لا يختلف الموريتانيون عن غيرهم من المسلمين في عادات التعبد والاعتكاف والتصدّق خلال شهر رمضان. لكنهم يتميّزون عن غيرهم ببعض العادات المرتبطة بهذا الشهر، التي دأبوا عليها حتى أصبحت جزءاً من ثقافتهم الخاصة.
زغبة رمضان
يعتبر الموريتانيون أن شعر الرأس الذي ينبت بالتزامن مع أول أيام رمضان هو مباركٌ لصاحبه. لذلك، يعمد الرجال والأطفال، في الغالب، إلى الحلاقة في آخر يوم من شعبان للحصول على "زغبة رمضان" الجالبة للحظ واليمن والبركة، وفق عادات ورثوها عن أجيال وقرون سحيقة.
الزريق
يشترك الموريتانيون مع كثير من المسلمين في إعداد الوجبات الخاصة برمضان كالكسكس والحساء مع المشروبات والتمر. لكنهم يختصّون بما يعرف بـ "الزريق" وهو المذق بالعربية الفصحى، الذي يُعَدُ بخلط الماء باللبن مع القليل من السكر.
الشاي وجيماته الثلاث
الأتاي (أو الشاي)، الذي لا غنى عنه عند الموريتانيين مباشرة بعد شرب "الزريق" عند أذان المغرب، هو عبارة عن مزج الماء بورق الشاي وتسخينهما، وإضافة السكر والنعناع، وصبّه في كؤوس مزيّنة بالرغوة.
ولا يسلم الصائم من صداع الرأس عندما لا يشرب "الأتاي" فوراً بعد غروب الشمس، الذي يسمى "الذهبي".
ويعتبر الموريتانيون أن محتسي "الأتاي" لا يجد نشوة خاصة إلا باجتماع ثلاث جيمات هي "الجر" و"الجماعة" و"الجمر". فالجرّ يعني تمديد وقت شربه ليتمكن المتسامرون من الحديث الشيق. والجماعة تعني شربه في مجلس من الناس. والجمر هو النار لتحضير الشاي، غير أنه استبدل اليوم بالغاز وغيره، لكن العبارة لا تزال جارية على الألسن. بالتالي، بقي المضمون سارياً لحث الناس على تناول الشاي خلال مدة تتّسع لتجاذب أطراف الحديث.
يقول محمد الإمام، إن "الشاي، الذي دخل البلاد منذ العام 1876 من طريق مدينة سان الويس السينغالية، حيث كانت تبيعه شركة فرنسية، أصبح جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الموريتانيين، خصوصاً مجتمع البيضان. لذلك، فإن له طقوساً خاصةً به، وله أشعاره ومناظراته الشعرية الطريفة، وحتى أنه، كغيره من المستجدّات، وجد نصيبه من آراء الفقهاء على اختلافها من حيث تحليله وتحريمه".
الأطاجين
أما "الأطاجين" فهو في العادة طبقٌ من اللحم والبصل والبطاطس والجزر والمرق والخبز. ويُتناول مباشرة قبل صلاة التراويح أو بعدها. ولا علاقة له بالطبق الرئيسي الذي يُقدّم، قبل منتصف الليل، من الكسكس أو الأرز أو المعكرونة.
حين يطلق سراح العفاريت
ترتبط ليلة القدر في أذهان الموريتانيين بليلة 27 من رمضان، على الرغم من علمهم التام بالحديث الذي يدعو إلى ترقّبها في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر.
ويعتقد الموريتانيون أنه تفكّ أغلال عفاريت الجن وإخراجها من أصفادها ليلة 27. لذلك، يُكثرون فيها من التعاويذ الطاردة للجن ويحرقون البخور الذي يكره العفاريت رائحته، وفق الثقافة المحلية. تقول مريم بنت خطاري "تقوم النساء في شهر رمضان بتحصين الأطفال بالتعاويذ والتمائم ويحرقنَ البخور لطرد الجن الذين أُخرجوا من سجنهم. وهي عادة قديمة لا يسلم منها أي بيت تقريباً".
كما يعتقد الموريتانيون أن لائحة من سيموتون في السنة المقبلة تُسجل ليلة 27، أي ليلة القدر. لذلك، يُكثرون من التواصل لطلب الصفح والمغفرة من الأهل والأصدقاء والجيران وكل من كان ضحية إساءة أو بذاءة خلال السنة الماضية.
عشرية الحمير
يقسّم الموريتانيون شهر رمضان إلى ثلاث عشريات، ويربطون كل عشرية باسم دواب الركوب. فـ "عشرية الخيل" هي الأيام العشرة الأولى من رمضان، وهي الأسرع بالنسبة إلى الصائم لأنه لم يتعب بعد. و"عشرية الإبل" هي الأيام العشرة التالية لها، وهي أبطأ من سابقتها لأن الصائم يكون قد تملكه شيء من التعب. و"عشرية الحمير" هي الأبطأ لأن الصائم خلالها يتملكه الإرهاق الشديد، كأنها تمرّ عليه بدرجة كبيرة من البطء والنكد.
"أنديوْنَه" الإلزامية
أصل هذه الكلمة إفريقي ولفي، وهي تعرف في بعض المناطق بـ "العيديّة"، أي الهدية التي تمنح خلال عيد الفطر.
وغالباً ما يحضّر الأطفال ثيابهم وتحضّر النساء زينتهنّ في آخر يوم من رمضان استعداداً للتجول في الحي بحثاً عن "أنديونه"، التي يمكن لأي شخص أن يطلبها من أي كان من دون سابق معرفة أو علاقة.
وتفرض تقاليد المجتمع على من تُطلب منه "أنديونه" أن يدفع أي شيء، مع أن النقود هي المفضلة، وإلا فغير ذلك.