Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رهانات الابتزاز الإيراني وحسابات العصا الأميركية

المنطقة محكومة بمزيج من دوافع الصدمات وإغراء الصفقات

أعضاء وفود أطراف الاتفاق النووي في فيينا  (أ ف ب)

نظام الملالي في إيران متشدد لكنه ليس انتحارياً، وإدارة الرئيس جو بايدن براغماتية لكنها ليست ساذجة. طموح الملالي كبير لإقامة إمبراطورية قائمة على أيديولوجيا غيبية، وهم يعملون للمشروع على مراحل وطريقة صنع السجاد، عين على المخطط الكامل، وعين على الخطوط والتفاصيل. وإذا كانت الحرب تخدمهم فإنهم يحاربون بالوكالة عبر الميليشيات التي أنشأوها في بلدان المنطقة من مكوّن مذهبي، وإذا كانت الصفقات والتسويات ضرورية فإنهم يسارعون إليها بأنفسهم، فلا هم يتدخلون مباشرة حين يدخل وكلاؤهم في صدام عسكري يخدم حساباتهم والمشروع، ولا هم استشاروا هؤلاء حين عقدوا الاتفاق النووي أو يتوقفون على آرائهم اليوم في مفاوضات فيينا.

إدارة بايدن بدت مستعجلة في التفاوض على العودة إلى الاتفاق النووي الذي خرجت منه واشنطن أيام الرئيس دونالد ترمب، فالأولوية عندها لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي، غير أنها ليست ضمن استراتيجية أميركية متكاملة حيال الشرق الأوسط لا تزال عملياً غائبة، حيث الهم الاستراتيجي في اتجاه الشرق الأقصى ومواجهة الصين وروسيا، أما معالجة الخطر الإيراني الآخر بعد الخطر النووي، وهو برنامج الصواريخ الباليستية و"السلوك المزعزع لاستقرار المنطقة"، فإنها مؤجلة إلى مرحلة ثانية، وتكتيك الإدارة الأميركية الذي شرحه وزير الخارجية أنتوني بلينكن هو إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى "الصندوق" لتخفيف القلق حيال البعد العسكري للبرنامج، ثم التفاوض على الصواريخ والسلوك والنفوذ.

لكن الأولوية في طهران هي لرفع العقوبات الأميركية، والتكتيك هو ابتزاز أميركا وأوروبا والعالم كله باللعب على مخاوفهم و"بيعهم" الامتناع من تطوير برنامج عسكري أُنفقت عليه عشرات مليارات الدولارات، وتدعي أنها لا تريده وأن المرشد الأعلى أصدر فتوى ضد امتلاك سلاح نووي، وهي عملياً مارست الازدراء بروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا شركاء الاتفاق، حين بدأت خرق التزاماتها رداً على الانسحاب الأميركي، وكأن الاتفاق مع واشنطن فقط، فضلاً عن أنها لم تتوقف عن العمل سراً على البرنامج العسكري، لا قبل قرار ترمب ولا بعده، لا بل إنها تصر على رفض أي تفاوض على البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي، وبالتالي تريد أن تحصل على رفع العقوبات كاملة والاستمرار في برنامجها الصاروخي وسلوكها المزعزع للاستقرار، والتسليم لها بالهيمنة على اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذه مهمة مستحيلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ذلك أن إدارة بايدن تهز العصا لإيران بعد أشهر من تقديم الجزر، وأقل ما أعلنه بلينكن في باريس هو أن الخلافات لا تزال "جدية جداً"، والوقت ليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية في مفاوضات فيينا، والانسحاب الأميركي منها ليس بعيداً، والمعادلة رداً على أحاديث إيران عن اتفاق شبه كامل ورفع للعقوبات هي، "لا اتفاق على أي شيء إن لم يتم الاتفاق على كل شيء".

صحيح أن الفريق الأميركي المفاوض والمشرف على المفاوضات هو الفريق نفسه الذي يتولى التفاوض أيام الرئيس باراك أوباما باستثناء جون كيري الذي كان بلينكن نائبه، لكن الصحيح أيضاً أن الظروف والحسابات تغيرت. الرئيس بايدن الذي كان نائب أوباما أكثر منه خبرة بكثير، والمشروع الذي عمل له أوباما ودفعه إلى التنازلات أمام طهران سقط بقوة الوطنية، وهو مشروع تقاسم الشرق الأوسط بين محورين، أحدهما شيعي بقيادة الملالي، والأخير سني بقيادة الإخوان المسلمين في تركيا ومصر وتونس وليبيا وسوريا.

ثم إن فرنسا بدأت تقترب من الموقف الأميركي، فالرئيس إيمانويل ماكرون أعلن "أن النظام الإيراني يشكل تهديداً لتوازن المنطقة، ليس فقط بسبب برنامجه النووي بل أيضاً بقدراته الباليستية وزعزعة الاستقرار من جانب وكلائه وحلفائه من الميليشيات التي يمولها في العراق وسوريا ولبنان"، والرئيس بايدن وعد أكثر من مرة بأن يضع حلفاء أميركا في الحساب ويتشاور معهم ويعمل على إشراكهم في المفاوضات، وهو لا يستطيع أن يتجاهل هواجس إسرائيل المتعلقة بالسلاح النووي والصواريخ، بصرف النظر عن حساباته الأشمل، ولا هو قادر على إدارة الظهر لمجلس التعاون الخليجي الذي قال في بيان له إن "من الضروري مشاركة دول المجلس في المفاوضات"، وأشار إلى "خطورة الفصل بين تداعيات الاتفاق النووي وأنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة ورعايتها للإرهاب".

اللعبة ليست محصورة في مفاوضات فيينا، فالتمهيد للاتفاق النووي عام 2015 جرى في محادثات أميركية - إيرانية سرية دارت في عُمان بوساطة من السلطان الراحل قابوس، وحتى الأمور المتعلقة بالعودة إلى الاتفاق خلال مفاوضات غير مباشرة يتوسط فيها شركاء تحتاج إلى مشاورات مع العواصم، وإن كان المفاوضان في الواجهة هما الأميركي روبرت مالي والإيراني عباس عرقجي، فكيف عند التوصل إلى الصواريخ والنفوذ والسلوك، وما سماه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان"البعد الإقليمي"؟ وكيف إذا كان رئيس الجمهورية نفسه ليس صاحب القرار الذي يتخطاه إلى الحرس الثوري ويتركز في يد المرشد الأعلى علي خامنئي؟

المنطقة محكومة بمزيج من دوافع الصدمات وإغراء الصفقات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل