Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمكن التعويل على دخول "التفكير الناقد" إلى المدارس السعودية؟

متخصصون: يجب أن لا يقتصر التغيير على المقرر الجديد بل يطال باقي المقررات

أقرت وزارة التعليم السعودية مادة التفكير الناقد منهجاً دراسياً في مدارسها (غيتي)

أقرت السعودية إضافة مادة التفكير الناقد في مناهجها الدراسية، بغية إكساب الطلاب مهارة التحليل والسؤال وتحريك العقل والتخلي عن النهج التقليدي المتبع في التعليم بالتلقين والخطاب الأوحد الذي ملأ عقل الطالب بالحشو غير الفعّال، وغيب عنه مهارات التحليل والإبداع والحوار دون إشعال فتيل العقل لخلق رؤيته وهويته المعرفية الخاصة.

فعلى مر السنين لا يعرف الطالب في المدارس السعودية إلا منهجاً وأسلوباً واحداً في التعليم، فلا يقر إلا بمدارس دينية ومرجعية محددة وينبذ غيرها، وكذلك الأمر في الآراء الفقهية.

الأمر ذاته متّبع في العلوم الطبيعية، فالجزم والقطع واليقين هو السائد، فيلقن الطالب كل العلوم بترسيخ الحفظ ثم الحفظ، من دون وضعها في ميزان التفكير والنقد ودراسة مدى منطقيتها وواقعيتها.

ما التفكير الناقد؟

يعرف التفكير الناقد من قبل كثيرين من المفكرين بتعريفات مختلفة، إلا أننا نجد سمة واحدة في التعريفات وهي أن يكون التفكير "منطقياً" و"تأملياً"، ويتضمن التفكير الناقد مهارات التواصل وحل المشكلات والانفتاح على الآخر ومرونة التفكير في تلقي الأفكار البديلة، ويعتبر كثير من المفكرين التفكير الناقد بأنه كفاءة أكاديمية لمن عرف أسلوبه وأخذ به، فهو لا يقل أهمية عن القراءة والكتابة.

 

لكن هل بإضافته كمنهج بدءاً من العام الدراسي المقبل في السعودية سيتغير نمط وطريقة سير باقي المقررات الدراسية، أم سيقتصر التفكير الناقد على المقرر الدراسي بحفظ تعريفه وتاريخه وأنواعه وعلمائه، ويبقى محصوراً في مدة الفصول الدراسية فقط، أم أنه سيتعدى ذلك ويشمل أسلوب حياة الطالب ليقضي على انغلاق العقل لما هو قديم من عادات وتقاليد لم يشارك حتى في صنعها، بل بتواتر المجتمع على مر الأجيال وتكون أشد من الدين لدى البعض دون تمييز غثها من سمينها؟

وفي ظل الثورة الرقمية والتكنولوجيا التي يشهدها العالم اليوم أصبح الفرد السعودي يتعرض كل يوم لكم من المعلومات والأفكار المتضادة التي توجهه نحو اتجاهات مختلفة، ولا يوجد لديه وسيلة للتعاطي مع هذا العالم سوى عقله، لذلك يرى كثير من المفكرين أن إضافة منهج التفكير الناقد حاجة ضرورية، فالعقل هو وسيلة الإنسان الوحيدة، فمن خلال التفكير الناقد يحلل الأفكار ويجعل الإنسان أكثر تنوراً ووعياً وإبداعاً.

كيف يمكن لذلك أن يصنع تغييراً؟

أكد المفكر السعودي، إبراهيم البليهي، أن إضافة التفكير الناقد في المناهج له دلالات مهمة على الفكر السعودي، وقال "هي خطوة بنيوية ضرورية حاسمة، ولا يمكن حصره بالمحتوى المعرفي، وإنما إدخال منهج التفكير النقدي في التعليم له دلالة أعظم على المناخ الفكري الجديد الذي تعيشه السعودية، وإن هذه الخطوة كانت مسبوقة بخطوات لا تقل أهميةً". ويرى البليهي أن هذه الخطوة ستكون أكثر فاعلية على الناشئين وعلى الأجيال اللاحقة، لكن المهم حماية المشروع من "حراس التحجر، الذين يحاولون إرهاب الناس، وهذا وحده يكفي لانطلاق مسيرة التصحيح".

وأضاف المفكر السعودي حول الشرائح المستهدفة من هذا التغيير "الجيل الذي تصلبت أنماطهم الذهنية خلال العقود الماضية لا يمكن أن يتغيروا بسهولة، فالنمط الذهني المتصلب يتحكم بالفرد دون أن يَعلم، فهو يعتقد أنه يفكر بمنتهى العقلانية والتفرد، ولا يدرك بأن أنماطه الذهنية المستقرة تتحكم به"، وهي من وجهة نظره "معضلة بشرية عامة وليست معضلة مجتمع من دون آخر"، لذلك فإن المعول عليه في السعودية حالياً هي الإجراءات الرسمية لتحديد المسار ورعاية مسيرة الانفتاح، حسب البليهي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشدد على أن "التفكير الناقد لا يقتصر على مادة دراسية واحدة بل من المفترض أن يصاحب كل المواد، فالأسئلة التي تدور في الذهن هي ما تولّد الفكر، وهو ما يطلق صيحة التغيير داخل الإنسان وأن يكون هو الأسلوب الذي تناقش فيه كل المواد".

وعدّ الباحث الشرعي، عبد الله العلويط، إضافة مادة التفكير الناقد خطوة في بناء العقل النقدي، وعرفه بأنه ذلك العقل الذي "يستطيع فحص أي معلومة ترد إليه أو أي معلومة يعيشها أو سبق أن عاشها، وهذه الخطوة ستحد من الانجراف وراء الأفعال الجماعية أو الأقوال التي تُلقى على المرء".

لا نحملها أكبر مما تحتمل

ولأهمية التفكير الناقد حاولت الدول العربية اللحاق بالركب وتعليم أبنائها مهاراته. وعلق الباحث في الفلسفة، سليمان السلطان، على هذه المحاولات "بالنظر إلى تجارب دول مجاورة يجب أن لا نغالي فيما قد تسهم به هذه المادة، فشيوع التفكير النقدي يلامس أموراً عدة، ولا يقتصر فقط على إدراج مادة في المنهج التعليمي العام، فهناك شعوب عربية عدة سبقتنا في هذه المبادرة لكن لم نشهد تحولاً كبيراً في ثقافتها الاجتماعية".

وأكد ضرورة إنشاء بنية تحتية فكرية تقوم على التفكير العقلاني والنقدي الحر، وأضاف "لا بد من ردم أي ثغرة بين النظرية والممارسة وإلا سوف يكون ما يتلقاه الطالب في الفصل مقتصراً على الفصل، وهو ما قد ينعكس سلباً بأن يفقد الطلاب إيمانهم بالعملية التعليمية وتصبح شكلية لا تلامس واقعهم الحياتي".

الصحوة تغيب الفكر

وانطلاقاً مما قاله وزير التعليم السعودي أن مشروع التعليم ليس "مشروع فلول بأفكار قديمة تسعى لتعزيز وصايتها عليه"، يشير الكاتب السعودي، شايع الوقيان، إلى دور "الفكر الصحوي"، الذي كان مسيطراً على العقل السعودي في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته في تغييب الفكر النقدي. وأضاف "عوامل التخلف الثقافي المترسبة في النسق الاجتماعي السعودي ناجمة عن التوتر الحاد بين مفهومي الأصالة والحداثة، وقد كان تيار الصحوة يغذي هذا التوتر ويرفعه إلى مستوى صراع حضاري شامل"، ويرى بأن "هذا التيار استطاع استلاب العقل الجمعي للجماهير وإلغاء فاعلية التفكير النقدي عبر عمليات التعبئة الأيديولوجية، مثل اختلاق عدو متربص ونشر القصص المكذوبة والإشاعات، ومحاربة العقل وتصويره على أنه مدمر لروح التقوى".

ويعتقد مع تلاشي تيار الصحوة (على المستوى المرئي) فإن المنهج الجديد سيؤتي ثماره إذا تم تدريسها بطريقة جادة وصحيحة، وألا يتم التعامل معها كمادة ثانوية بل كمادة أساسية في نسق التعليم.

المجتمع السعودي المحافظ

ويوصف المجتمع السعودي بأنه مجتمع محافظ يقاوم أفراده كل الأفكار الجديدة والمبادئ الحديثة والعادات غير التقليدية، إلا أن الوقيان نفى عن مجتمعه هذه الصفة، وقال "شخصياً أرى أن المجتمع السعودي ليس محافظاً بالطريقة التي نتصورها فثمة انفتاح وترحيب بما هو جديد".

وميز الوقيان بين نوعين من الأنماط الاجتماعية "هناك مجتمع سعودي وهناك ثقافة سعودية، الثقافة هي كعقل المجتمع والمشكلة تكمن فيها، فهي فعلاً محافظة ولكننا نعيش في هذه السنوات تحولاً جذرياً على هذا المستوى أيضاً، وعلى الرغم من أن التغير الثقافي أبطأ من التغير الاجتماعي فإن إصلاح نظام التعليم عبر إدراج مواد التفكير النقدي هو خطوة رائعة في مساهمة التعليم في تحقيق أهداف الرؤية".

وأشار الوقيان إلى أن الساحة الثقافية السعودية شهدت أخيراً اهتماماً وحراكاً فلسفياً متزايداً، واستدرك أنه على الرغم من صدور قرار وزارة التعليم بإضافة مناهج الفلسفة والتفكير الناقد فإن الفلسفة والمنطق لا يزالان غائبين عن نسق التعليم، وقال "أتمنى تفادي هذا والتفكير بجدية في أهمية العلوم العقلية ككل".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة