Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قائد القوات الأميركية في أفغانستان يحذر من حرب أهلية فوضوية

شبح الحرب الأهلية يهدد الأفغان مع الانسحاب الأميركي ومراقبون يحذرون من سيناريو التسعينيات

بعد أيام من إعلان واشنطن انسحاب ما يزيد على 50 في المئة من قواتها في أفغانستان، أعرب قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال أوستن سكوت ميللر عن قلق عميق بشأن تدهور الوضع الأمني في البلاد، محذراً من انزلاق أفغانستان في حرب أهلية ما لم تتوحد قيادتها المدنية، في الوقت الذي تخطط قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للانسحاب الكامل بحلول 11 سبتمبر (أيلول) المقبل.

وفي حديثه إلى الصحافيين في العاصمة الأفغانية كابول، الأسبوع الماضي، وصف الجنرال الأميركي الذي يشرف على خروج القوات الدولية من أفغانستان الوضع الأمني بأنه "ليس جيداً في الوقت الحالي". وحذّر طالبان، بحسب وسائل إعلام أميركية، من محاولة السيطرة على البلاد بالقوة قائلاً "إن الاستيلاء العسكري ليس في مصلحة أحد، وبالتأكيد ليس لمصلحة شعب أفغانستان".

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أعرب ميللر عن قلقه حيال انزلاق البلاد إلى حرب أهلية فوضوية ما لم تتوحد قيادتها المدنية المتشرذمة، والسيطرة على المجموعة العشوائية من الجماعات المسلحة التي انضمت للقتال ضد طالبان.

تصاعد العنف

وتتصاعد الأعمال القتالية بين متمردي طالبان والقوات الحكومية الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة في جميع أنحاء الدولة التي مزّقتها الصراعات، لا سيما في المقاطعات الشمالية والمناطق الريفية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأفاد مسؤولون ووسائل إعلام أفغانية أنه خلال الأيام القليلة الماضية اجتاح مقاتلو طالبان أجزاء من ثلاث مقاطعات، وكلها تبعد مسافة قصيرة بالسيارة من كابول على الطرق السريع الذي يمتد من الشمال والجنوب، كما هاجموا نقاطاً أمنية في منطقة ثالثة تعانق الحدود الغربية للمدينة، لكن وفقاً لإذاعة صوت أميركا قال مسؤولون أفغان إن قوات الأمن استعادت بعض المناطق في الأيام الأخيرة، وتعهدت بطرد المتمردين من أخرى.

وعلى الرغم من العنف، أكد ميللر أن عملية سحب القوات لا تزال على المسار الصحيح بما يتماشى مع الأوامر التي أصدرها الرئيس الأميركي جو بايدن في منتصف أبريل (نيسان) الماضي. ويشرف ميللر الذي يقود المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان منذ العام 2018 على الانسحاب النهائي للقوات الأميركية التي كان عددها في السابق أكثر من 100 ألف خلال الصراع المستمر منذ ما يقرب من 20 عاماً مع إرهابي طالبان.

لكن الجنرال الذي تركزت مهمته على تدريب قوات الأمن الأفغانية وتحفيزها وتحسين أدائها، أشار إلى أن رحيل القوات الأميركية أضر بمعنوياتها التي قال إنها كانت بالفعل تتراجع بعد شهور من القتال العنيف. ويوفر الطيران الأميركي غطاء للقوات الحكومية في المعارك على الأرض.

تدهور الوضع الأمني

وقال ميللر، "الوضع الأمني ليس جيداً"، مشيراً إلى اتساع رقعة الخسائر في الأراضي وارتفاع الخسائر في صفوف القوات الحكومية وسط هجوم على مستوى البلاد شنته طالبان في الوقت نفسه الذي من المفترض أن تجري فيه محادثات السلام، مشيراً إلى أن "هناك كثيراً من الأسئلة حول لماذا وكيف يحدث هذا."

وتزعم طالبان أنها استولت على أكثر من 100 مقاطعة من أصل 419 مقاطعة في البلاد منذ الأول من مايو (أيار) الماضي، عندما بدأت القوات المتبقية للولايات المتحدة وحلفائها مغادرة أفغانستان بعد ما يقرب من عقدين من الزمن. وقدم المسؤولون العسكريون الأميركيون والأفغان على حد سواء تقديرات أقل بكثير، لكن واشنطن بوست تقول إن مزيداً من المناطق لا تزال تسقط في يد طالبان بشكل شبه يومي، إما في اشتباكات عنيفة أو من طريق الاستسلام السلمي، وفقاً لمسؤولين محليين وتقارير إعلامية أفغانية. كما تفيد الإذاعة الأميركية بأن عناصر طالبان استولت أخيراً على معبر حدودي رئيس مع طاجيكستان في شمال شرقي أفغانستان، وحاصروا جميع المدن الرئيسة تقريباً.

وقال مدير الاستخبارات الوطنية الأفغانية السابق رحمة الله نبيل خلال مقابلة صحافية الأسبوع الماضي، إن "استراتيجية طالبان هي محاصرة المدينة وعواصم المحافظات، والاقتراب أكثر فأكثر من جميع الجهات حتى يتمكنوا من التوقف قبل دخول كابول، ويقولون إنهم مستعدون الآن للحديث عن السلام".

وأشار إلى أن الجماعة المتطرفة تستهدف مواقع استراتيجية أخرى، بما في ذلك بعض النقاط على الحدود مع باكستان التي تضم بعضها مناجم أو سدوداً، والبعض الآخر على طرق ربط ريفية.

اتفاق الدوحة

ينبع الانسحاب العسكري من اتفاق فبراير (شباط) 2020 الذي تفاوضت عليه واشنطن مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة، لإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. ويقضي الاتفاق بسحب الولايات المتحدة جميع قواتها من أفغانستان بحلول منتصف 2021، ويحظر الضربات الجوية الأميركية على مواقع المتمردين في مقابل تأكيدات من طالبان بعدم السماح للجماعات الإرهابية باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات دولية، ووقف إطلاق النار مع القوات الأجنبية، وهو الاتفاق الذي تقوم إدارة بايدن بتنفيذه.

غير أن طالبان اتهمت في الأيام الأخيرة الماضية واشنطن بشن ضربات جوية ضد مقاتليها في انتهاك للاتفاق حتى مع انسحاب القوات الأميركية.

وقال ميللر خلال اللقاء الصحافي، "لقد أخبرت طالبان في الواقع أنه فقط أوقفوا العمليات الهجومية والضربات الجوية، وتوقفوا تماماً ونحن نمضي قدماً". وشدد على ضرورة عودة مفاوضي الحكومة الأفغانية وطالبان إلى طاولة المفاوضات في الدوحة، سعياً إلى التوصل لتسوية سياسية للأعمال العدائية.

ويعد سحب القوات الأميركية من أفغانستان هدفاً سعى إليه الرؤساء الأميركيون الثلاثة السابقون، منذ باراك أوباما مروراً بدونالد ترمب وحتى بايدن. وخلال عام 2020 اتخذت إدارة ترمب خطوات عدة تتعلق بسحب قواتها من أفغانستان، بما يشمل القوات في قاعدة "باغرام" التي تعرضت خلال عام 2019 لاثنتين من العمليات الإرهابية، أسفرتا عن مقتل جنود أميركيين.

وفي منتصف يوليو (تموز) العام الماضي، كشفت وسائل إعلام أفغانية على لسان مسؤولين في البنتاغون عن إغلاق خمس قواعد عسكرية في مقاطعات هلمند وأوروزجان وباكتيكا ولاغمان في إطار الاتفاق مع طالبان، بينما بقيت القواعد الأميركية الأكبر في "باغرام" الواقعة خارج كابول ومطار قندهار الجوي جنوب أفغانستان مفتوحة، فوفقاً للاتفاق كان أمام الولايات المتحدة 135 يوماً للوفاء بتعهدها بخفض عدد القوات من نحو 14000 إلى 8600.

أخطار الانسحاب

وبحسب أستاذ دراسات الأمن في جامعة جورج واشنطن توماس باركر، الذي تنقل طوال 30 عاماً بين العمل في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية والكونغرس، فإن متابعي الشؤون الأفغانية يعتقدون أن الانسحاب الكامل للقوات العسكرية الدولية سيؤدي إلى نشوب حرب أهلية أفغانية أعنف مما هي عليه الآن.

ومن المرجح أن مقاتلي طالبان المنتمين بشكل كامل إلى تنظيم القاعدة والبالغ عددهم نحو 60 ألف مقاتل مع الميليشيات المختلفة وما تبقى من الجيش الأفغاني، سوف يتنافسون كلهم على السلطة في الداخل وعلى السيطرة على كابول، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من النزاع في البلاد.

وحذر باركر في مقالة منشورة لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن انهيار الحكومة الأفغانية شبه مؤكد في حال سحب المجتمع الدولي دعمه العسكري والمالي الراهن، أو وجد صعوبة كبيرة في توزيعه بسبب مشكلات متعلقة بالسلامة.

واللافت أن الحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من الاتحاد السوفياتي صمدت عند الانسحاب العسكري السوفياتي عام 1989، لتعود وتنهار عام 1992 حين أوقفت موسكو دعمها المالي عنها.

وقالت مجموعة الأزمات الدولية إنه من غير المحتمل أن تستمر مفاوضات السلام التي تقودها الولايات المتحدة في حال تنفيذ انسحاب عسكري أميركي كامل قبل أن تبني المحادثات زخماً كبيراً على الأقل، إذ سيكون للحكومة الأفغانية نفوذ ضئيل نسبياً لجذب أو إجبار طالبان على البقاء في طاولة المفاوضات، بينما سيكون لدى الحركة حافز أقل للتفاوض إذا شعرت بأنها حققت بالفعل هدفها الأساس المتمثل في طرد القوات الأجنبية من أفغانستان.

وتعد أفغانستان وباكستان موطناً لما لا يقل عن 20 جماعة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة، وبحسب باركر فإن الانسحاب الدولي سيتيح لتلك التنظيمات الكلام عن انتصار، وهذا ما سيستقطب على الأرجح مزيداً من المجندين.

ويشار إلى أن الكلام نفسه تردد في أعقاب الانسحاب السوفياتي عام 1989، حين قالت الجماعات الإرهابية وبقدر كبير من التبرير، إنها هزمت قوة عظمى، على الرغم من عدم اعترافها بالمساعدة الكبيرة التي حصلت عليها من الولايات المتحدة وأوروبا في حينها.

ومن المحتمل أيضاً أن ينشط الإرهابيون الذين يعيشون حالياً في مكان آخر في العالم الإسلامي وفي الغرب، إذ قد يرون في أفغانستان مكاناً جديداً يتهافتون إليه، ربما للانضمام إلى فرع "داعش" في أفغانستان (ولاية خراسان) أو للانتقال إلى المناطق الخاضعة لحكم طالبان من أجل تلقي التدريب. وسيكون هذا السيناريو تكراراً لما حصل أواخر تسعينيات القرن الـ 20 حين غادر أسامة بن لادن السودان وأنشأ معسكرات تدريب جنوب أفغانستان في ظل حكم طالبان.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير