بعد خمسة أشهر من جفاء عمّق الأزمة السياسية في البلاد، التقى رئيس الجمهورية قيس سعيد، الثلاثاء 15 يونيو (حزيران) 2021، في قصر قرطاج، رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدداً من رؤساء الحكومات السابقين، في مؤشر إلى بداية انفراج الأزمة السياسية التي بلغت مداها، وباتت تهدّد الاستقرار في تونس.
نظام سياسي جديد وتعديل الدستور
ودعا سعيد خلال هذا اللقاء إلى حوار وطني يقود إلى الاتفاق على نظام سياسي جديد وتعديل دستور 2014، وذلك في مسعى لحل الأزمة السياسية الحادة في البلاد.
تصريحات رئيس الجمهورية ربما تفتح الطريق أمام إنهاء الجمود السياسي المستمر منذ خمسة أشهر، وتضع حدّاً للخلاف بينه ومشيشي، المدعوم من رئيس البرلمان ورئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، بسبب الصراع حول الصلاحيات والتحالفات السياسية.
وعمّق غياب المحكمة الدستورية المختصة بفصل النزاع حول الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث، الأزمة السياسية في البلاد، بانفراد رئيس الجمهورية بتأويل الدستور، وهو ما تسبب في تصدّع مؤسسات الحكم.
"الأقفال في كل مكان" في الدستور
وقال سعيد في كلمة أثناء لقائه المشيشي وثلاثة رؤساء حكومات سابقين: "لندخل في حوار جدّي يتعلق بنظام سياسي جديد وبدستور حقيقي، لأن هذا الدستور قام على وضع الأقفال في كل مكان، ولا يمكن أن تسير المؤسسات بالأقفال والصفقات".
واختارت تونس نظاماً مختلطاً يُنتخب فيه الرئيس بشكل مباشر من الشعب، إلا أن غالبية السلطات بيد رئيس الحكومة الذي يعيّنه الائتلاف الحاكم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتؤيد "حركة النهضة"، النظام البرلماني الخالص، متوجّسة من النظام الرئاسي الذي ربما يتيح في تقديرها "إعادة إنتاج ديكتاتورية جديدة"، بينما يميل رئيس الجمهورية إلى النظام الرئاسي، ويشاطره في ذلك عدد من السياسيين الذين يرون أن تونس تحتاج إلى قيادة واحدة مع توازن في بقية السلطات.
فهل بدأنا فعلاً بحوار وطني يفضي إلى إنهاء الأزمة السياسية في البلاد؟
شروط واضحة للحوار
وأكدت أستاذة القانون الدستوري هناء بن عبدة أن رئيس الجمهورية يدخل الحوار بشروط واضحة، وهي نظام سياسي جديد ونظام انتخابي جديد، إضافة إلى رفضه تشريك بعض الجهات في هذا الحوار.
وأضافت أنه من الناحية الدستورية، يبدو أن سعيد يريد دستوراً جديداً من خلال المراجعة أو التعديل الذي يتطلّب اتفاقاً سياسياً، أو موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، وهذا غير ممكن حالياً بالنظر إلى تشتّت المشهد البرلماني، مردفةً أن الأسباب الموضوعية لتغيير الدستور غير متوافرة الآن.
وعبّرت عن تأييدها للشروط التي وضعها رئيس الدولة لبدء الحوار، لافتة إلى أنه من دون هذه الشروط سيتم إنتاج المنظومة السياسية ذاتها ومؤكدة أهمية تغيير النظام الانتخابي وإصلاح القوانين الانتخابية.
وقالت أستاذة القانون الدستوري: "لا يمكن التكهّن بنتائج الحوار الآن، إلا أن رئيس الجمهوريّة لا يريد توافقاً مغشوشاً بحسابات سياسية تعيد إنتاج نفس أسباب الفشل الذي تعيشه المنظومة السياسية الحالية".
هدنة سياسية - اجتماعية
من جهته، اعتبر الكاتب الصحافي زياد الهاني أن الحوار مؤشر إيجابي من رئيس الجمهورية، لافتاً إلى وجود بعض الغموض حول مدى استعداده للدخول في نقاش جاد وشامل ينهي أسباب الأزمة السياسية الراهنة.
ودعا الهاني إلى حوار واسع يجمع كل الأطياف السياسية والمنظمات الوطنية لبلورة التصورات الكفيلة إنهاء الأزمة في مختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
كما دعا إلى مرحلة انتقالية تسودها هدنة اجتماعية تنهي الاعتصامات والإضرابات وتعطيل مواقع الإنتاج، وأخرى سياسية يتوقف معها التشنج والصراعات الضيقة.
وأبدى الهاني تفاؤلاً حذِراً من مآلات الحوار، معتبراً أن نتائجه غير مضمونة إلى حدّ الآن.
استفتاء شعبي لتعديل الدستور
في غضون ذلك، كشفت النائب في البرلمان عن "حركة الشعب" ليلى حداد عن أن سعيد يتوجّه نحو إجراء استفتاء شعبي لتعديل الدستور، مؤكدة أن "حركة الشعب" تدعم تغيير القانون الانتخابي والنظام السياسي.
وبينما رحّب رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي بهذا الحوار، داعياً إلى أن يكون شاملاً من ودون إقصاء، قال المستشار السياسي لرئيس الحركة رياض الشعيبي إنها لم تتلقَّ إلى الآن رسالة واضحة من رئيس الجمهورية حول الحوار الوطني المنتظر.
رحيل حكومة المشيشي
في المقابل، أكد أمين عام حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي أنه "لا يوجد مناخ لإجراء حوار اقتصادي أو اجتماعي في ظل تواصل الأزمة السياسية"، داعياً إلى تجاوز الخلافات الحادة بين رأسي السلطة التنفيذية لإجرائه.
وشدد في تصريح صحافي على أن الحل الوحيد اليوم يكمن في رحيل الحكومة التي أثبتت وفق قوله "عدم كفاءتها وفشلها".
من جهته، رأى النائب في مجلس نواب الشعب عن حزب "قلب تونس" فؤاد ثامر أن الحل الوحيد للأزمة الحالية التي تعيشها تونس، يكمن في تصالح كل من رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وتُعتبر مبادرة رئيس الجمهورية نقطة فارقة في المسار السياسي في تونس، إلا أن الشروط التي وضعها سعيد، تحتاج إلى وفاق سياسي شامل لتبنّيها والمصادقة عليها، وهو ما ستكشف عنه المشاورات السياسية في الفترة المقبلة.
وأكدت رئاسة الجمهورية في بلاغ لها أنه تم الاتفاق على اللقاء مجدداً في أقرب الآجال، حتى يقدّم كل مشارك تصوّره للحلول، إلى جانب إمكانية حضور أطراف أخرى، شرط أن يكون العمل نابعاً من تصوّرات وطنية لا من اعتبارات ظرفية أو حسابات سياسية ضيّقة.