن وليس أمامه إلا التأقلم معها، فإلى متى يبقى قادراً على ذلك؟".

التحديات كثيرة اليوم على المستويات كافة، فيما يتطلب الوضع الحالي من المواطن قدرة عالية على التحمّل. فإلى متى سيتمكّن من إيجاد الحلول البديلة للاستمرار في ظل كل هذه الأزمات، وإلى أي مدى يمكن أن تحدّ هذه الظروف من الطموحات التي باتت محصورة في سبل تأمين أبسط الحاجات التي أصبحت تشكّل أحلاماً.

المزيد من تحقيقات ومطولات