في مدينة ميونيخ الألمانية، وداخل إحدى البنايات التي يعود تاريخ إنشائها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، يجتمع ستة فنانين من العالم العربي وأوروبا لعرض أعمالهم الفنية تحت عنوان "عمارة الاعتقال". الأعمال المُشاركة في هذا المعرض مُستلهمة جميعها من تاريخ هذا المبنى الذي يضم الأعمال، والذي يرتبط تاريخه ارتباطاً وثيقاً بأحداث الحرب العالمية الثانية والنتائج التي ترتبت عليها. يقام المعرض المستمر حتى أكتوبر (تشرين الاول) المقبل بإشراف اللبناني سام بردويل والألماني تيل فيلراث كقيمين. يمثل المعرض الحالي النسخة الثانية من مشروع ممتد على ثلاثة أجزاء انتهى عرض النسخة الأولى منه في أبريل (نيسان) الماضي وحملت عنوان "عمارة الخداع"، وهو عنوان يشير إلى الميزات الخارجية المموهة للمبنى، الذي استخدم كملجأ سابق من الغارات الجوية. ومن المقرر أن تختتم هذه الثلاثية بمعرض بعنوان "عمارة التحول" والتي تستكشف الاستخدام الحالي للمبنى.
يعتمد مفهوم النسخة الحالية من هذا المشروع على وظيفة المبنى السابقة كمعسكر اعتقال خلال فترة التطهير من الأفكار النازية التي أعقبت انتهاء الحرب، كما تستحضر الأعمال في جانب منها كذلك التجربة العالمية الحالية للعزلة. تقدم الأعمال المعروضة حواراً بين الأفكار الإبداعية والهندسة المعمارية الداخلية للمبنى، من دون تهميش لتاريخه المرتبط بالحرب والعزلة. ومن هنا يدعو المعرض الزوار للتفكير في آثار القيود المادية والاجتماعية، وتأثيرها في الفرد.
في شريط الفيديو المشارك تتتبع كاميرا الفنان الفرنسي رمزي بن سليمان راقصاً شاباً غير قادر على دفع إيجار غرفته. وفي رحلته عبر المدينة يلتقي الراقص الشاب بمجموعة من الراقصين الذين يتنافسون من أجل أفضل راقص، فيشارك بطل الفيلم بما تبقى معه من مال ويسحر الجمهور بحركاته الانسيابية. ويتعرض العمل النحتي للفنانة الفلسطينية منى حاطوم لفكرة الترابط بين فردين متصلين بعضاً ببعض. ويعد النحت هو من سمات حاطوم، حيث تتحول الأشياء البسيطة في أعمالها إلى أعمال فنية لا تخلو من السخرية. قامت حاطوم هنا بالتدخل في هيئة كوب الشاي الأبيض بمضاعفته بحيث يوحي الشكل الناتج بنوع من الحميمية والمشاركة.
الحبس الإنفرادي
وفي عملها تتعقب الفنانة التونسية نادية الكعبي أبعاد زنزانات السجن المستخدمة للحبس الانفرادي في مؤسسات مختلفة من العالم. عند دخولهم مساحة المعرض، يصبح الزائرون على الفور جزءاً من هذا التركيب، ليجدوا أنفسهم، من دون أن يدركوا ذلك، داخل العمل. تشير الهندسة المعمارية الضيقة والمغلقة لمساحة العرض إلى الظروف المعيشية للسجناء. ومن خلال تتبع هيئة السجون الأخرى يمكن الإلمام بظروف الاحتجاز المختلفة.
وفي عمل الفيديو الذي تقدمه الألمانية أنيكا كهرس يتم المزج بين الأداء الموسيقي في قاعة حفلات كلاسيكية وأخرى داخل مكان خاص. في هذا العمل يظهر ثلاثة موسيقيين يعزفون الموسيقى في منازلهم، بينما يصدح على وقع موسيقاهم مغني أوبرا على مسرح قاعة حفلات فارغة. وفي عمل الفنان التركي أوزغور كار تظهر على شاشتي عرض ملامح لهيئة بشرية في وضع جنيني. يتخلل هذا الشكل صالة العرض ويصدر أصواتاً خافتة تذكرنا بأحلام الطفولة وأغنيات قبل النوم. يؤكد العمل على الأحاسيس المتناقضة للرغبة في الحماية ومشاعر الأسر والوحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الفنانة البولندية جوانا بيوتروفسكا فتتعرض، في ثلاثة أعمال إلى العلاقة بين الجسد والمساحة المادية. عند دخول المعرض والخروج منه، يرى المشاهد صوراً لأبواب متداخلة. يحاكي هذا التكوين مشاعر الاحتجاز. وفي عملها الثاني تصور زوجين من الأيدي المتشابكة في لفتة للرغبة في الدعم والمساندة. وفي الثالث تظهر صور ومشاهد لأفراد مختلفين طُلب منهم إقامة ملاجئ مؤقتة في منازلهم، ومن ثم تم تصوير الأفراد متجمعين داخل هذه المساحات الضيقة.
قيّما المعرض سام بردويل وتيل فيلراث هما مؤسسان ومديران لمنصة Art Reoriented المتعددة التخصصات، والتي تم إطلاقها في نيويورك وميونيخ في عام 2009. أسهم بردويل وفيلراث في عديد من الفعاليات الدولية كقيمين. ومن بين المشاريع التي تعاونا في تنسيقها إشرافهما معاً على الأجنحة الوطنية في بينالي البندقية للبنان عام 2013 والإمارات عام 2019، كما تم اختيارهما كقيمين على الجناح الفرنسي للدورة المقبلة من بينالي البندقية في 2022.