دخلت المعارضة السودانية ممثلةً بـ "قوى الحرية والتغيير" في سجالٍ مع المجلس العسكري الانتقالي، عبر عقد مؤتمرات صحافية بشأن وثيقة "إعلان دستوري" لإنشاء مؤسسات الحكم خلال فترة انتقالية لم يُتّفق على مدتها، بينما تُبذل جهود لإعادة الطرفين إلى قاعات التفاوض لتسوية القضايا الخلافية.
وأكد رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان الحرص على انتقال سريع للسلطة بعد الفترة الانتقالية، بينما شدّد نائب وزير الخارجية الأميركي أمامه على ضرورة تجاوز الخلافات بين القوى السودانية. وصرّح عضو في المجلس العسكري لـ "اندبندنت عربية" إنهم سيدعون الفريق المفاوض لـ"قوى الحرية والتغيير" إلى اجتماع الخميس، لمناقشة نقاط الخلاف والاتفاق في وثيقة "الإعلان الدستوري" على التوصل إلى تفاهمات تقود إلى تشكيل حكومة انتقالية تملأ الفراغ الدستوري وتتصدّى للقضايا الاقتصادية المعقدة، وتجنّب البلاد خيارات سيئة يمكن أن تجرها إلى الفوضى.
رد مخيّب
واعتبرت "قوى الحرية والتغيير" في مؤتمر صحافي عقدته الأربعاء، أن ردّ المجلس العسكري على وثيقة الاقتراحات الدستورية التي تقدّمت بها بشأن المرحلة الانتقالية "مخيب للآمال"، متهمةً إياه بالمماطلة والتسويف في تسليم مقاليد السلطة إلى حكومة مدنية، محذرةً من مواصلة التصعيد والمقاومة وإعلان العصيان المدني. وقال خالد عمر يوسف القيادي في "قوى الحرية والتغيير" إن "الردّ المكتوب من المجلس العسكري على مقترحات وثيقة دستورية قدّمناها الأسبوع الماضي، جاء مخيباً للآمال، وعمد إلى إبداء ملاحظات على الوثيقة وكأنها دستور شامل". وأوضح أن "الوثيقة في الأساس كرّست جهدها لتحديد صلاحيات مؤسسات الحكم ومهماتها"، متهماً المجلس العسكري بأنّه "حاول الالتفاف بالردّ على قضايا ليست جوهرية، بغرض المماطلة والتسويف".
وأكد يوسف أن "قوى الحرية والتغيير" غير مستعدة "لمجاراة المجلس العسكري في المماطلة، لأنّ مواقفها واضحة ومبدئية؛ وأهمها تسليم السلطة من قبل المجلس العسكري إلى حكومة مدنية، وهو أمر وَضُحَ أن المجلس العسكري غير جادٍ فيه". وشدّد على أن المعارضة "مستمرّة في المقاومة لمواجهة المجلس العسكري بكل السبل، بما في ذلك إعلان العصيان المدني".
"لا للتهديد بالانتخابات"
من جهة أخرى، وصف مدني عباس مدني، القيادي الآخر في "قوى الحرية والتغيير"، الانتقادات التي وجِّهت حول عدم تضمين مصادر التشريع في الوثيقة، ومنها الشريعة الإسلامية، بـ "المزايدات السياسية التي تشبه المزايدات التي كانت تحصل في عهد المعزول عمر البشير حيث المتاجرة بالدين"، مشدداً على أن "ما قدمناه هو مجرد وثيقة دستورية وليس دستوراً متكاملاً". وحول تهديدات المجلس العسكري بإجراء انتخابات مبكرة خلال 6 أشهر، في حال عدم التوافق بين المجلس العسكري والمعارضة، اعتبر عباس مدني أن "أي محاولة لإجراء انتخابات مبكرة، مقصودٌ بها شرعنة النظام القديم"، منتقداً طريقة المجلس العسكري في الردّ على "قوى الحرية والتغيير" من خلال مؤتمرات صحافية وليس عبر مفاوضات مباشرة.
تحفظات العسكر
في المقابل، لخّص الناطق باسم المجلس العسكري شمس الدين ﻛﺒﺎﺷﻲ الملاحظات على عددٍ ﻣﻦ بنود وثيقة المعارضة، وأﻫﻤﻬﺎ "إﻏﻔﺎﻝ الوثيقة ﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ"، مقترحاً اعتماد ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻷﻋﺮﺍﻑ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎليد ﺍﻟسودانية، ﻭﺃﻥ تكون العربية هي ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ. ﻭﺃﺷﺎﺭ ﻛﺒﺎﺷﻲ ﺇﻟﻰ أﻥ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ أغفلت ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ الولايات، ﻭلم ﺗُﺸﺮْ إلى ﺴﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ بهذه الدساتير ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍره، ﻭﺗﺴﻤﻴﺔ أقاليم بدلاً مﻦ ﻭﻻﻳﺎﺕ، من ﺩﻭﻥ ﺍلإﺷﺎﺭﺓ إلى كيفية ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟحكم ﻭﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﻟﻪ. ﻭلفت إلى إﻏﻔﺎﻝ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ إلى ﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﻗﺎﻝ "ﺃﻏﻔﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ". ﻭﻧﺒّﻪ ﺇﻟﻰ عدد ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ بالقضاء ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ. ﻭﺃﻋﻠﻦ ﺍﻟﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﺎسم ﺍﻟﻤﺠلس، أﻧﻪ ﻻ ﻣﺎﻧﻊ لديهم في ﺣﺎﻝ تم ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﻣﻊ "ﻗﻮﻯ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ"، من ﺘﺸﻜﻴﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﻟﺒﻘﻴﺔ مؤسسات السلطة ﻣﻦ مجلس الوزراءﺀ وبرلمان ﻭﺃﻗرّ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺨﻼﻑ الأكبر يدور حول ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻱ.
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺟﻬﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ قدّمت قتراحات ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮ، قاطعاً بعدم ﻭﺟﻮﺩ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ تستدعي تدخل الوساطة.
عراك بالكراسي
في غضون ذلك، اشتبك ممثلون لأحزاب موالية ومعارِضة بالأيدي والكراسي، عقب اجتماع عُقد الأربعاء بدعوة من اللجنة السياسية للمجلس العسكري في قاعة للمؤتمرات في الخرطوم. واشتبك مناصرو حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً مع مؤيدي الحراك الشعبي، وتبادلوا الضرب بالكراسي. وقال ممثل "ائتلاف شباب السودان" ناجي بدوي إن أسباب العراك هو تصريح أدلى به أحد المشاركين إلى قناة فضائية شتم فيها الحراك الشعبي و"قوى الحرية والتغيير"، معتبراً أنها "مستأسدة"، فيما رأى آخر أن الأحزاب شاركت في "حكومة الطغيان" لينتهي النقاش بتلاسن وضربٍ بالكراسي.
"قوش" قيد الإقامة الجبرية
في سياق آخر، ﻛﺸﻒ عضو المجلس العسكري الفريق ياسر العطا ﺃﻥ ﻗﻮﺍﺋﻢ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ تزداد مع مرور الوقت، واعداً ﺑﻨﺸﺮ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ، ﻭﺫﻛﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ المعزول ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ ﻭﺷﻘﻴﻘﻪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭنواب الرئيس السابقين علي ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﻪ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﻮﺳﻒ ﻛﺒﺮ ﻭﻧﺎﻓﻊ ﻋﻠﻲ ﻧﺎﻓﻊ ﻭﺃﺣﻤﺪ ﻫﺎﺭﻭﻥ ﻭرئيس البرلمان السابق ﺍﻟﻔﺎﺗﺢ ﻋﺰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭحاكم ولاية جنوب دارفور السابق ﺁﺩﻡ ﺍﻟﻔﻜﻲ ﻭﺍﻟﺤﺎﺝ ﻋﻄﺎ ﺍﻟﻤﻨﺎﻥ ﻭمأمون ﺣﻤﻴﺪﺓ. ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ وجود كثيرين ﻏﻴﺮﻫﻢ. ﻭﺃﻛﺪ ﻳﺎﺳﺮ ﺃﻥ البشير ﻭﺭﻣﻮﺯ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ يقبعون ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ﻛﻮﺑﺮ، متعهداً بمحاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين، الذين "لن يلفتوا من العقاب". وكشف أن مدير جهاز الأمن السابق الفريق صلاح عبد الله "قوش" وُضع قيد الإقامة الجبرية ولم يستبعد تقديمه إلى محاكمة في حال ثبوت اتهامه بقتل متظاهرين خلال الاحتجاجات.