شهدت وزارة الخارجية اللبنانية الإثنين الفائت، "إنزالاً" عسكرياً لجهاز أمن الدولة، بحسب وصف مصدر مطلع، حتى خُيّل للعاملين في الوزارة والداخلين إليها أن أمراً خطيراً يمس أمن الدولة استدعى تدخل الجهاز المعني.
هذا التحرك الأمني جاء بعدما تفاعلت قضية تسريب محاضر اجتماعات نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني مع مسؤولين أميركيين في واشنطن إلى صحيفة لبنانية، بهدف إحراج المسؤول اللبناني، لما تضمنته التسريبات من انتقادات لحزب الله، بحيث أتت انتقائية وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" عبر تسريب ثلاثة تقارير من أصل سبعة أُرسلت من السفارة اللبنانية عن اجتماعات واشنطن.
وبعدما أساءت التسريبات إلى سمعة السفارة اللبنانية في واشنطن وصدقيتها، لا سيما وأن المحاضر نشرت حرفياً وهو ما يعد بالأمر الخطير، خصوصاً أن هذا التسريب دفع المسؤولين الأميركيين إلى التعاطي بحذر مع نظرائهم اللبنانيين. وبعد التداعيات الداخلية لهذه المسألة، رفع وزير الخارجية جبران باسيل القضية إلى النيابة العامة التمييزية التي كلفت جهاز أمن الدولة بإجراء التحقيقات.
سفارة لبنان في واشنطن تنفي
سفارة لبنان في واشنطن نفت بشكل قاطع أن تكون التسريبات قد صدرت منها، وضاقت حلقة الشبهات لتستقر داخل أروقة وزارة الخارجية، لا سيما وأن تسريباً مماثلاً كان حصل في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، لبرقية أرسلها سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى يستمزج فيها رأي الإدارة الأميركية من مشاركة سوريا في القمة الاقتصادية التي عقدت في بيروت، وقد تعرض حينها السفير اللبناني لانتقادات داخلية من قبل الفريق المقرب من حزب الله، الذي عاتبه على استشارة الأميركيين في مسألة لبنانية داخلية. التحقيق إذاً كان لا بد منه. ولكن لماذا تمت الاستعانة بجهاز أمن الدولة لإتمام المهمة؟
دخول جهاز أمن الدولة بمهمة أمنية إلى وزارة الخارجية شكّل سابقة، وطرح أكثر من علامة استفهام عن أسباب الاستعانة بجهاز أمني لتولي مهمة التحقيق في وقت كان يمكن أن تحصل التحقيقات بشكل سري، من قبل اللجنة الإدارية التي تضم الأمين العام للوزارة ومديري الشؤون الإدارية والسياسية، أو من قبل مديرية التفتيش المركزي للوزارة، إلا أن ما حصل شكّل ظاهرة غير مألوفة في الشكل والمضمون معاً، لما رافقها من ارتكابات وإجراءات بحق الدبلوماسيين في الوزارة.
تحقيقات مفصلة
مصادر دبلوماسية كشفت "أن التحقيقات انطلقت بعد اجتماع سريع عقده المدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا مع الوزير باسيل في مكتبه بحضور عدد من ضباط الجهاز، انتشر على أثره عناصر أمن الدولة وكانوا ملثمين، وقد شملت التحقيقات كل الدبلوماسيين في الوزارة بدءاً من الأمين العام السفير هاني شميطلي، وصولاً إلى آخر قنصل كان موجوداً في المبنى. ولم تُحترم خصوصية السفراء، الذين تمت مصادرة أجهزتهم الخلوية لتعقب كل اتصالاتهم ورسائلهم النصية، حتى الإعلاميين المعتمدين في وزارة الخارجية نالوا نصيبهم من الإجراءات التي فرضت في الوزارة، واستمرت التحقيقات لأكثر من 6 ساعات، ولم يُسمح لأي موظف أو سفير بالمغادرة إلا بعدما أنهى جهاز أمن الدولة المهمة".
حتى الآن وبعد مرور ثلاثة أيام على التحقيقات، لم يُعلن عن متهم، ولم يُصدر القضاء مذكرات توقيف بحق أي موظف أو سفير، في وقت كشفت مصادر أمنية لـ "اندبندنت عربية" أن "التحقيق مستمر، والنتائج ستظهر قريباً جداً"، ولم تشأ المصادر الدخول في أي تفاصيل إضافية.
في المقابل، تتحدث مصادر مطلعة عن شبهات تحوم حول اسمين اثنين في الوزارة أحدهما موظف في مديرية الرموز وهي الجهة التي تصلها كل التقارير الواردة من البعثات الدبلوماسية في الخارج، والموظف المعني هو علي قازان مقرب من "حركة أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والاسم الثاني هو السفير حسين حيدر المقرب أيضاً من أمل وحزب الله، والذي شوهد يوم التحقيقات في الوزارة يغادر المبنى محاطاً بثلاثة عناصر من جهاز أمن الدولة.
أبعد من التحقيق في تسريبات شوهت سمعة الدبلوماسية اللبنانية في الخارج، يمكن القول إن وزير الخارجية جبران باسيل سعى في حالَتَيْ التسريب ومشهد التحقيق إلى إصابة عصفورين بحجر واحد. إذ ربح في محاولة إحراج الحزب الذي ينتمي إليه نائب رئيس الحكومة وهو "القوات اللبنانية" الخصم اللدود لحزب الله الذي يعاني مواقف السياسة الأميركية التي تصنفه في خانة الإرهاب، وربح أمام الإدارة الأميركية في إظهار نفسه الحريص على السمعة الدبلوماسية، عبر عراضة غير مألوفة نفذها جهاز أمن الدولة المعروف بقربه من رئيس الجمهورية وتياره السياسي، لأن التحقيق السري لم يكن ليأخذ هذا الحجم من الاهتمام والتعليقات.
لكن ماذا لو ثبتت الشبهات حول المقربين من "حركة امل" وتوثّقت الاتهامات بالأدلة وحصلت توقيفات؟ هل في حسابات الربح لدى الوزير باسيل معركة جديدة مع الرئيس نبيه بري وفريقه في الحكومة؟