Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران بين خيارين... إما التنازل وإما الخسارة

تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن يأخذ عمقاً أبعد بكثير من الأسباب المعلنة له ويستهدف من الناحية الأميركية تحجيم طموح طهران بلعب دور أساس وفعال في معادلة المنطقة

الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارة إلى مفاعل بوشهر النووي في إيران في كانون الثاني عام 2015 (أ.ب.)

"إنها مجرد حرب نفسية"، بهذه العبارة تختصر القيادتين السياسية والعسكرية الإيرانية قرار الإدارة الأميركية الأخير بإرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن إلى منطقة عمليات القيادة المركزية وتعزيزها بنقل 4 قاذفات استراتيجية من نوع B52 لتشكل دعم لقواعدها في حال انتقل التوتر مع إيران إلى مرحلة الاصطدام العسكري.

وتدرك القيادة الإيرانية من رأس الهرم إلى أسفله، أن الاشتباك الأميركي معها لا يمكن حصره في حدود البرنامج النووي والاتفاق الموقع بينها وبين مجموعة دول 5+1، فهو اتفاق وإن منح إيران ضمناً اعترافاً بحقها في امتلاك برنامج سلمي يضعها على عتبة الدول النووية، إلا أنه وضع شروطاً وعوائق ومحددات لهذا البرنامج مدعومة بقرار من مجلس الأمن ورقابته تطيح بالحلم النووي، إضافة إلى أنه لم يحقق لها ما كانت تأمل الحصول عليه بإنهاء العقوبات الدولية، فقد أبقى على تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان ودعم الإرهاب والتي لم تقدم طهران إجابات عليها حتى الآن.

الشروط الاثنا عشر التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لأي مسار تفاوضي بين واشنطن وطهران، تشكل جوهر الأزمة بين الطرفين، ما يعني أن الصراع بينهما لم يعد أو لم يكن محصوراً في الاتفاق النووي وطموحات طهران النووية، بل يدور حول التأثيرات والدور السلبي لإيران في المنطقة من خلال النفوذ والتمدد الذي أوجدته في عدد من العواصم العربية، وما يشكله من عوامل معرقلة لأي عملية تسوية وسلام ونقضاً لسيادة هذه الدول على قراراتها السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية.

هذا الدور الذي تصفه واشنطن والعديد من الدول العربية بالتخريبي لإيران في المنطقة، اعترف به سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، لكن في إطار قراءة إيرانية له تقول "إن الدور السلبي للدول المعادية لإيران ليس السبب فيه طبيعة النشاطات النووية الخطرة، أو الصاروخية أو الإقليمية لإيران، بل السبب فيه هو معارضتهم لتحول إيران إلى قوة" في المنطقة. معتبراً أن السياسات الإقليمية لبلاده "تشكل بلا شك الورقة الرابحة لإيران في تأمين مصالحها وأمنها الدائمين في المنطقة".

كلام شمخاني هذا ينسجم مع رؤية النخبة السياسية الأمنية الإيرانية التي ترى بأن تعزيز قدرات إيران ينعكس بشكل أساس ومباشر على موقع هذا البلد في المعادلات الإقليمية وتوازناتها. ما يعني أن تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن يأخذ عمقاً أبعد بكثير من الأسباب المعلنة له، ويستهدف من الناحية الأميركية تحجيم الطموح الإيراني بلعب دور أساس وفعال في معادلة المنطقة، ومن الناحية الإيرانية الدفاع عما تعتبره مكتسبات استطاعت تحقيقها والحصول عليها من خلال لعبة التنافس على مساحات النفوذ مع اللاعب الأميركي وشركائه، مستخدمة كل الأوراق التي توافرت لها، أمنية وديموغرافية وسياسية، إضافة إلى عدم رغبة لدى الإدارة الأميركية السابقة في الدخول بمواجهة معها مقابل تأمين الحد الأدنى من مصالحها الشرق أوسطية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد تكون القراءة الإيرانية مقاربة لحقيقة التطورات، خصوصاً أن إدارة الرئيس ترمب ذهبت في مواقفها إلى صلب الأزمة مع النظام الإيراني بالتصويب مباشرة على الدور المزعزع لإيران في المنطقة ودعمها لجماعات في عدد من الدول تمنع قيام الدولة ومؤسساتها، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان، وتعرقل التوصل إلى حل سلمي في الأزمة اليمنية، وتتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى.

لذلك، فإن ما تقوم به إدارة الرئيس دونالد ترمب في ما يتعلق بتنامي الدور الإيراني في الشرق الأوسط، يمكن اعتباره أو توصيفه بأنه حركة تصحيحية في المواقف الأميركية ومحاولة لإعادة تصويب مواقف واشنطن وترميم دورها الذي تراجع بسبب التفويض الذي حصلت عليه طهران من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي منحها حرية نسبية في لعب دور أساس في تركيب المشهد الإقليمي السياسي والأمني، إضافة إلى تسهيل إعادة دمجها في المجال الاقتصادي الدولي والإقليمي، كل ذلك مقابل التوقيع على الاتفاق النووي الذي اعتبرته إدارة أوباما إنجازاً تاريخياً لها.

وفي العقيدة السياسية والأمنية للنظام الإيراني هناك ربط عميق بين قضايا السياسة الخارجية والأمن الدولي مع القضايا الداخلية والأمن القومي، ويخضعان لتأثير متبادل، فإما أن تعمل على تعزيز قدراتها وأمنها مستفيدة من التطورات الإقليمية وإما أن تتبع نهجاً يضع أمنها وأمن الآخرين في معرض الخطر.

ومما لا شك فيه أن النظام الإيراني يدرك بأن التصعيد الأميركي يهدف إلى جر قيادة النظام للجلوس إلى طاولة المفاوضات في إطار مطالب واضحة تمس دور إيران الإقليمي ونفوذها بما يؤدي أو ينتهي إلى إجبارها على تغيير سلوكها. ويدرك أيضاً أن عليه عدم المراهنة هذه المرة على عامل الوقت كما في السابق لتحقيق مكاسب، فهو محكوم بالتفاوض وتقديم تنازلات، وأنه كلما تأخر الوقت في اتخاذ قرار التفاوض فإن الدائرة ستضيق عليه وأن حجم التنازلات سيكون أكبر.

المفاوض الإيراني الذي بدأ تحركاً دبلوماسياً باتجاه الدول الأوروبية والحليف الروسي يدرك جيداً بأن الأوضاع الداخلية لن تكون في منأى عن تداعيات ما يتعرض له النظام من ضغوط أميركية، وأن مسار المماطلة قد يمنح القوى الأكثر تطرفاً فرصة السيطرة على الموقف السياسي والدفع باتجاه التفجير العسكري أو رفض أي محاولة للحوار والتفاوض، ما قد يؤدي إلى خسارة مضاعفة وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها لإبعاد كأس المواجهة المرة، فهو لا يعرف أيضاً الحدود والسقف الذي تقف عندهما المطالب الأميركية، ويتخوف من أن تؤدي الاستجابة الإيرانية لهذه المطالب والشروط إلى زعزعة أسس النظام الداخلية وخسارة كل ما يعتبره إنجازات على الصعيد الإقليمي. خصوصاً أن سقف التصعيد بين الطرفين قد وصل إلى مستويات بات من الصعب على أي منهما الخروج خاسراً.

فهل ستعود إيران إلى مقولة مؤسس النظام الذي أكد في المفاصل المصيرية والتحديات الكبيرة التي واجهته بأن "الحفاظ على النظام مقدم على كل الأمور".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء