عادت حال الاحتقان السياسي بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان والمعارضة إلى الواجهة. وتجددت لائحة الاتهامامت بين الطرفين، إذ قالت المعارضة إن العسكريين يتجهون إلى التمسك بالسلطة وحدهم، وإقصاء القوى السياسية التي قادت الاحتجاجات حتى إسقاط نظام عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019.
يقول القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير خالد عمر يوسف في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إن المجلس العسكري تجاوز الرد المطلوب، ولمسنا في حديثه نزعة للتسويف في المفاوضات بين الطرفين"، معتبراً "خطوات المجلس مخيبة للآمال، لأنها تجاوزت النقاش بشأن نقاط الخلاف بشكل واضح".
ويشير إلى أن "قوى الحرية والتغيير لن تدخل في عملية تفاوضية مفرغة في المستقبل، وأن المجلس إذا لم يلب مطالب الشارع واستمر في المماطلة، فإننا سنتجه إلى خيار التصعيد والاحتجاج الشعبي الذي قاده الشارع طوال الأشهر الخمسة الماضية وأدى إلى المتغير السياسي الكبير الذي نعيشه الآن".
يوسف يرى أن التصعيد "سيضيع زمن البلاد إذا كان خيار المعارضة، لكن هذا لا يعني أن نسمح لهم بتحقيق رغبتهم في الاستحواذ على السلطة"، مؤكداً أن "الانخراط في اجتماعات مستقبلية يجب أن يركز على النقاط الأساسية التي تعيد السلطة إلى المدنيين".
تجاوز صلاحيات
يقول القيادي في التجمع الاتحادي المعارض مخلص محمد الحسن إن "العسكر تجاوزوا صلاحياتهم في الرد على الوثيقة المتعلقة بهياكل الدولة"، ويضيف "تطرق الرد إلى مسألة التشريع في القوانيين وهي إحدى مهمات البرلمان التي يبنغي على المجلس العسكري ألا يتحدث بشأنها"، ويذكر أن "منح المجلس صلاحيات كبيرة على حساب الأجهزة التنفيذية والتشريعية لا يفضي إلى حلول للوضع السياسي الذي يشهده السودان".
ويعتبر الحسن أن "الجيش يفترض أن يكون حامي الثورة ويعمل على إتاحة الفرصة للمدنيين لتوفير حل يحافظ على مكاسب الثورة ويضمن الاستقرار". كما يشير إلى أن رد المجلس استغرق ستة أيام، واختيار قادته التفاوض عبر المؤتمرات الصحافية يدل على التعامل غير الجدي.
اختلافات
كان المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين كباشي قال إن "الوثيقة الدستورية لقوى إعلان الحرية والتغيير أغفلت مصادر التشريع وأن المجلس يرى أن تكون الشريعة الإسلامية والأعراف مصدراً له"، مشيراً إلى أن الوثيقة تتضمنت "كثيراً من نقاط الالتقاء، بينما هناك نقاط تحتاج إلى استكمال البحث حولها".
أضاف كباشي أن الوثيقة "تجاهلت اللغة العربية لغة رسمية للدولة"، وحددت "الفترة الانتقالية بأربع سنوات، على أن تبدأ مع دخول الدستور الانتقالي حيّز التنفيذ"، في حين اقترح المجلس العسكري أن تكون الفترة سنتين. وذكر كباشي أن "وثيقة المعارضة منحت مجلس الوزراء قرار إعلان حالة الطوارئ وليس للمجلس السيادي"، موضحاً أنها أغفلت كذلك الإشارة إلى دساتير الولايات.
دور المجلس
يشير المحلل السياسي عز العرب حمد النيل إلى أن "المجلس العسكري لعب دوراً كبيراً في حالة انسداد الافق بينه وبين قوى الحرية، إذ كان من الأولى أن يصل الطرفان إلى اتفاق بشأن مجلس الرئاسة المدني، لكن عندما اصطدم الطرفان بعقبة نسب تمثيل المدنيين والعسكريين داخل المجلس، انتقلا إلى الحديث عن مستويات الحكم في الفترة الانتقالية التي فهمها المجلس فهماً مغلوطاً، إذ جاء بكثير من التفاصيل المتعلقة بالدستور، والمطلوب هو النقاط العريضة حوله".
يضيف "أعتقد أن المجلس وجه دعوة إلى الأحزاب المشاركة في الحكومة السابقة وكأنما يستقوي بها ضد قوى الحرية والتغيير التي قادت الاحتجاجات، وأن ذلك النهج أوصل البلاد إلى حالة أبعد من انسداد الأفق".
ويختم حديثه "الآن الطرفان مطالبان بأن يصلا إلى منطقة وسطى في ما يتعلق بالتمثيل ولا بد من النظر إلى التراث السياسي في السودان، خصوصاً المتعلق بمجلس الرئاسة عقب انتفاضة أبريل (نيسان) 1985، إذ أقر السودانيون وجود مجلس مدني رئاسي ومجلس عسكري بمهمات محددة، والفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة أكتوبر (تشرين أول) 1964، إذ لم يكن ينظر إلى نسبة وجود العسكر في مجلس الرئاسة... العودة للاستفادة من تلك التجارب ممكنة للوصول إلى رؤى تقود نحو الخووج من حالة انسداد الأفق، ودون ذلك فإن السودانيين على استعداد للعودة إلى التصعيد ومواصلة الاعتصام، لأنه قد يلمس وجود ممارسات النظام في خطوات المجلس".
عريضة ضد البشير
في تطور تجاه الرئيس المعزول عمر البشير تقدم محامون سودانيون، الخميس، بعريضة قانونية للنائب العام في العاصمة الخرطوم، اتهموا فيها البشير بتقويض النظام الدستوري عبر تدبيره الانقلاب العسكري عام 1989.
وتُعتبر هذه الخطوة الثانية ضد البشير بعد شروع نيابة مكافحة الفساد والتحقيقات المالية الأحد باستجوابه، في بلاغات بشأن قضايا فساد وتمويل إرهاب.
من المحامين الذين قدموا العريضة، القيادي في المعارضة علي محمود حسنين، وكمال الجزولي. ويستند المحامون في دعواهم إلى أن انقلاب البشير ومساعديه على النظام الدستوري يُعتبر الجريمة الأم، التي تناسلت عنها كل جرائم النظام طيلة الأعوام الثلاثين الماضية، كما يعتقدون بأن الإجراءات القانونية ضد الرئيس المخلوع ستساعد في إرجاع الأموال المنهوبة.
وتستند الدعوة إلى قوانين قديمة مجازة منذ العام 1983، لأن القانون الجنائي المعمول به حالياً أُدخل عليه تعديل دستوري من قبل نظام البشير. وتشير إلى أن بعض الجرائم، ومن بينها تهمة تقويض النظام الدستوري، تسقط بعد مرور عشرة أعوام من ارتكابها إذا لم يُدون فيها بلاغ قانوني.
ويكشف حسنين عن أن العريضة لا تقتصر على البشير، بل تشمل أسماء أخرى منها علي الحاج، زعيم حزب المؤتمر الشعبي الذي انشق عن حزب المؤتمر الوطني بقيادة البشير، وغازي صلاح الدين العتباني الذي تولى عدداً من المناصب التنفيذية وانشق عن البشير وكوّن حركة الإصلاح الآن، والداعية السوداني عبد الحي يوسف، والطيب مصطفى الذي تربطه صلة قرابة بالبشير، إلى جانب عدد من قيادات ورموز النظام السابق".
يضيف حسنين أن "النائب العام قبل العريضة وأحالها إلى وكيل نيابة الخرطوم شمال وهي دائرة الاختصاص التي تقع فيها القيادة العامة للجيش السوداني، التي تحرك منها البشير لقيادة الانقلاب في 30 يونيو (حزيران) 1989".
وتتضمن العريضة بلاغاً ضد الجبهة القومية الإسلامية التي كان يرأسها حسن الترابي، والتي تعتبر الحاضنة الفكرية لحزب المؤتمر الوطني، لتدبيرها الانقلاب مع البشير. ويقبع البشير في سجن كوبر الاتحادي في مدينة الخرطوم بحري، عقب عزل الجيش له من الرئاسة.
انتقال سلمي
ودعت الأمم المتحدة، الخميس 9 مايو (آيار)، جميع الأطراف في البلاد إلى العمل بهدف ضمان انتقال سلمي للسلطة وتحقيق تطلعات الشعب في الديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية. وأوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن المنظمة "تواصل حث جميع الأطراف على إجراء حوار شامل لتلبية تطلعات الشعب في الديمقراطية، وتدعو الجميع للعمل معاً لضمان الانتقال السلمي والسلام المستدام".
وأشار إلى أن مستشار الأمين العام، نيكولاس هايسوم، عقد الأربعاء، في العاصمة الخرطوم، اجتماعاً مع المجلس العسكري الانتقالي، وهو منخرط مع قوى إعلان الحرية التغيير، بغية تيسير عملية انتقالية بقيادة مدنية.
وتطالب قوى إعلان الحرية التغيير التي تقود الاحتجاجات منذ أواخر العام الماضي بمجلس رئاسي مدني، يمارس المهمات السيادية خلال الفترة الانتقالية، وبمجلس تشريعي ومجلس وزراء، مكوّنين من المدنيين، ويغلب على الطابع التنفيذي الذي تنادي به المعارضة أن يكون من الكفاءات الوطنية، لأداء المهمات الوزارية.